كيف يمكن أن يتحوَّل الاحتياطي الفيدرالي إلى النظام الأخضر بشكل أسرع
ميجان غرين
بوسطن ـ في الأشهر القليلة الماضية، أصدر مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مجموعة من التصريحات المتعلقة بالمناخ، حيث انضمَّ إلى عضوية شبكة البنوك المركزية وهيئات الرقابة المالية الهادفة للتحوُّل إلى النظام المالي الأخضر في ديسمبر / كانون الأول الماضي ثمَّ أنشأ لجنة إشراف جديدة للحد من مخاطر تغير المناخ في فبراير / شباط. ومع ذلك، على الرغم من أهمية هذه الخطوات الأولية، فسيتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي بذل المزيد من الجهود لمعالجة مشكل تغير المناخ، والذي بدوره يمكن أن يساعده على الوفاء بولايته.
في حين أوضح الرئيس جو بايدن أنَّ الاعتبارات المناخية ستؤثر في جميع عمليات صنع القرار المالي لإدارته، إلا أنَّ ذلك لم يُسهم في إخراج البنك المركزي من الأزمة. ومع ذلك، نظرًا إلى قلقه المتزايد بشأن استقلاليته، يشعر مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالقلق حيال نشر الأدوات غير التقليدية اللازمة لوضع صنع السياسات النقدية على نفس النهج.
لقد ذهب بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل إلى ما هو أبعد من التلاعب بأسعار الفائدة على القروض المصرفية قصيرة الأجل وغالبًا ما تكون بين عشية وضحاها (المعيار القياسي للمقترضين والمدخرين في مختلف أنحاء الاقتصاد) وتبني سياسات غير تقليدية، مثل سعيه لشراء الأصول استجابة لجائحة كوفيد 19. لقد أعرب عن عدم رغبته في تبني سياسة الرابحين والخاسرين، لكنه يفعل ذلك بالفعل: أي شخص يمتلك أصولًا يشتريها البنك المركزي يُعدُّ فائزًا.
صحيح أنه حتى لو كان بنك الاحتياطي الفيدرالي على استعداد لإدراج تغير المناخ بالكامل في سياسته النقدية، فإنَّ أفعاله ستظل مُقيدة من الناحية القانونية. يمكن للبنك المركزي شراء التزامات الحكومة الأمريكية مباشرة فقط في عمليات السوق المفتوحة أو من خلال برامج التيسير الكمي (QE). لدعم فئة مُعينة من الأصول - مثل الاستثمارات الخضراء - بشكل مباشر، سيتعين على البنك المركزي الحصول على موافقة وزارة الخزانة للاستناد إلى المادة 13.3 من قانون الاحتياطي الفيدرالي، وهو قسم يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بالعمل كمُقرض الملاذ الأخير خلال الظروف "غير العادية والملحة".
ومع ذلك، يُمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تجاوز هذه القيود من خلال تشجيع البنوك الخاصة على توجيه قروضها في اتجاه مُعين. من ناحية أخرى، يفرض بنك الاحتياطي الفيدرالي رسومًا على البنوك للحصول على قروض مُباشرة من خلال نافذة الخصم التابعة له، ويكون معدل الخصم هذا أعلى من مُعدل الأموال الفيدرالية. نتيجة لذلك، يتعيَّن على أيِّ بنك يقترض من خلال هذه النافذة أن يدفع علاوة، مما يدفعه إلى القيام بذلك فقط عندما يُعاني من نقص السيولة. لكن ليس هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال. في السبعينيات والثمانينيات، كان معدل الخصم أقل من معدل الأموال الفيدرالية، وكان بوسع مجلس الاحتياطي الفيدرالي دعم البنوك التي تقترض من خلال نافذة الخصم بشكل فعّال عن طريق خفض سعر الخصم إلى منطقة سلبية.
لتشجيع الاستثمار الأخضر، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التأكيد على ضرورة استخدام الأموال المقترضة من خلال نافذة الخصم بأسعار تفضيلية لغرض يهدف إلى الحد من مخاطر تغير المناخ. ومن خلال الحفاظ على مُعدلات فائدة إيجابية على القروض المصرفية، يمكن لمجلس الاحتياطي الفدرالي ضمان ألا يؤدي إدخال مُعدلات فائدة سلبية إلى مُعاقبة المُدخرين أو البنوك.
هناك سابقة بالفعل لمثل هذا الإقراض المستهدف. بعد الأزمة المالية العالمية، أطلق بنك إنجلترا برنامج تمويل الإقراض لتشجيع الاستثمار العقاري، ثمَّ أعاد نشر هذه الآلية للإقراض الموجه نحو المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم أثناء الجائحة. وعلى نحو مماثل، في إبريل/ نيسان عام 2020، قدم البنك المركزي الأوروبي عمليات إعادة تمويل مستهدفة طويلة الأجل حيث تقوم البنوك بمنح قروضًا جديدة للاقتصاد الحقيقي بسعر فائدة أقل من سعر الإيداع الرئيس. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، قدم بنك إسرائيل سعر الفائدة المنفصل الخاص به للإقراض المستهدف.
والسؤال المطروح الآن هو كيف يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي تحديد "الاستثمارات الخضراء" في حين لا يزال هذا المفهوم غامضًا للغاية؟ بداية، يجب أن يُقدم البنك إقراضًا مُستهدفًا لفئتين من الأصول التي يدعمها بالفعل: العقارات (عن طريق شراء السندات المالية من خلال برامج التيسير الكمي) وصناعة السيارات (من خلال إقراض شركة مُصنعة لسيارة ذات أغراض خاصة لشراء قروض السيارات من خلال مرفق قروض الأوراق المالية المدعومة بالأصول).
وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، تُمثل العقارات السكنية والتجارية ما يقرب من ثلث انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة (GHG)، كما يُشكّل النقل نحو 28٪. من خلال تشجيع تحويل هذه الأصول إلى النظام المالي الأخضر، من شأن الاحتياطي الفيدرالي أن يُؤثر بشكل كبير في مساهمة الولايات المتحدة في التخفيف من حدة آثار التغيرات المناخية.
علاوة على ذلك، لا يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي إعادة اختراع العجلة لتحديد الخصائص أو السيارات المُحافظة على البيئة. تُقدم كل من الرابطة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري "فاني ماي" وشركة الرهن العقاري الفيدرالية "فريدي ماك" قروضًا وشهادات خضراء للمنازل الفردية ومُتعددة الأسر. وبالتالي، يمكن أن يجتمع بنك الاحتياطي الفيدرالي والوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان - الهيئة التنظيمية لشركتي فاني وفريدي - لتحديد أفضل المعايير التي يجب استخدامها، ويمكن أن تصبح الوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان بعد ذلك الجهة المسؤولة عن فحص ومراقبة الممتلكات الخضراء.
في مجال صناعة السيارات، من شأن بنك الاحتياطي الفيدرالي إتباع المعايير التي حددتها الاتفاقية الطوعية لخفض انبعاثات المركبات الملوّثة للهواء بين مجلس إدارة موارد الهواء في كاليفورنيا وخمسة شركات عملاقة في صناعة السيارات (فورد وهوندا وبي إم دبليو وفولكس فاجن وفولفو)، الأمر الذي يتطلب تخفيضات سنوية بنسبة 3.7٪ في انبعاثات الغازات الدفيئة من سيارات الرُكاب الجديدة.
إضافة إلى اعتماد معايير واضحة، يتعيَّن على بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا ضمان عدم حصول البنوك على الإعانات المالية بأكملها. بالنسبة للقروض الجديدة، يجب على البنك أن يُطالب بتوجيه نسبة مئوية مُعينة من الإعانة المالية إلى المُستخدم النهائي. وبالنسبة للقروض الحالية التي تفي بمتطلبات الطاقة المتجددة، يتعين على البنك تعديل أسعار الفائدة للبنوك للتأهل للسعر السلبي.
إنَّ الإقراض الموجه باستخدام مُعدل الخَصم ليس تدبيرًا قويًا لمواجهة أزمة التغيرات المناخية فحسب؛ بل سيعمل أيضًا على تعزيز أدوات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل عام. من خلال عرض سعر فائدة سلبي على مقترضين مُحددين مع الحفاظ على سعر فائدة إيجابي على الأموال الفيدرالية، فإنَّ البنك المركزي سيفيد المقترضين والمدخرين في نفس الوقت.
وهذا من شأنه أن يوفِّر حافزًا قويًّا للاقتصاد بعد تراجع غير مسبوق في الأنشطة الاقتصادية - وبعد فترة أطول عمل بنك الاحتياطي الفيدرالي حاول من خلالها الوفاء بتفويضه بشأن التضخم. من شأن الإقراض الأخضر المستهدف أن يمكّن بنك الاحتياطي الفيدرالي من القيام بعمله أثناء معالجة واحدة من أكبر الأزمات في عصرنا.
ميجان غرين هي زميلة بارزة في كلية جون إف كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، وعضوة في لجنة الاستجابة للأزمات المُتجددة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org