Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الاستثمار في شباب روّاد الأعمال المتناهية الصِّـغَـر في كينيا

أنوج تانا

نيروبي ــ أضرَّت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وتداعياتها الاقتصادية بمصالح الجميع في كينيا بشدة. ولكن في أوج إجراءات الإغلاق، وبينما توقف القطاع الرسمي في الاقتصاد بالكامل، أظهر القطاع غير الرسمي قدرته على الصمود. وكان القطاع غير الرسمي بمثابة شريان حياة للشباب بشكل خاص، والذين أُغـلِـقَـت مدارسهم وربما خسر آباؤهم وظائفهم.

منذ اندلعت الجائحة، أنشأ عدد متزايد من الشباب الكيني مشاريع غير رسمية متناهية الصِّـغَـر. وفي إبريل/نيسان من عام 2020، في استطلاع أجرته باستخدام الرسائل النصية القصيرة شبكة شركة Shujaaz Inc، قال 5% من الشباب إنهم أنشؤوا أعمالًا صغيرة للمرة الأولى منذ بدأت الجائحة. وبحلول مايو/أيار ارتفعت النسبة إلى 16%، وفي أغسطس/آب، صرح 10% إضافيون منهم حول بدء أعمال جديدة.

لقد أظهر شباب روّاد الأعمال المتناهية الصِّـغَـر قدرة لافتة للنظر على الصمود. صحيح أنَّ كثيرًا من شركاتهم، مثلها في ذلك كمثل معظم الشركات في كينيا، اضطرت إلى تقليص أعمالها أو التوقُّف تمامًا في أوج الإغلاق في وقت سابق من العام الماضي. لكن استطلاعات الرأي والمقابلات مع شبكتنا تُـظـهِـر أن روّاد الأعمال المتناهية الـصِـغَـر تأقلموا بسرعة. ففي مواجهة الأزمة، بدؤوا من جديد، أو عملوا على تكييف نماذج أعمالهم، أو استفادوا من الفرص الجديدة من خلال إنتاج أقنعة الوجه، أو زراعة الخضراوات، أو توصيل الطعام إلى مجتمعاتهم.

من الأهمية بمكان أن نعلم أن هذا ساعد على تمكين روّاد الأعمال المتناهية الـصِّـغَـر من الحفاظ على مستوى معين من الدخل على الأقل، وبالتالي اكتساب الشعور بالتحكم في مستقبلهم. على النقيض من هذا، أخبَـرَنا العديد من الشباب الذين خسروا وظائفهم الرسمية أو وظائفهم في القطاع العام نتيجة لفيروس كورونا أنهم ما زالوا يبحثون عن عمل ويناضلون لتأمين الدخل، حتى بعد مرور أربعة أشهر.

القطاع غير الرسمي ليس مجرد "شريان حياة" أثناء أزمات كهذه. فوفقًا لمكتب الإحصاء الوطني في كينيا، كان القطاع غير الرسمي مسؤولًا عن أكثر من 90% من الطلب على العمالة، حتى قبل الجائحة.

على الرغم من هيمنة القطاع غير الرسمي، كانت جهود التنمية الدولية والسياسات الحكومية الوطنية تاريخيًّا موجهة نحو دعم القطاع الرسمي. وفي كينيا، يبدو أنَّ هذا الاتجاه سيستمر: إذ تفيد التقارير أنَّ 3 ملايين دولار فقط ستذهب مباشرة إلى القطاع غير الرسمي من حزمة التحفيز الاقتصادي التي أقرتها الحكومة في التصدي لجائحة كوفيد-19، بقيمة 503 ملايين دولار.

لكن بعض المعلقين بدؤوا يشككون في وجهة النظر التقليدية التي تعتبر تشغيل العمالة غير الرسمية حلًّا مؤقتًا، ودعوا إلى تدخلات أكثر طموحًا لدعم القطاع غير الرسمي. زعم خبراء مثل رجل الاقتصاد ديفيد ندي أنَّ القطاع غير الرسمي سيضطلع في واقع الأمر بدور أساسي في تعافي كينيا بعد الجائحة.

هذا الاستنتاج ليس مفاجئًا، نظرًا لاعتماد الشعب الشاب السريع النمو في كينيا على القطاع غير الرسمي. ومع دخول مليون شخص إلى سوق العمل سنويًّا، من المتوقع أن يرتفع عدد الشباب الكيني الذين يديرون مشاريع صغيرة غير رسمية ــ الذي يقدر حاليًّا بنحو ثلاثة ملايين.

يعمل نحو ثلث روّاد الأعمال المتناهية الـصِّـغَـر بدوام كامل. وهم يكسبون أقل قليلًا من الحد الأدنى للأجور في الدولة ــ لكنهم كسبوا ضعف متوسط الدخل بين أفراد فئتهم العمرية في عام 2019 ــ وكل منهم يخلق فرصة عمل لشخص آخر واحد على الأقل في مجتمعه، مما يضيف 290 مليون دولار إلى الاقتصاد كل شهر.

علاوة على ذلك، أظهر الاستطلاع الذي أجرته شركة Shujaaz Inc على المستوى الوطني في عام 2019 أنَّ روّاد الأعمال المتناهية الـصِّـغَـر في كينيا أكثر ميلًا بنحو 79% مقارنة بأقرانهم إلى استخدام الخدمات المالية، وأكثر ميلًا إلى الإدلاء بأصواتهم. ولكن على الرغم من مساهماتهم الاقتصادية والاجتماعية البالغة الأهمية، لن يستفيد أغلب روّاد الأعمال الشباب من أي من الاستثمارات المخطط لها في القطاع الرسمي في السنوات القادمة.

يسلط بحثنا الأخير الضوء على مجموعة من التدخلات المنخفضة التكلفة لدعم روّاد الأعمال الشباب في سعيهم إلى تأسيس أعمالهم التجارية الصغيرة بدوام كامل، وهذا كفيل بتزويدهم بالحماية اللازمة على وجه السرعة ضد التأثير الاقتصادي المترتب على الجائحة والمساعدة في دفع عجلة التعافي في كينيا في ذات الوقت. تشير تقديراتنا إلى أن دعم مليونين من شباب روّاد الأعمال "البادئة" من الممكن أن يدر 110 ملايين دولار إضافية كل شهر إلى اقتصاد كينيا ويخلق فرص العمل لأكثر من مليون شخص.

يظل أغلب روّاد الأعمال الشباب مستبعدين إلى حد كبير من القطاع المالي الرسمي، وغير قادرين على الوصول إلى رأس المال الذي يحتاجون إليه لتحقيق النمو، لأنهم يفتقرون إلى تاريخ ائتماني رسمي. في العالم الرقمي، لا ينبغي لهذا أن يشكل عائقًا يحول دون الوصول إلى التمويل. إذ يمتلك الملايين من روّاد الأعمال الواعدين من ذوي الإمكانات العالية المهارات الضرورية فضلًا عن تاريخ ثري من النشاط غير الرسمي الذي يثبت قدرتهم على إدارة أعمال ناجحة. لقد حان الوقت لأن تتبنّي البنوك والجهات المقدمة للخدمات المالية أدوات رقمية جديدة كفيلة بتمكينها من التعرُّف إلى رواد الأعمال هؤلاء في القطاع غير الرسمي وتقديم منتجات موجهة لخدمتهم.

كما أنَّ التغييرات في السياسات والتغييرات التنظيمية ــ على سبيل المثال، تبسيط عمليات تقديم الطلبات وتحويلها رقميا للحصول على تراخيص الأعمال ــ من شأنها أن تساعد رواد الأعمال المتناهية الـصِـغَـر على استعادة نشاطهم وتحقيق الازدهار. كما يشكل تحسين القدرة على الوصول إلى الشبكات والمهارات من خلال التدريب الميسور التكلفة وتوجيه الأقران أهمية بالغة ــ وكثيًرا ما يطالب به أولئك الذي تضمُّهم شبكتنا.

أخيرًا، على الرغم من القيمة الاجتماعية والاقتصادية التي يخلقها روّاد الأعمال المتناهية الـصِـغَـر ــ وقدرتهم على إنتاج المزيد والمزيد ــ فإنَّ العديد من الشباب ينظرون حتى الآن إلى إنشاء مشروع متناهي الصِّـغَـر على أنه علامة على الفشل. إذ يُـقـال لهم عندما يجتازون مرحلة المدرسة أو الكلية إنَّ الوظائف بدوام كامل تنتظرهم في القطاع الرسمي. وعندما يكتشف 90% من الخريجين أنَّ هذه الوظائف لا وجود لها ببساطة، فإنهم يشعرون غالبًا بأنهم وقعوا فريسة للخداع فيصيبهم إحباطهم بالشلل. تطلق لورين بيرلانت من جامعة شيكاغو على هذه الظاهرة وصف "التفاؤل القاسي": العجز عن التخلي عن حلم بعيد المنال ووضع خطة بديلة.

الآن، حان الوقت لسرد قصة جديدة حول الفرص المتاحة في القطاع غير الرسمي. في العقدين المقبلين، سيدخل 20 مليون شاب إلى سوق العمل في كينيا. وربما يظل إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد الهدف في الأمد البعيد، لكن في غضون ذلك، سيكون لدى معظم الشباب في كينيا مستقبل مهني في القطاع غير الرسمي. والاحتفاء بشباب روّاد الأعمال المتناهية الـصِّغَـر في القطاع غير الرسمي، ودعمهم، والاستثمار فيهم، من شأنه أن يعطي الاقتصاد دفعة كبيرة، وسوف يكون هذا ضرورة أساسية في الإبحار عبر الطريق الوعرة العامرة بالتحديات إلى الأمام.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

أنوج تانا المدير الإداري لقسم الشبكات الرقمية في شركة Shujaaz Inc.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org