جانيت يلين والتعددية المالية الجديدة
باولا سوباتشي
لندن ــ انطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى العمل بطرق لم يكن من الممكن تصورها حتى قبل عام واحد. في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لم تفعل الولايات المتحدة ــ المساهم الرئيس الذي يملك حق النقض في كل من المؤسستين ــ إلا أقل القليل (إلى جانب إحداث الارتباك من حين إلى آخر) لتشكيل سياسات هاتين المؤسستين. والآن، تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في تنسيق دورها ومساعدة البلدان الفقيرة على الاستجابة لأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).
تتولى وزير الخزانة الأميركية جانيت يلين قيادة هذا النهج. في رسالة موجَّهة إلى زملائها في مجموعة العشرين الشهر الفائت، كتبت يلين أنَّ أيَّ بلد في العالم لا يستطيع بمفرده "إعلان النصر" على "الأزمات الصحية والاقتصادية المزدوجة" التي أحدثتها الجائحة. وأضافت: "إنها لحظة جُـعِـلَـت للعمل والتعددية".
قد لا تُـعَـدُّ رسالة يلين بداية "لحظة بريتون وودز" جديدة، كما تزعم مديرة صندوق النقد الدولي الإدارية كريستالينا جورجييفا. لكنها تمثل خروجًا يستحق الترحيب عن تهوُّر ترامب وإهماله. وهي تسعى حقًّا إلى العمل الذي عارضته إدارة ترامب: تعزيز مجموعة أدوات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بما في ذلك التسهيلات الميسرة التي يقدمها الصندوق، والتخصيص الجديد لأصوله الاحتياطية، حقوق السحب الخاصة، لزيادة السيولة المتاحة للبلدان المنخفضة الدخل.
من المؤكد أنَّ هذه البلدان في احتياج إلى المساعدة، وخاصة أنَّ أزمة كوفيد-19 أدت إلى تفاقم مواقف الديون في العديد منها بشكل كبير. وقد ابتكرت مجموعة العشرين بالفعل نهجًا يتألف من شقين لمساعدة البلدان المثقلة بالديون. الأول يتمثل في توفير التخفيف المؤقت للديون ــ حتى شهر يونيو/حزيران من هذا العام، وإن كان هذا الموعد قابلًا للتمديد ــ من خلال مبادرة تعليق سداد أقساط الديون. ويتمثل الثاني في الخطط الرامية إلى تحسين استدامة الديون من خلال الإطار المشترك لمعالجات الديون.
لكن هذا الدعم يجب أن يتوسَّع. وما يدعو إلى التفاؤل أنَّ مجموعة العشرين وافقت على السماح لصندوق النقد الدولي بالعمل على تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة، بعد أن تخلَّت الولايات المتحدة الآن عن معارضتها لهذا التخصيص.
تعتمد قيمة حقوق السحب الخاصة على سلة من العملات (الدولار الأميركي، واليورو، والين الياباني، والرنمينبي الصيني، والجنيه الإسترليني). ورغم أنَّ حقوق السحب الخاص لا تعمل عمل الـعُـملة، فمن الممكن استبدالها بعملات قابلة للاستخدام بحرية.
لم تصمَّم حقوق السحب الخاصة لمساعدة البلدان المنخفضة الدخل. بل كان المقصود منها تكميل الاحتياطيات الرسمية لدى البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي ومعالجة مشكلات السيولة، في وقت حيث كان الدولار الأميركي قابلا للتحويل إلى ذهب مباشرة.
وعلى هذا فإنَّ الحصة التي يتلقاها كل بلد من حقوق السحب الخاصة في أي تخصيص يتحدد وفقًا لحصته في صندوق النقد الدولي. وبموجب هذا النظام، تتلقى بلدان مجموعة العشرين 68% من أي تخصيص لحقوق السحب الخاصة، مع حصول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي على نسب هائلة من التخصيص (48%). في الوقت ذاته، تحصل البلدان الفقيرة على 3.2% فقط من ذات التخصيص.
بعبارة أخرى، تميل حقوق السحب الخاصة إلى التراكم لصالح البلدان الأقل احتياجا إليها. وفي الأرجح، تحول البلدان المنخفضة الدخل حقوق السحب الخاصة التي تحصل عليها بالفعل إلى عملات قابلة للاستخدام بحرية.
انطلاقًا من إدراكها لهذه الحقائق، أشارت يلين إلى الاستعداد إلى النظر في حلول محتملة. على سبيل المثال، من الممكن أن توجه بلدان مجموعة العشرين حقوق السحب الخاصة التي لا تحتاج إليها لدعم التعافي الاقتصادي في البلدان المنخفضة الدخل. وهذا من شأنه أن يفتح الطريق لإنشاء صناديق تقوم على حقوق السحب الخاصة.
مع ذلك، حتى بموجب نظام التخصيص القائم، فإنَّ تخصيص حقوق السحب الخاصة بما يعادل 100% من حصص صندوق النقد الدولي الحالية ــ كما تدعو إيطاليا التي تترأس مجموعة العشرين حاليا ــ كفيل بتوليد ما يقرب من 15.2 مليار دولار للبلدان الأكثر فقرًا. وهذا أكثر من متوسط الإقراض الميسّر السنوي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي من خلال صندوق النمو والحد من الفقر (1.25 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة).
علاوة على ذلك، لا ترتبط حقوق السحب الخاصة بشروط. لذا، من خلال الدعوة إلى استخدامها، أقرت يلين فعليًّا بأن السيولة المرنة غير المشروطة ــ وليس الإقراض الميسَّر ــ هي شبكة الأمان المطلقة. وهي في الوقت ذاته، تشدد على الحوكمة السليمة والحاجة إلى إنشاء معايير مشتركة، وبالتالي تعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات تبادل حقوق السحب الخاصة.
يقودنا هذا إلى المشكلة الواضحة التي يتجاهلها الجميع: كيف تستخدم البلدان حقوق السحب الخاصة؟ هل ينبغي لها أن تسمح باستخدامها، ولنقل، لسداد أقساط الديون الثنائية؟ في هذه الحالة، قد تعود هذه الأموال المتعددة الأطراف بالفائدة على دائنين ثنائيين مثل الصين ــ وهي النتيجة التي حذَّر منها ستيفن منوشين، سلف يلين.
تتطلَّب الإجابة عن مثل هذه التساؤلات بذل جهد أوسع لمعالجة الفجوات المتسعة العديدة في النظام المالي الحالي المتعدد الأطراف ــ وهي الثغرات التي غالبًا ما تركت البلدان المحتاجة ماليا مع أقل القليل من الخيارات الصالحة. نتيجة لهذا، اضطرت البلدان المنخفضة الدخل في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى الإقراض الثنائي المرهق، وأصبحت رهينة لدائنين من القطاع الخاص وكيانات مختلطة، مثل بنوك الصين المملوكة للدولة. وقد أفضى هذا إلى ظهور تفاوتات كبيرة بين أنماط مختلفة من الديون، وأنواع مختلفة من الدائنين.
للتصدي لهذه المشكلات، يجب أن تكون الأدوات المالية المتعددة الأطراف متاحة للبلدان المحتاجة. علاوة على ذلك، يتعين على مجموعة العشرين أن تتخذ تدابير أقوى لتعزيز القدرة على تحمل الديون، وتنسيق العمل الدولي، والوساطة في صفقات الديون العادلة بين الدائنين الثنائيين، وخاصة الصين، والمدينين من ذوي الدخل المنخفض.
النبأ السار هنا هو أن يلين ــ بتركيزها على الحوكمة، والمرونة، والإتاحة ــ تدرك كما يبدو وجود الثغرات التي تعيب البنية المالية الدولية. ولا نملك إلا الأمل في أن تستمر في قيادة الطريق نحو تعددية مالية جديدة تعالج هذه الثغرات.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
باولا سوباتشي أستاذ الاقتصاد الدولي في معهد كوين ماري للسياسة العالمية التابع لجامعة لندن، وأحدث مؤلفاتها كتاب "ثمن المال المجاني".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org