عقد شراكات عالمية من أجل تعافٍ إفريقي
لاندري سيني، أمينة غريب فقيم
واشنطن العاصمة/بورت لويس- أثر انتشار جائحة كوفيد-19 بعمق على البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، على الرغم من التباينات الشاسعة في قدرات الاستجابة الأولية. وكان زعماء العالم قلقين بصورة خاصة بشأن الآثار المحتملة للمرض على إفريقيا، نظراً لنقص الموارد المالية والطبية في القارة، وضعف أنظمة الرعاية الصحية، والاقتصادات الهشة، والسكان المستضعفة.
ولكن إعداد القادة الأفارقة ووكالات الاتحاد الإفريقي والتعاون فيما بينهم، لا سيما المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، كُللا بالعديد من النجاحات- بما في ذلك زيادة القدرات المتاحة في مجال الكشف المختبري، وتعبئة الموارد، والسياسات المنسقة لمنع انتشار فيروس كورونا واحتوائه، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، لا تزال إفريقيا تواجه تحديات كبيرة. وتشمل هذه التحديات الزيادة المستمرة في حالات كوفيد19، والحاجة إلى قدرة اختبار أكبر وبنية تحتية صحية محَسنة، وصعوبات الحصول على الإمدادات الطبية والغذائية، وأنظمة الرعاية الاجتماعية الضعيفة التي تكافح لدعم الفئات الضعيفة من السكان خلال الأزمة الاقتصادية، والديون الحكومية المرتفعة، إلى جانب الحاجة إلى زيادة الإنفاق.
ورغم أن البلدان الإفريقية قادرة على مواصلة تقدمها في رحلتها الطويلة نحو الانتعاش، إلا الدعم الخارجي سيعزز جهودها إلى حد كبير. وبصرف النظر عن المبادئ الإنسانية والتضامن، فإن الانتعاش الإفريقي القوي والسريع يصب في مصلحة العالم. وطالما لم تُجرَ اختبارات الكشف عن الفيروس في بعض المناطق، فلن يكون أي جزء من العالم في مأمن منه. وفضلاً عن ذلك، إذا أدى كوفيد-19 إلى زيادة إضعاف الدول الإفريقية الهشة، أو تسبب في كوارث صحية أو اقتصادية في القارة، فقد يترتب عن ذلك أزمة هجرة، أو زيادة في التهديدات التي يواجهها الأمن الدولي.
لذلك، نقترح ست طرق يمكن للعالم أن يتعاون بها مع إفريقيا لتحسين استجابة القارة للأزمات، وتسريع انتعاشها الاقتصادي، وبناء الزخم اللازم لتطورها بعد الوباء.
أولاً، يمكن للشركاء الخارجيين توفير موارد واستثمارات كافية لتمكين الاستجابات الفعالة لـكوفيد-19، والتعافي الاقتصادي الشامل بعد الوباء. وعلى الرغم من أن الشركاء المتعددي والثنائيي الأطراف قد قدموا بالفعل بعض الدعم المالي في شكل تخفيف عبء الديون، والقروض، والمنح، فإن الحكومات الإفريقية بحاجة إلى المزيد. ويقدر البعض فجوة التمويل في القارة لمواجهة الأوبئة بحوالي 100 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وبالنظر إلى مواطن الضعف في الرعاية الصحية والاقتصادية في إفريقيا، فإن الدعم المالي الإضافي وتخفيف عبء الديون في غاية الأهمية.
ثانياً، يجب على الشركاء أن يدعموا منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية، ويستثمروا فيها؛ وهو ما يعد واحداً من أفضل خطط التعافي الاقتصادي في إفريقيا. وتهدف اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى زيادة التجارة بين البلدان الإفريقية بصورة كبيرة، ثم تطوير سلاسل القيمة الإقليمية، والتصنيع المحلي، وتوريد السلع الوسيطة والنهائية. وعن طريق الحد من تعرض القارة للصدمات الخارجية من خلال تقليل الاعتماد على التجارة غير الإفريقية، ستعزز الاتفاقية التنويع الاقتصادي والقدرة على الصمود، ثم تعزيز تكامل إفريقيا وتعزيز انتعاشها. وإلى جانب دعم منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والاستثمار فيها، يمكن للشركاء تقديم الخبرة فيما يتعلق بآليات تنظيم التجارية، والقدرة التصنيعية.
ويعد دعم نمو القطاع الخاص طريقة ثالثة لإطلاق الإمكانات الاقتصادية لإفريقيا، حيث يمثل فرصة كبيرة- في مجال التجارة والاستثمار- ستفيد إفريقيا والشركات العالمية. وعلى الرغم من أن كلاً من القطاع الرسمي والقطاع غير الرسمي الواسع النطاق يكافحان حالياً، بسبب عمليات الإغلاق والقيود الاقتصادية، ستكون الشركات الخاصة حاسمة في تعافي إفريقيا وتنميتها في المستقبل. ويمكن للشركاء الخارجيين دعم الشركات الإفريقية من خلال زيادة الاستثمار، بما في ذلك في الشركات الصغرى والمتوسطة الحجم التي تحاول الصمود، اليوم، ودفع رواتب موظفيها. ويمكن للشركاء الدوليين أيضاً المساعدة على تحسين بيئة الأعمال، من خلال الإشراف على عملية تنظيم إلزامية، على سبيل المثال.
بعد ذلك، يمكن للشركاء الخارجيين دعم جهود إفريقيا لاحتضان الثورة الصناعية الرابعة، وتحقيق تحول رقمي ناجح. فخلال الوباء، مكنت التكنولوجيا من التنبؤ والنمذجة في مجال الطب في الوقت الحقيقي، وتحسين الاتصال بين القادة، والتشغيل الافتراضي للشركات. ولكن البنية التحتية التكنولوجية في إفريقيا، وخاصة الوصول إلى الإنترنت، متأخرة جداً، ولم تستفد القارة من التكنولوجيا الرقمية بقدر ما استفادت منها بقية العالم. ويمكن للشركاء المساعدة في تسريع الثورة الصناعية الرابعة في إفريقيا من خلال مشاركة الابتكارات التكنولوجية، والتعاون في تكييفها مع السياقات الإفريقية، وتوفير الاستثمارات التي ستطلق العنان للإمكانيات التكنولوجية للمبتكرين الأفارقة الشباب، وتمكين الابتكارات الحالية من التوسع.
خامساً، يمكن أن يساعد العالم في ضمان عدم تخلف أي إفريقي عن الركب، بما في ذلك من خلال خلق فرص العمل، وبناء المهارات، والحماية الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين. وتحتاج الفئات الضعيفة مثل أولئك الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية، أو في المناطق الريفية، والشباب والنساء، والأسر الأشد فقراً إلى دعم حكومي إضافي، لكن أنظمة الرعاية الاجتماعية ضعيفة، خاصة في الدول الهشة. لذلك يجب على الشركاء الخارجيين أن يولوا اهتماماً خاصاً لمساعدة البلدان والمجتمعات الأكثر تضرراً، من خلال توجيه الموارد نحو هؤلاء السكان، بدلاً من تقديم مساعدات غير مشروطة للحكومات، ومن خلال التعاون مع القادة الأفارقة لوضع سياسات مبتكرة تفيد هذه المجموعات.
والأولوية الأخيرة هي مساعدة إفريقيا على معالجة نقاط ضعفها، وسد الفجوات بين أهداف السياسة ونتائجها، بما في ذلك من خلال البحوث السياسية القائمة على الأدلة. ويمكن للمؤسسات غير الفعالة، والفساد، وانعدام المساءلة، أن يقوض حتى السياسات المثالية. ويمكن للشركاء مراقبة المشاريع أو توفير خبراء للمساعدة في التنفيذ، ويمكنهم تعزيز الحكم الرشيد من خلال تدابير ومؤشرات مثل مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، أو مؤشر الدول الهشة التابع لصندوق السلام، أو مؤشرات البنك الدولي للحكم على صعيد العالم. وتضطلع المعاهد البحثية، ومراكز الفكر مثل معهد بروكينغز دوراً مهماً في هذا الجهد.
ويمكن لكل من هذه المقترحات الستة مساعدة إفريقيا على مكافحة جائحة كوفيد-19 والتعافي منه، ولكنها ضرورية أيضاً لتحقيق إمكانات القارة وتسريع تنميتها في المستقبل. ومن خلال التعاون مع الشركاء الخارجيين لتأمين موارد إضافية، وتطوير مبادرات جديدة، والاستثمار في القطاعات الرئيسة، يمكن للبلدان الإفريقية تخفيف التأثير الفوري للفيروس، وتسريع الانتعاش الاقتصادي، وفي الوقت نفسه بناء أنظمة مرنة لتحقيق النمو والنجاح على المدى الطويل.
وقع على هذا التعليق جويس باندا، الرئيسة السابقة لمالاوي؛ وروزاليا أرتياغا سيرانو، الرئيسة السابقة لجمهورية الإكوادور؛ وفومزيل ملامبو نغوكا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ونائبة رئيس جنوب إفريقيا السابقة؛ ولايمدوتا ستروجوما، رئيسة وزراء لاتفيا سابقا؛ وإيف لوتيرم، رئيس وزراء بلجيكا الأسبق؛ وروفشان مرادوف، الأمين العام لمركز نزامي كنجافي الدولي.
ترجمة: نعيمة أبروش Transltaed by Naaima Abarouch
لاندري سيني، أستاذ ومدير أول في كلية ثندربيرد للإدارة العالمية بجامعة ولاية أريزونا، وزميل بارز في معهد بروكينغز، وزميل متميز في جامعة ستانفورد، وعضو في مجموعة العمل الإقليمية لإفريقيا التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، وهو مؤلف كتاب صدر له أخيراً بعنوان، Unlocking Africa’s Business Potential .وشغلت أمينة غريب فقيم منصب رئيسة موريشيوس سابقاً.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org