هل تستفيد الأعمال من البيتكوين؟

ويليم ه. بيوتر

نيويورك ــ في تعليق حديث نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، تسوق خبيرة الاقتصاد دامبيسا مويو الحجج لصالح وجوب استثمار قادة الأعمال في عملة البيتكوين. تتلخص حججها الرئيسة الثلاث في أن البيتكوين وسيلة للتخفيف من مخاطر الشركات؛ وأن العملات الرقمية المشفرة قادرة على توفير حلول ممكنة لممارسة الأعمال في الاقتصادات الناشئة؛ وأن العملات الرقمية تبشر بمستقبل جديد مثير لـ"منصات العملات".

تُرى هل كانت مويو مُـحِـقة؟ لنستعرض حججها بالترتيب.

أولاً، من غير الواضح كيف من الممكن أن يخفف شراء البيتكوين من مخاطر الشركات. الخطر الوحيد الذي تحدده مويو هو تفويت فرصة الربح من واحدة من أعظم فقاعات المضاربة في كل العصور. صحيح أن الشركة التي تفوّت فرصة الارتفاع المستمر في قيمة البيتكوين قد تواجه عواقب وخيمة ــ بما في ذلك الاستحواذ عليها من قِـبَـل منافس استثمر في البيتكوين. من الواضح أن الاستثمار في البيتكوين طريقة مؤكدة لتجنب تفويت فرصة تحقيق مكاسب رأسمالية من البيتكوين. لكن هذا لا يجعله استثماراً حكيماً، وخاصة عندما يَـزِن المرء العائدات المحتملة في مقابل الخطر المرتفع المتمثل في الخسائر من رأس المال المادي.

بالمثل، من الصعب للغاية استيعاب فكرة أن العملات الرقمية المشفرة قادرة على توفير الحلول للمشاكل التي تواجه الاقتصادات الناشئة عادة. صحيح أن العملات الرقمية المشفرة الخاصة غير المدارة مركزياً مثل البيتكوين، على عكس النقود الورقية التقليدية ــ التي تضم العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية ــ ليست عُـرضة لخطر الإفراط في إصدارها من قِـبَـل الحكومات المسرفة، ولكن من الصحيح أيضاً أن خطر الإفراط في إصدار النقود يكون أعظم في بعض الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.

لكن الإفراط في إصدار العملة ليس أكثر من تهديد محتمل للاستقرار المالي في الأسواق الناشئة، وإزالته لا يجعل البيتكوين فجأة مخزناً جديراً بالثقة للقيمة. العكس تماماً هو الصحيح: إذ كان تقلب أسعار عملة البيتكوين منذ إنشائها في عام 2009 مذهلاً. في التاسع والعشرين من مارس/آذار 2021، وصل سعر البيتكوين إلى 57856 دولاراً ــ أقل كثيراً من أعلى مستوى بلغه على الإطلاق (61284 دولاراً) في الثالث عشر من مارس ــ تحت سقف سوقي يقترب من تريليون دولار. وفقاً لتوضيح نشرته شركة JPMorgan في السابع عشر من فبراير/شباط، كان تقلب البيتكوين المحقق خلال ثلاثة أشهر في ذلك الوقت 87% مقارنة بنحو 16% فقط للذهب. على نحو مماثل، وجدت دراسة حديثة أن تقلبات أسعار البيتكوين أعلى بنحو عشر مرات من تقلبات العملات الورقية الرئيسة (مثل الدولار الأميركي في مقابل اليورو والين).

تقترح مويو أيضاً أن عملة البيتكوين من الممكن أن تسهل التحويلات إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. لكن هذا يتجاهل حقيقة مفادها أن معاملات البيتكوين تفتقر إلى الكفاءة بشدة. إن حجم كتلة البيتكوين محدود بواحد ميجابيت، وتستغرق عملية اكتشاف الكتل ما يقرب من عشر دقائق لكل كتلة، أي إن سبع معاملات فقط يمكن إكمالها في الثانية. في المقابل، ينفذ نظام الفيزا 1700 معاملة في الثانية في المتوسط، ومن الممكن عملياً أن يتعامل مع أكثر من 65 ألف رسالة معاملة في الثانية. الواقع أن عملة البيتكوين، بحكم تصميمها، تفتقر إلى الكفاءة ببساطة إلى الحد الذي يحول تماماً دون تمكينها من العمل كوسيلة دفع فَـعّـالة.

على نحو مماثل، المعروض من البيتكوين ثابت عند مستوى 21 مليون وحدة، ويُـعَـد هذا نقيصة أكثر من كونه سبباً لاجتذاب المشترين. يجب أن تكون العملة المناسبة قادرة على الخضوع لقدر هائل من التوسع في العرض إذا اقتضت الظروف، كما في حال اندلاع أزمة مالية أو صدمة ترتبط بالطلب الكلي. في هذه الحالة لن يكون هناك ملاذ أخير للإقراض أو ملجأ أخير لصنع السوق قادر على تنفيذ عمليات إنقاذ جهازية مع البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفرة غير المركزية.

أخيراً، هل تكون عملة البيتكوين حقاً في طليعة بنية أساسية جديدة للعملة الرقمية لا يملك المستثمرون الحكماء ترف تجاهلها؟ كلا، لأن عملات البنوك المركزية الرقمية قيد التطوير في الصين وأماكن أخرى لا تشترك في أي شيء مع البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفرة الخاصة غير المركزية. فإصدارها لا ينطوي على سلسلة كتل أو أي تكنولوجيا أخرى لدفتر الأستاذ الموزع، ولا يوجد دليل على العمل المطلوب لإثبات صحة أي معاملة.

أما العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية فإنها تعمل كنسخ رقمية مباشرة من الحسابات المصرفية التقليدية. ومن حيث المبدأ، يمكن تنفيذها كحسابات فردية مع البنك المركزي لكل مستهلك وشركة في نطاق سلطته. بدلاً من ذلك، يمكن ضمان هذه الحسابات من قِـبَـل البنك المركزي، لكن على أن تحتفظ بها مجموعة عريضة من المؤسسات المالية الخاصة.

لا تمثل عملات البنوك المركزية الرقمية شيئاً جديداً. فهي ليست تطوراً ثورياً مثل العملات الرقمية المشفرة غير المركزية القائمة على دفتر الأستاذ الموزع. لكن هذه الثورة فشلت بالفعل، لأن البيتكوين والعملات المشفرة المماثلة غير جذابة على الإطلاق كمخزن للقيمة. ولا ينبغي لأي مستثمر عاقل أن يقترب منها (ما لم يكن لديه جيوب عميقة للغاية وكان على استعداد تام لخوض المجازفات).

علاوة على ذلك، يُـعَـد استهلاك البيتكوين الشديد الإفراط للطاقة مسماراً آخر في نعشها. يجري التحقق من معاملات البيتكوين من خلال عمليات "تعدين" إثبات العمل والتي تتطلب جهود حوسبة شديدة الاستهلاك للطاقة. تشير تقديرات مؤشر كمبريدج لاستهلاك البيتكوين للكهرباء إلى استهلاك سنوي يبلغ 139.15 تيراواط/ ساعة ــ أكثر من استهلاك الأرجنتين بالكامل.

ببساطة، تشكل البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفرة التي تتطلب ما يسمى "إثبات العمل" كارثة بيئية. الأسوأ من هذا أن العملات الرقمية المشفرة من الممكن أن تتكاثر دون قيود، وهذا يعني المزيد من الضرر البيئي. حتى التاسع والعشرين من مارس/آذار 2021، سجل موقع CoinMarketCap 4490 عملة رقمية مشفرة، بدءاً بالبيتكوين (مع سقف للقيمة السوقية بلغ 1.08 تريليون دولار)، وتلته عمله الإيثيريوم (بسقف للقيمة السوقية بلغ 204 مليار دولار).

الخلاصة واضحة: البيتكوين استثمار بالغ الخطورة وغير مرغوب بيئياً. وعملة البيتكوين ليست حلاً معقولاً لمشكلات أي من الأسواق الناشئة، ومن غير الممكن أن تعمل كمخزن للقيمة أو كوسيط تبادل جدير بالثقة. وكلما أسرعنا بإحالتها هي وغيرها من العملات الرقمية المشفرة التي تعتمد على دفتر الأستاذ الموزع إلى هوامش التاريخ الاقتصادي، كان ذلك أفضل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

ويليم هـ. بيوتر أستاذ الشؤون الدولية والعامة الزائر في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org