Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

بنية أساسية صالحة للقرن الأميركي القادم

جوناثان جروبر، سيمون جونسون

واشنطن، العاصمة ــ "البنية الأساسية" هو المسمّى الذي يُـطـلَق على الأنظمة المشتركة التي تدعم الإنتاجية وتجعل من الممكن خلق وظائف جديدة بأجور عالية. في زمن الجمهورية الأميركية المبكرة، كانت قناة إيري تربط نهر هدسون بالبحيرات العظمى، وأتاح ذلك خلق إمكانات جديدة للتجارة والهجرة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، تحولت البلاد بفعل السكك الحديدية. أطلق عضو مجلس الشيوخ هنري كلاي على مبادرات الحكومة الفيدرالية لإنجاز هذه البنية الأساسية مسمى "النظام الأميركي". وبعد الحرب العالمية الثانية، جاء بناء شبكة الطرق السريعة بين الولايات استكمالًا لذلك الجهد.

يحتاج كل عصر إلى مجموعة من الاستثمارات في البنية الأساسية، تقوم على التكنولوجيا المتاحة وموجهة نحو نمو الإنتاجية وخلق فرص العمل. لهذا السبب، كان من المناسب أن تتضمَّن خطة البنية الأساسية التي أقرَّها الرئيس الأميركي جو بايدن التزامًا مضاعفًا بتمويل العلوم.

لكن معارضي بايدن من الجمهوريين يخالفونه الرأي. فهم يرون أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلا إلى تجديد بعض البنية الأساسية المادية التي شيدت خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع احتلال "الطرق والجسور" رأس القائمة في أغلب الأحيان. الواقع أن الولايات المتحدة تحتاج بالطبع إلى إصلاح كل جسورها القديمة وضمان قدرة الأميركيين على التحرك والتنقل بأمان وبسرعة معقولة. منذ عام 1950، ارتفع عدد سكان الولايات المتحدة بما يتجاوز الـضِّـعف. ويجب أن يكون هذا الـبُـعد من أبعاد البنية الأساسية قادرًا على مواكبة هذه الزيادة دون جدال.

لكن ازدهار أميركا بعد الحرب العالمية الثانية كان قائمًا على ما هو أكثر من مجرد طرق وجسور جيدة؛ فقد استند إلى دَفعة أعرض كثيرا لتوليد المعرفة العلمية المشتركة وتوظيفها للعمل بشكل منتج في القطاع الخاص. خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي تلتها، استثمرت حكومة الولايات المتحدة بكثافة في العلوم لأنها كانت تخشى بحق أنَّ كلا من ألمانيا النازية وروسيا كانت تفعل الشيء ذاته. وفي دعم هذا الجهد، أجمع الحزبان على أنَّ الحكومة الفيدرالية يجب أنَّ تستثمر بشكل أكثر كثافة وبشكل شامل في مختلف أشكال الرياضيات، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا.

بحلول منتصف ستينيات القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة تنفق ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الاستثمار في العلوم العامة ــ وكانت العائدات غير عادية. الواقع أنَّ كل عملاق من عمالقة التكنولوجيا اليوم يقف على أكتاف الاستثمارات الفيدرالية في البحث والتطوير. على الجانب الصحي، تبدأ قائمة الشرف بإنتاج المضادات الحيوية على نطاق واسع في الأربعينيات، وتمتد إلى مشروع الجينوم البشري في التسعينيات ولقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) اليوم.

الحق أنَّ هذه الاستثمارات في العلوم لم تغيَّر الطريقة التي نحل بها المشكلات وننقذ الأرواح وحسب؛ بل عملت أيضًا على خلق عدد لا يحصى من الوظائف الجيدة. الآن، يوظف قطاع الجينوم الذي نشأ عن مشروع الجينوم البشري نحو 270 ألف شخص بمتوسط أجر سنوي 70 ألف دولار. وكل دولار يُـستَـثمَر في المعاهد الوطنية للصحة يخلق أكثر من 8 دولارات في هيئة استثمار خاص تكميلي ويحقق عائدًا يعادل ثلاثة دولارات من قيمة سوق الأسهم على أسعار أسهم الشركات التي تستخدم التكنولوجيا المطورة.

مع ذلك، تراجعت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين عن التزامها بالتمويل العام للعلوم الأساسية. فقد انخفض الإنفاق الفيدرالي على العلوم إلى 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع الولايات المتحدة في المرتبة 12 على مستوى العالم. في ذات الوقت تضاعف الصين استثماراتها في العلوم، حيث تنفق الآن ما يقرب من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي على العلوم التي تدعمها الحكومة ــ ضعف مستوى الولايات المتحدة، نسبة إلى حجم اقتصاد كل من البلدين.

إذا كنّا راغبين في خلق فرص عمل وإنقاذ الأرواح والحفاظ على قدرتنا على المنافسة دوليًّا، فنحن في احتياج إلى الاستثمارات الفيدرالية في العلوم، تمامًا كما نحتاج إلى الحكومة لتغطية تكاليف الطرق. وللسبب ذاته: لن نجد شركة خاصة لديها مصلحة في بناء الأساسيات، لأنَّ هذا ليس السبيل لتحقيق الربح في عموم الأمر. ومثلما تربط الطرق بين بناية ذات ملكية خاصة وأخرى، تخلق الاستثمارات في العلوم فوائد للمجتمع لا تقدر قيمتها بشكل كامل أي شركة منفردة.

على نحو مماثل، لا يساعد تطعيم السكان ضد كوفيد-19 الأفراد الذين يتلقون الحماية وحسب؛ بل ويسمح بإعادة تشغيل الاقتصاد من خلال جعل التفاعلات المباشرة بين الأشخاص آمنة مرة أخرى. يعمل برنامج التطعيم ضد كوفيد-19 فعليًّا على تشييد البنية الأساسية للصحة العامة التي ستعيد تشغيل الاقتصاد الأميركي. وما كانت هذه اللقاحات لتتوافر الآن لولا عقود من الاستثمار الحكومي في البحوث الأساسية التي لا تشكِّل أهمية لأي شركة منفردة.

تخصص خطة الوظائف الأميركية التي أقرها بايدن 180 مليار دولار لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير. وهي تعترف أيضًا بالقصور الأساسي الذي يقيد التنمية الاقتصادية القائمة على العلم في الآونة الأخيرة ــ فقد أصبحت العوائد متركزة بشكل مفرط من الناحية الجغرافية. الواقع أنَّ 90% من كل الوظائف الجديدة في قطاع التكنولوجيا على مدار السنوات العشر الأخيرة أو نحو ذلك كانت متركزة في خمس مدن ساحلية "ناجحة" فقط.

إنَّ أي خطة شاملة لإعادة تشييد البنية الأساسية للعلوم العامة يجب أن تتضمَّن استثمارات كبرى في إنشاء مراكز جديدة للتكنولوجيا عبر الولايات المتحدة. في كتابنا بعنوان "دفع عجلة أميركا: كيف تساعد العلوم المتطورة في إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأميركي"، أوضحنا أنَّ ما يزيد على 100 مدينة في الولايات المتحدة، في أكثر من 35 ولاية، لديها ما يلزم من الجامعات الممتازة والسكان من ذوي التعليم العالي لكي تصبح مراكز للإبداع من الجيل التالي. وسوف يكون أداء هذه الأماكن أفضل مع الاستثمار المكثف اللازم لتمكينها من التنافس مع مراكز التكنولوجيا المهيمنة ــ هذه هي "الدَفـعة" الكفيلة بنشر العِـلم والوظائف الجيدة في مختلف أنحاء البلاد. يتضمن اقتراح بايدن تخصيص 20 مليار دولار لهذه الاستثمارات الشديدة الأهمية.

علاوة على ذلك، تدرك خطة بايدن أنَّ التآكل العريض الذي نال من قاعدة ضريبة الشركات الأميركية على مدار عقود من الزمن يعني أنَّ الأرباح الناتجة عن الاستخدام الخاص لهذا العلم العام تراكم على نحو متزايد لصالح مالكي هذه الشركات الأثرياء. إنَّ زيادة الضرائب على الشركات يوفِّر مصدرًا عادلًا لتمويل هذا الشكل من أشكال البنية الأساسية ويساعد على ضمان تقاسم الفوائد المترتبة على هذا الاستثمار على نطاق واسع.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

جوناثان جروبر أستاذ علوم الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمؤلف المشارك (مع سيمون جونسون) لكتاب " دفع عجلة أميركا: كيف تساعد العلوم المتطورة في إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأميركي". سيمون جونسون كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والرئيس المشارك لتحالف سياسات كوفيد-19. وهو المؤلف المشارك، مع جوناثان جروبر، لكتاب "دفع عجلة أميركا: كيف تساعد العلوم المتطورة في إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأميركي"، والمؤلف المشارك، مع جيمس كواك، لكتاب "ثلاثة عشر مصرفيا: الاستيلاء على وال ستريت والانهيار المالي التالي".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org