نحو خطة تنمية فاعلة مثمرة في آسيا
أندرو شنغ * سياو جنغ **
هل يمكن لمنطقة معقدة وسريعة التغير مثل آسيا أن تضع خطة تنمية شاملة وأن تنفذها؟ يعتقد معهد البحوث الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا وشرق آسيا ومقره جاكرتا، الذي أصدر للتو «خطة التنمية الآسيوية الشاملة» (CADP) أنها تستطيع ذلك.
ويستحق التقرير دراسة جادة، إذ استناداً إلى الأبحاث والأفكار التي أجراها خبراء من الأمانة العامة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا ومن معاهد في 16 دولة، بما فيها أستراليا، ونيوزيلندا، ودول شرق آسيا، يوضح التقرير كيف يمكن لآسيا أن تعمق التكامل الاقتصادي الإقليمي، وأن تقلص فجوات التنمية، وأن تدفع قدماً بعجلة التنمية المستدامة.
وتتقدم خطة «CADP 3.0» عن سابقاتها بخطوة كبيرة إلى الأمام، إذ ركز جزء كبير من خطة «CADP 1.0» التي أعلن عنها في عام 2010، على البنية التحتية للنقل، بما في ذلك الطرق والمطارات. وأقرت خطة «CADP 2.0»، التي أصدرت عام 2015، أن الاتصال الحقيقي، الذي يعتبر ضرورياً للتكامل الإقليمي، يعتمد أيضاً على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتمضي خطة «CADP 3.0» بهذه المسألة إلى مدى أبعد، حيث تدرس دور الرقمنة في دعم التكامل، والابتكار، والشمول، والاستدامة.
ويعكس هذا التسلسل «عمليات الفصل الثلاث» التي وصفها الاقتصادي ريتشارد بالدوين، وكل منها يحدد مرحلة من العولمة، إذ حدثت الأولى، وهي الفصل بين الإنتاج والاستهلاك، عندما أدى التقدم في النقل إلى انخفاض كبير في تكاليف نقل البضائع. ونشأت الثانية، وهي فصل الأجزاء المختلفة من عملية الإنتاج عن بعضها البعض، عندما قللت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تكاليف نقل الأفكار، ما أتاح التنسيق عبر أي مسافة.
والثالثة هي الفصل بين تقديم الخدمة والاستخدام. إن التكنولوجيا بما فيها المؤتمرات التي تجري عن بعد، والتحكم في الروبوتات عن بُعد، تمكّن الناس على نحو متزايد من تقديم الخدمات دون الحاجة إلى السفر، وهذا يعني أنه يمكن للعاملين في مجال الخدمات في البلدان النامية القيام بعمل معرفي على نحو متزايد لفائدة عملاء البلدان المتقدمة، ولكن بتكلفة أقل بكثير. وكما يقول بالدوين، تمثل معدلات الأجور في قطاع الخدمات «أهم الفرص المتبقية في ما يتعلق بالمراجحة العالمية». وفي الوقت نفسه، يمكن للمهنيين في الاقتصادات المتقدمة أيضاً تقديم خدمات للعملاء من البلدان النامية بمعدلات عالية.
ويسعى برنامج «CADP 3.0» إلى اغتنام الفرص التي تخلقها عملية الفصل الثالثة، إذ يحث دول شرق وجنوب شرق آسيا على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والروبوتات الصناعية، وتوسيع شبكات النطاق العريض من فئة 5G، والبناء على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لتحسين معايير البيانات والقواعد الرقمية. وفي نهاية المطاف، سينشئ شرق وجنوب شرق آسيا سوقاً رقمية واحدة، مدعومة بالبنية التحتية للبيانات والقواعد والمعايير المشتركة.
ومن الصعب إنكار منطق هذه الرؤية. ولكن في منطقة متنوعة مثل آسيا، سيكون من الصعب، على أقل تقدير، ترجمتها إلى واقع، خاصة في وقت تتعمق فيه الانقسامات الأيديولوجية والجيوسياسية. إن العائق الرئيسي أمام النجاح ليس تقنياً ولا مالياً، بل يتعلق بالقدرة على التنفيذ، أو انعدامها، في المؤسسات المحلية والوطنية والدولية.
وتعد خطة «CADP 3.0» استراتيجية واسعة النطاق للدفع قدماً، وفي آن واحد، بعدد كبير من الأهداف المعقدة والمترابطة في مجالات تمتد من الفقر الريفي وشيخوخة السكان، إلى سلامة المياه والتلوث. وقد يتجاوز مستوى التنسيق في الميدان الذي تتطلبه هذه المتطلبات قدرات معظم بيروقراطيات البلدان النامية، لا سيما وأن هياكلها منعزلة.
أما بالنسبة لبنوك التنمية المتعددة الأطراف ووكالات المعونة فهي مجهزة تجهيزاً جيداً للتعامل مع المشاريع والبرامج واسعة النطاق، ولكن لديها نقاط ضعف تشغيلية كبيرة عندما يتعلق الأمر بإدارة عدد كبير من المشاريع التي تشمل شركات متنوعة متناهية الصغر وأخرى صغيرة ومتوسطة الحجم.
وبغض النظر عن مدى روعة خطة التنمية ذات الاتجاه التنازلي في آسيا ومدى جاذبيتها، فمن غير المرجح أن تنفذ، بل يجب أن نعتمد نهجاً تصاعدياً، ويجب أن تضطلع التقنيات الرقمية بدور مركزي في مثل هذا النهج، على سبيل المثال، من خلال توفير قوة البيانات والمعالجة (من خلال الذكاء الاصطناعي) لتقديم ملاحظات ذات نهج تصاعدي، وتسهيل التنسيق. ويمكن لمراكز الاتصال، بما في ذلك المراكز المالية الإقليمية مثل سنغافورة، وهونغ كونغ، ومنصات التكنولوجيا الجديدة، تحسين تخصيص التمويل والمعرفة. وستكون المشاركة المباشرة وبناء توافق الآراء ضروريين لتجنب مصائد العمل الجماعي.
إن السرديات مسألة حيوية هنا، إذ غالباً ما تفتقر الخطط ذات الاتجاه التنازلي إلى الأسلوب الذي يناشد العاطفة والمشاعر اللازمة لتغيير السلوك البشري، لكن الجهود التصاعدية تعكس أفكار الناس وتطلعاتهم، وهذا يدعم إنشاء سرديات قادرة على إلهام الحركات الاجتماعية، وتمكينها، وإطلاق عدد كبير من التغييرات الصغيرة، ومن ثم خلق تغيير منهجي.
وربما تكون الوتيرة البطيئة نسبياً لتكامل رابطة أمم جنوب شرق آسيا محبِطة لأولئك الذين يعتقدون أن الخطة الواضحة هي مفتاح التقدم. ولكن التكامل لا يمكن أبداً أن يكون عملية منظمة وفعالة في منطقة تضم بلداناً شديدة التنوع وتختلف مع بعضها البعض إلى حد كبير في ما يتعلق بمستوياتها في ما يخص التنمية. ويحتاج الفاعلون إلى الوقت ليتعلموا كيفية العمل مع بعضهم البعض، وبناء إجماع محلي وإقليمي، وتطوير قدرات التصميم والتنفيذ والرقابة اللازمة.
إن التنمية هي عملية تكيفية معقدة، ونحن نعيش في زمن تغيرات جيوسياسية وتكنولوجية وبيئية عميقة. وعلى الرغم من جاذبية الخطط ذات الاتجاه التصاعدي مثل «CADP 3.0»، فإنها لا تستطيع تقديم ما يتطلبه التكامل الآسيوي: مؤسسات تتدرج من القاعدة إلى القمة، وتقدم سرديات مقنعة، ويمكنها الاستجابة بخفة للمعلومات والضرورات الجديدة.
* زميل متميز في معهد آسيا العالمي بجامعة هونغ كونغ، عضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام
**رئيس معهد هونغ كونغ للتمويل الدولي، أستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة في معهد «شنغن» المالي في الجامعة الصينية بهونغ كونغ