فرصة جديدة سانحة للبنك الدولي
خارج المجال الأمني، يقدم إصلاح البنك الدولي لإدارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن أعظم فرصة لتحقيق إنجاز رئيسي في مجال السياسة الخارجية. يجب أن يكون البنك الدولي أداة رئيسية في الاستجابة للأزمات، وإعادة البناء بعد الصراعات، والأمر الأكثر أهمية دعم الاستثمارات الضخمة اللازمة للتنمية العالمية المستدامة السليمة، لكنه في الوقت الحالي لا يضطلع بهذا الدور.
السمة البارزة التي تميز النموذج المالي الذي يتبناه البنك الدولي حتى قبل إصلاحه (وهو أمر ضروري للغاية)، بل وحتى دون النظر إلى قدرته على حشد التمويل من القطاع الخاص، هي أن كل دولار من الأموال المرصودة له من الولايات المتحدة يحفز زيادة دائمة في الإقراض تتجاوز 15 دولاراً. (هذا لأن البلدان الأخرى تساهم في البنك أيضاً، وتعمل الروافع المالية على مضاعفة رأس المال المدفوع عدة مرات).
يتمتع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بقدرة فريدة من نوعها على تنفيذ مشاريع ضخمة في مختلف أنحاء العالم وبتكلفة منخفضة. وهما مؤسستان تساهم فيهما أطراف متعددة، وأغلب المساهمين يدعمون القيم الغربية. يقع مقر البنك الدولي في واشنطن العاصمة، وجرت العادة على أن تكون قيادته أمريكية.
أشار تشارلز كيني، من مركز التنمية العالمية وآخرون إلى أن العالم، على الرغم من الإطناب في الخطابة، قاصر إلى حد بعيد عندما يتعلق الأمر بقدرته الجماعية على الاستجابة للأزمات. يُـظـهِـر تحليل كيني الدامغ أن إقراض البنك الدولي، على الرغم من «الأزمة المتعددة الجوانب» اليوم ــ الركود العالمي الذي يلوح في الأفق، وأسعار الفائدة المرتفعة والدولار القوي الذي يضرب العديد من الاقتصادات، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، والجائحة المستمرة، وتسارع تغير المناخ ــ لم يواكب حتى مستويات النمو منذ عام 2017. الواقع أن إقراض البنك الدولي انخفض في العام الماضي، ولم يكن أداء صندوق النقد الدولي أفضل كثيراً.
يجب أن يكون هذا غير مقبول من جانب الولايات المتحدة وغيرها من كبار المساهمين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. نظراً لحجم التحديات العالمية المنتظرة خلال العقد المقبل، ينبغي لنا أن نفكر في تريليونات وليس مليارات الدولارات للبنك الدولي. إذا كانت الحرب أكثر أهمية من أن تُـتـرَك للجنرالات، فإن تمويل بقاء العالم أعظم أهمية من أن يترك للصحافيين والبيروقراطيين الدوليين.
يتعين علينا اتخاذ أربع خطوات، وجميعها تتفق في عموم الأمر مع خطاب وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الأخير والبيان الصادر أخيراً عن مجموعة من المؤسسات البحثية والفكرية.
أولاً، يحتاج البنك الدولي إلى بيان مهمة جديد وموسع يشمل الاستدامة والمنافع العامة العالمية، فضلاً عن الحد من الفقر. لن يتسنى إحراز نجاح دائم في الحد من الفقر في غياب تحول نموذجي عالمي نحو التنمية المستدامة، ولن يتسنى إيجاد مسار إلى التحول الأخضر على مستوى العالم دون إحراز تقدم في الحد من الفقر. إن بيانات المهام تصبح بلا معنى في غياب العمل على الأرض. ويصر مساهمو البنك الدولي على رؤية مالية من شأنها أن تُـفـضي إلى إصدار قروض بقيمة 2 تريليون دولار على مدار السنوات العشر من 2024 إلى 2034.
ثانياً، يتعين على البنك أن يعمل على إصلاح نموذجه المالي ليشمل زيادة أكبر في رأسماله؛ وإعادة النظر في أدوات الإقراض، بما في ذلك أفقها الزمني ودرجة المشروطية؛ والجمع بين جهود التمويل المشترك، وتلك التي تبذلها مؤسسة التمويل الدولية (ذراع إقراض القطاع الخاص في البنك) وهيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف لحفز الاستثمار الخاص. من الأهمية بمكان أيضاً النظر في الأفكار المقدمة من مارك بلانت، من مركز التنمية العالمية أيضاً، وآخرين، لاستخدام حقوق السحب الخاصة (الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الدولي) كرأسمال للتنمية. (حتى الآن، على الرغم من قدر كبير من الدعاية الصاخبة، لم تخلف التخصيصات الجديدة لحقوق السحب الخاصة، في أفضل تقديراتي، أي أثر على وتيرة التنمية في مختلف أنحاء العالم).
ثالثاً، هناك حاجة ملحة لإصلاح ثقافة البنك وإجراءاته للتأكيد على سرعة التنفيذ. سيأتي الوقت حيث ستكون إعادة بناء أوكرانيا أولوية رئيسية. وفي غياب الإصلاح، أتمنى (لكني لا أتوقع أن يتحقق ذلك) أن يجري تحويل الأموال المتعهد بتقديمها سريعاً وفقاً لجداول زمنية محددة، على عكس ما جرى في العديد من مواقف ما بعد الصراع.
أتمنى أيضاً أن يتمكن البنك من الابتعاد عما أسميته ذات مرة «نهج القوافل» ــ كل القطاعات في كل البلدان ــ والتحول نحو التأكيد على ما هو أكثر أهمية. عندما يكون من الواضح أن توفير كميات ضخمة من التمويل في أوقات الأزمات يأتي بسرعة فإن هذا قد يكون ذا قيمة عظيمة للبلدان المتلقية.
رابعاً، يجب أن تنعكس هذه الخطوات في زيادة كبيرة في رؤوس الأموال الخضراء يُـتَّـفَـق عليها في غضون عام. ونظراً لمدى إلحاح احتياجات العالم، يجب أن تكون هذه الزيادة أكبر بمرتين أو ثلاث مرات من الزيادة السابقة التي بلغت 13 مليار دولار في عام 2018. تشير تقديراتي إلى أن زيادة قدرها 30 مليار دولار في رأس المال المدفوع، والتي ستكلف الولايات المتحدة نحو 5 مليارات دولار على مدار ثماني سنوات، من الممكن أن تدعم ما يقرب من 100 مليار دولار إضافية في هيئة إقراض سنوي، موجهة بشكل كبير نحو تحول الطاقة.
هذه أقرب إلى بداية رؤية أكثر من كونها برنامجاً مفصلاً. يتلخص هدفي في نقل حِـس الإلحاح وحجم متطلبات اللحظة. لم أشغل أي منصب لفترة من الوقت، ولهذا فقدت التعاطف مع القيود التي سيشير إليها موظفو البنك والقائمون على وزارات الخزانة على مستوى العالم. من ناحية أخرى، هناك لحظات مفصلية في التاريخ، حيث يجري الانتقال من ما لا يمكن تصوره إلى الحتمي بسرعة مذهلة.
يجب أن تكون هذه هي الحال. بعد كل ما حدث في السنوات القليلة الأخيرة، نشأت حاجة عاجلة إلى استعادة العالم النامي الثقة في الولايات المتحدة وحلفائها. ولا توجد وسيلة أفضل لاستعادة الثقة من توفير الدعم الجماعي الواسع النطاق لأعلى أولويات البلدان. ولا يوجد سبيل أسرع وأكثر فعالية لحشد الدعم من الاستعانة بالبنك الدولي. إذا لم نر تقدماً كبيراً في هذه القضايا في إطار اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين هذا الأسبوع في واشنطن العاصمة، فإن هذا يعني أن فُـرصة كبرى قد أُهـدِرَت.
* كبير خبراء الاقتصاد في البنك الدولي (1991 - 1993). شغل منصب وزير الخزانة في الولايات (1999 - 2001)، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي (2009 - 2010)، ورئيس جامعة هارفارد (2001 - 2006) حيث يعمل حالياً أستاذاً جامعياً.