كيف نجعل منظمة التجارة العالمية تعمل لصالح إفريقيا؟
هيبوليت فوفاك، وبات أوتومي
لاغوس- دخلت المنافسة للفوز بمنصب مدير عام لمنظمة التجارة العالمية خلفاً لروبرتو أزيفيدو مرحلة جديدة حاسمة؛ حيث من المقرر أن تنتهي الجولة الأولى من تصويت أعضاء منظمة التجارة العالمية في 16 سبتمبر/أيلول. وينحدر ثلاثة من المتنافسين الثمانية من أصول إفريقية: نغوزي أوكونجو- إيويلا، وزير المالية النيجيري السابق. أمينة محمد من كينيا، التي تولت سابقاً منصب رئيسة المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية؛ وعبد الحميد ممدوح من مصر، الذي شغل سابقاً منصب مفاوض تجاري، وعمل موظفاً لدى منظمة التجارة العالمية.
ويأمل الأفارقة أن يفوز أحد هؤلاء المرشحين الثلاثة ذوي الكفاءة العالية عندما سيعلن عن نتيجة التصويت في نوفمبر/تشرين الثاني. ولكن بغض النظر عمّن سيفوز في النهاية- سيتم استبعاد ثلاثة من المرشحين الثمانية بعد الجولة الأولى- يجب أن تطالب إفريقيا منظمة التجارة العالمية بتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص.
إنَّ التجارة ضرورية لتنمية إفريقيا، ولخلق ما يكفي من الوظائف الجيدة لاستيعاب 17 مليون شاب يدخلون سوق العمل كل عام. ولكن قوانين التجارة العالمية تركت القارة تعاني لفترة طويلة.
وفي السنوات الخمس والعشرين منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية بعد توقيع الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، غالباً ما كانت جهود المنظمة لتعزيز التنمية تبوء بالفشل. وبدلاً من ذلك، كانت منظمة التجارة العالمية تخدم إلى حدٍّ كبيرٍ مصالح مهندسيها المعماريين الرئيسين، أي الدول الصناعية أو القوية.
ولم تأخذ قواعد التجارة العالمية الناتجة ظروف العالم النامي في الاعتبار. فعلى الرغم من حجم التجارة الكبير وما حققته من أرباح هائلة- بفضل العولمة، انخفضت حصة إفريقيا من التجارة العالمية منذ عام 1970 من 4.4٪ إلى 2.7٪. ويرجع ذلك جزئياً إلى كون القيود المفروضة من جانب العرض حدت صادرات إفريقيا في الموارد الطبيعية والسلع الأولية. ولكن قواعد التجارة غير العادلة قوضت أيضاً نمو التجارة الخارجية لإفريقيا في القطاعات التي يمكن أن تستفيد فيها المنطقة من ميزة نسبية.
وأدت حواجز الاستيراد التي تواصل الاقتصادات المتقدمة وضعها- بما في ذلك ارتفاع التعريفات وصرامة المعايير فيما يتعلق بالسلع النهائية- إلى الحد من قدرة إفريقيا على رفع مستوى سلاسل القيمة.
ويعدُّ تغيير القواعد عقبة أخرى أمام اندماج إفريقيا الفعال في الاقتصاد العالمي. وعلى وجه الخصوص، لا تسمح الاقتصادات المتقدمة للبلدان النامية باعتماد السياسات الصناعية التي استخدمتها هي نفسها في تحويل هياكل إنتاجها وتنويع صادراتها. وقال ها جون تشانغ، الخبير الاقتصادي بجامعة كامبريدج، في وصفه لهذه الظاهرة، إنَّ الدول الغنية "تُسقط السلم" الذي صعدت به إلى القمة.
ولكن ربما يكون أخطر اتهام يوجَّه لنظام منظمة التجارة العالمية هي الإعانات الزراعية التي تقدمها لحكومات البلدان المتقدمة على حساب الملايين من أفقر المزارعين في إفريقيا. ولا تؤدي هذه الإعانات إلى خفض أسعار الغذاء العالمية فقط، مما يجعل المنافسة صعبة بالنسبة للمنتجين الأفارقة، ولكنها تؤدي أيضاً إلى إغراق الأسواق الإفريقية بالإنتاج الزائد، مما يقضي على الصناعات المحلية، ومن ثمَّ يهدد الأمن الغذائي.
إنَّ النظام التجاري العالمي الحالي هو سبب العجز الهيكلي في ميزان المدفوعات في البلدان الإفريقية، وزيادة الديون الخارجية، فضلاً عن السبب الرئيس للفقر فيما بين الأجيال، وضغوط الهجرة. وبتشجيع من القطاع الخاص المزدهر، يطالب الأفارقة اليوم بالتجارة العادلة، وليس بالمساعدة.
ويقود عدد متزايد من روّاد الأعمال، وأهل الصناعة في إفريقيا التحوُّل الاقتصادي في القارة بدعم من المؤسسات المالية الإقليمية مثل بنك التصدير والاستيراد الإفريقي، "أفريكسيم بانك"، (Afreximbank) فعلى سبيل المثال، يقوم الآنAliko Dangote (أليكو دانغوت)، أحد أنجح روّاد الصناعة في إفريقيا، وبطل التجارة في أفريكسيم بانك، بأكبر رهان له حتى الآن، من خلال بناء مجمع بتروكيماويات بقيمة 15 مليار دولار بالقرب من لاغوس، نيجيريا، والذي سيحوي واحدة من أكبر مصافي النفط في العالم.
وفضلاً عن ذلك، ستكون الأسواق الإفريقية كبيرة بما يكفي لدعم التصنيع على نطاق واسع، بمجرد أن تبدأ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية- أكبر تكتل تجاري في العالم من حيث عدد البلدان المشاركة- العمل في 1 يناير/نيسان 2021. وبفضل عمالتها المنخفضة التكلفة نسبياً، يمكن لإفريقيا أن تصبح مقصداً للاستثمار، ومع مرور الوقت، ستصبح مصدراً صافياً للسلع الصناعية والمصنعَة، وكذلك السلع الأساسية.
ويدرك القطاع الخاص جيداً هذه الفرص. ولكن دراسة استقصائية أجريت أخيراً بتكليف من لجنة التجارة والاستثمار في القطاع الخاص الإفريقي والتي تتألف من أكثر من 200 مدير تنفيذي إفريقي- بما في ذلك قادة الشركات التي يصل رأسمالها إلى مليارات الدولارات، والشركات الناشئة، وغيرها من الشركات السريعة النمو- كشفت عن إجماع واضح على ضرورة إصلاح منظمة التجارة العالمية. كما أنَّ غالبية الذين وصفوا التجارة على أنها محرك نمو مهم لأعمالهم، يؤكدون أيضاً أنَّ الممارسات التجارية غير العادلة تقيد بشدة توسع شركاتهم.
وعلى الرغم من هذه المشكلات، تساعد مؤسسات تمويل التنمية على دفع عجلة التحوُّل الاقتصادي في إفريقيا. فعلى سبيل المثال، تنتج غانا وساحل العاج أكثر من نصف الكاكاو الذي ينتجه العالم، ولكن حتى وقت قريب كانت تمثل أقل من 10٪ من سوق الكاكاو العالمي المعالج. وقد مكّنت مبادرة الكاكاو الإفريقي التي أطلقها البنك الإفريقي كلا البلدين من الاستحواذ على حصة أكبر من سلسلة القيمة. واليوم، تتنافس كوت ديفوار، المنتج الرائد في العالم للكاكاو، بفاعلية مع هولندا لتكون أفضل معالج للكاكاو في العالم.
وأصبحت إفريقيا الآن عنصراً عالمياً فعّالاً يتمتَّع بالنضج، مع وجود قطاع خاص جاهز للدفع قدماً بعجلة التنمية، وأخذ مكانه الصحيح جنباً إلى جنب مع الشركات في الاقتصادات الأكثر تقدماً. وكل ما نطلبه هو أن تزيل منظمة التجارة العالمية الحواجز المصطنعة، والعقبات الضارة، التي تمنع الأفارقة من إطلاق طاقاتهم الإبداعية والإنتاجية.
ويجب أن يضع المدير العام المقبل للمنظمة على رأس أجندة الإصلاح جعل نظام التجارة العالمي منصفاً، ومتاحاً أكثر. إنَّ منظمة التجارة العالمية المناسبة لتحقيق الغرض المنشود ستسمح أيضاً لحكومات البلدان النامية الأصغر بالتصرف نيابة عن قطاعاتها الخاصة دون خوف أو محاباة. وستدعم إفريقيا خلف أزيفيدو، شريطة أن تخدم منظمة التجارة العالمية إفريقيا بنفس الطريقة التي تخدم بها بقية العالم.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
يشغل هيبوليت فوفاك منصب كبير الاقتصاديين في بنك التصدير والاستيراد الإفريقي (Afreximbank). ويتولى بات أوتومي الذي يشغل منصب رئيس لجنة التجارة والاستثمار في القطاع الخاص الإفريقي (PAFTRAC)، رئاسة مركز القيم في القيادة في كلية لاغوس للأعمال.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org