كيف ينبغي لإفريقيا أن تتعامل مع التجارة والتصنيع

نمرود زالك

كيب تاون ــ كانت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي أُطـلِـقَـت في الأول من يناير/كانون الثاني، موضع ترحيب شديد باعتبارها "عامل تغيير للقواعد". فمن خلال الجمع بين 55 دولة ــ بإجمالي عدد سكان 1.3 مليار نسمة وناتج محلي إجمالي مجمع يعادل 3.4 تريليونات دولار أميركي ــ في سوق واحدة، يعتقد كثيرون أنَّ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية قادرة على تعزيز تعافي إفريقيا من أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، وتحفيز التحوُّل البنيوي، ودفع التحوُّل السريع إلى التصنيع. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنَّ التكامل التجاري من الممكن أن يرفع دخل إفريقيا بنحو 7% بحلول عام 2035، مما يساعد على انتشال 30 مليون إنسان من براثن الفقر المدقع.

الحق أنها توقُّعات نبيلة. لكن من المؤسف أنَّ خفض الحواجز التجارية وحده لن يمكن إفريقيا من تلبيتها.

تقضي اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بإلغاء الرسوم الجمركية على 90% من السلع وخفض الحواجز غير الجمركية. وفقًا لمنطق الاتفاقية، سيؤدي التحرير إلى زيادة حادة في التجارة القارية، مع زيادة الإنتاج ــ وخاصة من السلع المصنعة ــ لتلبية الطلب المتزايد على الصادرات. ومن شأن الصادرات الأعلى أن تشجِّع التصنيع الأطول أمدًا، من خلال جلب التخصيص الأكثر كفاءة للموارد واقتصاديات الحجم الكبير.

لكن هذا المنطق لا يخلو من خلل جوهري. ذلك أنَّ الرسوم الجمركية ليست العائق الرئيس الذي يعرقل التجارة القارية، والتصنيع الأسرع، والتحوُّل البنيوي في إفريقيا. الواقع أنَّ التعريفات التجارية منخفضة بالفعل. لهذا، يجري التركيز بشكل كبير على معالجة الحواجز غير الجمركية، وخاصة فجوات البنية الأساسية وتكاليف المعاملات المرتبطة بالجمارك.

ستقطع الخطوات المرتبطة بمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتبسيط الإجراءات الجمركية والحد من السعي وراء الريع عند الحدود شوطًا نحو تعزيز الكفاءة. لكن المطلوب حقًّا يتمثَّل في الاستثمار الواسع النطاق في البنية الأساسية المادية للجمارك وتحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات. تتمثل المشكلة الحقيقية التي تعيب القارة في نقص نمو قدرتها الإنتاجية.

يتأخر الاستثمار الثابت في إفريقيا، وحصة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي، والإنتاجية الزراعية عن مناطق نامية أخرى، وإن كان الأمر لا يخلو من تباين كبير عبر البلدان. علاوة على ذلك، يؤدي استمرار انخفاض حصة القارة في الصادرات العالمية إلى تفاقم قيود ميزان المدفوعات التي تحد من التحول الهيكلي، الذي يعتمد على زيادة الواردات، وخاصة من السلع الرأسمالية اللازمة لترقية وتحديث الزراعة والتصنيع.

على نحو مماثل، يتسبَّب عدم التوافق بين صادرات البلدان الإفريقية (السلع الأساسية والسلع شبه المصنعة في الأساس) ووارداتها (السلع الاستهلاكية والرأسمالية بشكل أساسي) في عرقلة التجارة القارية بشكل كبير. فما الذي يجعل غانا تتاجر في الكاكاو مع كوت ديفوار، إذا لم يكن أيٌّ من البلدين قادرًا على معالجته؟ ولماذا تصدر زامبيا النحاس إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تنتج النحاس أيضًا ــ لكنها لا تعالجه.

وعلى هذا فإنَّ سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الصناعية التي تهدف صراحة إلى التعجيل بالتحول البنيوي في الزراعة والتصنيع وما يرتبط بذلك من استثمار في البنية الأساسية، لا يقل أهمية عن البنود المرتبطة بالتجارة في اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. يدرك بعض الخبراء، بما في ذلك العديد من الباحثين في صندوق النقد الدولي، أنَّ السياسات الصناعية ضرورية لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. لكن هذه التدابير تعدُّ ثانوية وليست شرطًا أساسيًّا للتقدم الذي يجب أن يكون مصحوبًا باستثمار أوسع في الطاقة، والمياه والصرف الصحي، والبنية الأساسية للنقل (الطرق، والسكك الحديدية، والموانئ). آنذاك فقط، يصبح من الممكن أن تنطلق التجارة البينية الإقليمية حقًّا. مع ذلك، تشير تقديرات بنك التنمية الإفريقي، في ظلِّ الوضع الحالي، إلى أنَّ فجوة تمويل البنية الأساسية السنوية في القارة تتراوح بين 68 مليار دولار و108 مليارات دولار.

من الواضح أنَّ إفريقيا قادرة على تحقيق التحوُّل إلى التصنيع والتحوُّل البنيوي، على الرغم من مزاعم الرافضين. الواقع أنَّ حصة التصنيع في العمالة سجلت نموًّا ملموسًا في عدد من البلدان الإفريقية منذ عام 1990 (وإن كان ذلك مصحوبًا بنمو متواضع في القيمة المضافة). وبوسع البلدان الإفريقية أن تبني على خبرتها المتراكمة في التصنيع لاغتنام الفرص للإنتاج لصالح بعضها بعضًا وبقية العالم.

من الممكن أن تستفيد الصناعات الثقيلة مثل المعادن الأساسية، والكيماويات، وإنتاج الأسمنت من قربها من الأسواق الإقليمية. وهناك مجال كبير لمعالجة الناتج الزراعي وتحويله إلى منتجات غذائية ومشروبات للمنطقة وخارجها. الواقع أنَّ التحوُّلات والصدمات العالمية تخلق الفرص لإفريقيا لتوسيع مشاركتها في سلاسل القيمة، من الملابس إلى تجميع السيارات والمنتجات الصيدلانية.

لا يقتصر التحوُّل البنيوي على التصنيع. كما يزعم ثلاثة باحثون بارزون في إفريقيا، يتعيَّن على القارة أن تعمل أيضًا على عكس اتجاه إهمالها النسبي للناتج الزراعي والصادرات وسد فجوة الإنتاجية الزراعية مع مناطق أخرى. وهذا ضروري لزيادة الدخل في المناطق الريفية، حيث يتركز الفقر المدقع، وتعزيز الصادرات الزراعية (وبالتالي تخفيف القيود التي يفرضها ميزان المدفوعات على النمو).

تتسم الزراعة عالية القيمة مثل البستنة بالاحتياج إلى عمالة كثيفة بشكل خاص، وتتمتع بمجال متسع لأنواع من مكاسب الإنتاجية المرتبطة تقليديًّا بالتصنيع. وقد أثبتت إثيوبيا وكينيا هذا بالفعل من خلال صادراتهما من الزهور والخضراوات، وفعلت جنوب إفريقيا ذات الأمر مع الموالح والحمضيات.

لكن لكي ينجح أيٌّ من هذا، يتعين على قادة إفريقيا أن ينظروا إلى ما هو أبعد من العناصر المرتبطة بالتجارة في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وأن يعكفوا على تنفيذ استراتيجية أعرض تستند إلى الإقليمية التنموية، التي تهدف صراحة إلى رفع مستوى القدرة الإنتاجية. عندها فقط يصبح بوسع إفريقيا تحقيق التحوُّل البنيوي الذي تحتاج إليه بشدة ودفع عجلة التجارة في هذه العملية.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

نمرود زالك مستشار التنمية الصناعية ونائب المدير العام السابق في وزارة التجارة والصناعة والمنافسة في جنوب إفريقيا، وأستاذ مشارك في كلية نيلسون مانديلا للإدارة العامة في جامعة كيب تاون.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org