مشروعات الاستدامة وشروط بيانات القطاع المالي
هنري ب. هنتنغتون
لا شك أن جعل الابتكارات الناجحة أكثر وضوحاً للمستثمرين أمر بالغ الأهمية في ظل الأزمات في عالمنا الراهن. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب أن ننشئ مركز تبادل المعلومات رفيع المستوى، ومفتوح المصدر، للمشاريع المستدامة السابقة، بما في ذلك تلك التي تم تمويلها بنجاح، وتلك التي باءت بالفشل. قد يكون هذا مشابهاً للعديد من قواعد بيانات القطاع المالي الحالية، ولكنه متاح مجاناً، مع إشراف طرف ثالث حسن السمعة لضمان الدقة.
من الواضح أن معالجة أزمة المناخ المتفاقمة، تتطلب أكبر حركة مستدامة لرأس المال في التاريخ. يجب استثمار ما لا يقل عن 100 تريليون دولار على مدى السنوات 20-30 المُقبلة، للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، وهناك حاجة إلى 3-4 تريليونات دولار من الاستثمارات السنوية الإضافية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتحقيق الاستقرار في محيطات العالم.
إن حشد هذه المبالغ الضخمة واستثمارها بكفاءة، لا يتجاوز قدرة الاقتصاد العالمي والأسواق المالية الحالية، ولكنه سيتطلب تغييرات جوهرية في كيفية عمل هذه الأسواق. على وجه الخصوص، ستحتاج المؤسسات المالية التقليدية إلى المساعدة في تحديد مصادر المشاريع المناسبة، وتبسيط تصميم المعاملات والتفاوض بشأنها، وجمع رأس المال اللازم لتمويلها.
في الواقع، يتعين توسيع نطاق العديد من أفكار الاستدامة صغيرة الحجم، وهو ما يعكس جزئياً طبيعة الابتكار، حيث يتم تطوير الأفكار واختبارها، ونسخها في نهاية المطاف، في حالة نجاحها. لكن الفجوة بين أولئك الذين يعملون على تطوير مشاريع الاستدامة وعالم التمويل التقليدي، تعني أن توسيع نطاق هذه المبادرات ليس بالأمر السهل.
وفي ظل خطر المبالغة في التبسيط، قد يشك المدافعون عن الاستدامة في «التمويل الضخم» وتاريخه الحافل بتمويل الصناعات غير المستدامة. من ناحية أخرى، قد يكون المستثمرون حذرين من الأساليب المثالية التي تتجاهل حقائق النتائج النهائية، وقد لا يهتمون بالمعاملات الصغيرة الحجم.
بالنظر إلى هذا الانفصال، كيف يمكننا توسيع نطاق المشاريع المستدامة من الاستثمارات الصغيرة، إلى نطاق يتجاوز 100 مليون دولار، والذي يبدأ في جذب أكبر قدر من التمويل، وبالتالي، تريليونات الدولارات اللازمة لإحداث فرق عالمي؟.
يتعين اتخاذ ثلاث خطوات أساسية بشكل خاص. أولاً، يجب استخدام تقنيات التوريق (تداول السندات)، لتجميع العديد من المشاريع الصغيرة الحجم في مشاريع حيوية كافية لتحقيق هذه الغاية. فقد اكتسب التوريق سمعة سيئة أثناء الفترة ما بين عامي 2007 و 2008، لدوره في تأجيج أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر، التي دفعت العالم المتقدم إلى حافة الانهيار المالي.
ولكن عند إدارته بشكل صحيح، فإن التمويل المشترك للعديد من المشاريع، من شأنه أن يُقلل من المخاطر، وذلك لأن احتمالات تعرض الجميع لمشاكل وقضايا مالية وتشغيلية مماثلة في نفس الوقت، ضئيلة للغاية. ومع ذلك، لكي يثير الناتج اهتمام المستثمرين، تحتاج المشاريع الصغيرة الحجم العديدة إلى خصائص مشتركة، بحيث يمكن تجميعها. هذا لا يمكن أن يتم بعد وقوع الحدث.
على سبيل المثال، نحتاج إلى تطوير شروط وأحكام مشتركة لمجموعات من الأصول المماثلة، كما يحدث بالفعل في سوق الطاقة الشمسية السكنية في الولايات المتحدة. بعد ذلك، يتعين علينا شرح أساسيات التوريق للمزيد من المبتكرين المحتملين على المستوى الشعبي، من خلال المؤتمرات الإقليمية التي تجمع بين الممولين ومطوري المشاريع المستدامة.
ثانياً، يتعين علينا العمل على الحد من تعقيد شروط المعاملات الرئيسة، وتسهيل تصميم تفاصيل الأدوات المستخدمة للاستثمار في المشاريع المستدامة والتفاوض بشأنها. في الأسواق المالية القائمة، يكون تكرار أجزاء كبيرة من الصفقات الناجحة السابقة، أسهل بكثير من البدء من نقطة الصفر في كل معاملة أو صفقة. يُحقق هذا النهج نجاحاً، لأن العديد من الشروط والأحكام الخاصة بالصفقات اللاحقة، قد تم قبولها بالفعل من قبل الفاعلين الماليين الرئيسين.
ثالثاً، ينبغي توسيع نطاق مصادر تمويل المشاريع المستدامة، وجعلها أكثر شفافية. نظراً لأن استثمارات الاستدامة قد توفر عوائد أقل، وفقاً للمقاييس التاريخية للأسواق المالية، فإن الممارسات التقليدية لتخصيص الأصول، على خلفية «الأسواق الفعالة»، تعني ضمناً تراجع الجاذبية.
لكن المعايير التاريخية لا تُشكل عاملاً كافياً في مجال الاستثمار الذي يُحدث أثراً، والذي يشمل عائدات وعتبات زمنية مختلفة، ويمثل الآن حوالي 2.5 تريليون دولار من الأصول. قد يكون توريق شرائح من أنواع مختلفة من الاستثمار المؤثر، بمثابة عامل مُغير لقواعد تمويل الاستدامة.
وبالتالي، سيكون من المنطقي إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة المصدر، لتلبية احتياجات المستثمرين - على غرار قاعدة بيانات المشاريع المُشار إليها سابقاً - والتي يمكن البحث عنها من قبل مبتكري ومصممي مشاريع مستدامة جديدة.
هذا من شأنه أن يسهل عملية تحديد المستثمرين - الأسهم أو الائتمان أو بعض الشركاء المختلطين - الذين قد يلتزمون بالتمويل. يمكن إيواء قاعدة البيانات في منظمة مثل مؤسسة المالية الدولية، أو الأمم المتحدة، أو الشبكة العالمية للاستثمار المؤثر.
هناك سوابق مُشجعة. فقد بدأت سوق السندات الخضراء منذ ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان، وقد يصل إجمالي الإصدارات بالفعل إلى 1 تريليون دولار هذا العام. كما حضرت العديد من دول العالم المالي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 26)، الذي انعقد في غلاسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتحت قيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارك كارني، تعهد تحالف غلاسكو المالي الجديد، لتحقيق هدف بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية، بتقديم 130 تريليون دولار في هيئة التزامات التمويل المناخي.
في عام 1983، أسس محمد يونس «بنك جرامين»، من أجل توفير الخدمات المصرفية، وخاصة القروض، للأفراد (النساء في المقام الأول)، الذين كانوا يعتبرون سابقاً «غير مقبولين للاقتراض من البنوك». وعندما فاز يونس بجائزة نوبل للسلام في عام 2006، أصبحت «القروض الصغيرة» ظاهرة عالمية، حيث شاركت المؤسسات المالية التقليدية، في تحويل هذه القروض إلى أوراق مالية.
لقد ساهمت الثورة المالية التي بدأها يونس، في تحويل القروض الصغيرة، وتبسيط كيفية تنظيم هذه المعاملات، واستغلال مصدر جديد لرأس المال الاستثماري المحدود. للمساعدة في مواجهة تحديات الاستدامة الوجودية القائمة، يجب أن تكون أسواق رأس المال والجهات الفاعلة الرئيسة أكثر ابتكاراً وتقبلاً للأصوات والأفكار غير التقليدية، وحتى التخريبية.