إعادة هيكلة الديون السيادية بطريقة خضراء

سيمون زاديك

بكين ــ نجحت بلدان نامية عديدة حتى الآن في تجنُّب معدلات الإصابة والوفاة المرتفعة بعدوى مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) المشهودة في أماكن أخرى. ورغم أنَّ هذا قد يكون خبراً ساراً، على الأقل في الأمد القريب، فإنَّ الخبر المؤسف هو أنَّ هذه البلدان من المنتظر أن تكون بين الأكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية.

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنَّ ما يصل إلى 100 مليون شخص قد ينزلقون إلى براثن الفقر المدقع كنتيجة مباشرة للأزمة. وهذا مجرد فيض من غيض، مع انهيار صادرات البلدان النامية، وانهيار الشركات الصغيرة، والمجتمعات، وسبل العيش.

والتداعيات المالية وخيمة بذات القدر، مع اتجاه عائدات الضرائب إلى السقوط الحر، فضلاً عن الزيادة غير العادية في الإنفاق العام. من بنجلاديش إلى البرازيل، تحاول البلدان النامية الإبقاء على اقتصاداتها طافية من خلال الإنفاق العام الممول بالدين. تعادل حزمة التحفيز المالي الطارئة في جنوب إفريقيا بقيمة 26 مليار دولار (الأكبر في تاريخ القارة) ما يقرب من 10% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وربما تكون أزمة الديون السيادية وشيكة. فعلى مستوى العالم، ازدادت ديون الأسواق الناشئة بسرعة لكي تتجاوز 70 تريليون دولار أميركي. وقد تغذى هذا الدين على البحث عن العائد طوال عقد من الزمن في عالم يتسم بالسيولة المفرطة وأسعار الفائدة المنخفضة، وجرى تسليمه بفضل الحل المبتكر للتعامل مع التداعيات الاقتصادية التي ترتَّبت على الأزمة المالية العالمية في عام 2008: التيسير الكمي. وازدادت أعباء الديون فيما يسمّى الاقتصادات الحدودية إلى 3.2 تريليونات دولار (114% من ناتجها المحلي الإجمالي المجمع)، من أقل من تريليون دولار في عام 2005.

وعلى هذا فإنَّ إعادة هيكلة الديون السيادية تصبح ضرورة حتمية، مما ينذر بفترة من الآلام على جميع الجوانب. ويعني هذا ضمنا الحاجة الملحة إلى تقديم مساعدات فورية وابتكار حلول طويلة الأجل لمشكلة الديون.

قد يتمثَّل أحد هذه الحلول في "تخضير" الديون السيادية للبلدان الناشئة والنامية. ويمكن القيام بهذا من خلال ربط خدمة ديون الدولة بنجاحها في حماية أو تعزيز ما يسمّى رأس المال الطبيعي أو في الأساس، التنوع البيولوجي للأنواع الحيوانية والنباتية. العديد من البلدان المتضررة غنية بالتنوع البيولوجي، غير أنَّ رأسمالها الطبيعي يتعرض على نحو متزايد للتهديد، بما في ذلك كنتيجة لتغير المناخ.

قد يبدو الاستثمار في رأس المال البشري نوعاً من الترف. لكن تخضير الديون السيادية للبلدان الناشئة والنامية من الممكن أن يخفِّفَ من أزماتها الاقتصادية، في حين يساعد على استعادة وحماية أصول التنوع البيولوجي الحساسة مثل الغابات المطيرة، والأراضي الرطبة، والمحيطات، والأنواع المهددة بالانقراض، فضلاً عن توفير المنافع العامة العالمية ونمو الإنتاجية المستدام.

القيام بهذا من شأنه أيضاً أن يعمل على تحويل الضرورة المؤلمة إلى فضيلة ثلاثية. فأولاً، من الواضح أنَّ تقديم أسعار الفائدة المنخفضة وسداد أصل الدين في مقابل تحسين رأس المال الطبيعي لدى البلدان المدينة كفيل بتخفيف الآلام المالية المباشرة. ثانياً، من شأن هذا التحسين أن يعمل على تعزيز نمو الإنتاجية المستدام وازدهار هذه البلدان من خلال تعزيز رأسمالها الطبيعي المتزايد القيمة. ثالثاً، القيام بهذا في وقت يتسم بأسعار فائدة منخفضة تاريخياً يوفِّر وسيلة رخيصة لتأمين الأصول الطبيعية التي تشكِّل أهمية بالغة للأمن العالمي، والإمدادات الغذائية، ومكافحة تغير المناخ.

باختصار، لدينا الآن فرصة إجبارية ــ حاجة ملحة في الواقع ــ لتطوير نهج جديد قائم على الأداء في التعامل مع الديون السيادية يدعم التعافي الاقتصادي ويبني القدرة على الصمود من خلال إدارة ميزانية البلدان النامية العمومية بطريقة أفضل، مع اضطلاع رأس المال الطبيعي إلى جانب الأصول المالية بدور كبير.

الواقع أنَّ ما يقرب من 750 مليار دولار من السندات الخضراء أصبحت بالفعل جزءاً من مشهد الديون. وتتمثَّل الخطوة التالية الواضحة في أدوات الدين ذات أسعار الفائدة المرتبطة بالأداء الأخضر. ومن الممكن أن توفِّرَ البيانات الضخمة الآن أساساً قوياً لتسليم المقاييس المطلوبة في الوقت الفعلي لبناء الثقة وتجنب المقامرة من جميع الجوانب.

الحاجة ملحة إلى من يناصر هذه القضية، وهناك بعض الاختيارات الواضحة. تحتفظ كلٌّ من الصين والاتحاد الأوروبي، وكلاهما من روَّاد السياسات الخضراء على الساحة الدولية، بقسم كبير من الديون السيادية المستحقة على البلدان النامية، هذا فضلاً عن تأثيرهما الكبير في غيرهما من حاملي الديون. ومعاً، يمكنهما تعزيز نتائج الديون السيادية الخضراء.

إنَّ التلميحات والإيماءات الكبرى للتعددية وعقد الصفقات المنسقة ليست ما نحتاج إليه لإنجاح هذه الجهود. الواقع أننا قد نضطر إلى تجنُّبها للتوصل إلى صفقات مثمرة بسرعة. في البيئة السياسية المناسبة ومع بعض الوساطة الفنية الحاذقة، سيكون من الأذكى والأسرع للبلدان المثقلة بالديون والغنية بالتنوع البيولوجي ودائني هذه البلدان أن يتوصلوا إلى صفقات فردية. وسوف تقوم تأثيرات التعلم والشبكة، مع بعض التنبيه، بالعمل المتبقي.

البشر بطبيعتهم غير قادرين على القيام بمهام متعددة، حيث يؤكد لنا علماء الأعصاب أنَّ القيام بمهمة واحدة في كل مرة أكفأ كثيراً. والعكس صحيح عندما يتعلق الأمر بإدارة مجتمعاتنا. فالعمل لمساعدة المجتمعات والبلدان على تجاوز الأزمة الاقتصادية، مع تحسين رأس المال الطبيعي وتحقيق الازدهار الاقتصادي الإيجابي الطويل الأجل، أمر ممكن وضروري.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

سيمون زاديك رئيس مبادرة تمويل التنوع البيولوجي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org