دفعة تشريعية للاستثمار في أمريكا
مايكل سبنس
ظلت التشريعات الاقتصادية الكبرى حديث الساعة في أمريكا، من قانون البنية الأساسية بقيمة 1.2 تريليون دولار في نوفمبر الماضي، والذي يَـعِـد بتحديث الطرق والجسور وشبكات النطاق العريض الأمريكية، إلى قانون الرقائق والعلوم الذي أُقِـرّ أخيراً، والذي سيخصص أكثر من 52 مليار دولار لتعزيز صناعة أشباه الموصلات الأمريكية. وربما نشهد قريباً إضافة قانون خفض التضخم ــ الذي أصبح في الطريق الآن إلى مجلس النواب، بعد إقراره في مجلس الشيوخ ــ إلى هذه القائمة.
في البيئة السياسية المستقطبة الحالية، والتي شكلتها عقليات المحصلة الصفرية (حيث يخسر طرف كل شيء ويكسب الآخر كل شيء)، يكاد يكون من الممكن اعتبار هذه الاختراقات شبه معجزات. وقد سارع المعلقون بكل تأكيد إلى الترويج لها باعتبارها انتصارات للرئيس الأمريكي جو بايدن والديمقراطيين، مع تساؤل العديد من المراقبين ما إذا كانت لتساعد في تحويل المد في انتخابات التجديد النصفي في سبتمبر المقبل.
أياً كانت التأثيرات السياسية المترتبة عليها، فإن قوانين مثل قانون البنية الأساسية، وقانون الرقائق والعلوم، وقانون خفض التضخم، ترقى إلى كونها زيادة مذهلة في الاستثمار الطويل الأجل في إمكانات النمو في أمريكا، وإيجاد التوازن بين الأبعاد المختلفة لنمط النمو الأمريكي، وبشكل بارز خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون.
ومن شأن قانون خفض التضخم أن يسمح بأكبر استثمار في العمل المناخي في تاريخ أمريكا، ما يمنح الولايات المتحدة الفرصة للاقتراب من تحقيق هدفها المتمثل في خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030. وبما أن الولايات المتحدة تُـعَـد ثاني أكبر مصدر للانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم (بعد الصين)، فإن مثل هذا الاستثمار يشكل ضرورة أساسية، ليس فقط لخفض الانبعاثات العالمية بشكل مباشر، بل وأيضاً لتحفيز آخرين على القيام بدورهم. كما يشتمل قانون خفض التضخم على فقرات لا تتعلق بالمناخ، مثل السماح لبرنامج ميديكير (الذي يقدم المساعدة الطبية لكبار السن) بالتفاوض على أسعار الأدوية التي تستلزم وصفة طبية، وتمديد إعانات الدعم التي يتيحها قانون الرعاية الميسرة حتى عام 2025، وتقديم نسخة ما من ضريبة الشركات بحد أدنى 15 %.
على نحو مماثل، يعيد قانون الرقائق والعلوم تنشيط الاستثمار الأمريكي في العلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك رأس المال البشري الذي يقود التوسع في القاعدة التكنولوجية التي يقوم عليها الاقتصاد. يولي التشريع اهتماماً خاصاً لأشباه الموصلات والتكنولوجيا الرقمية، مع توجيه حصة من الاستثمار إلى جهود الحد من اعتماد أمريكا على قوى أجنبية من المحتمل أن تكون غير جديرة بالثقة.
لكن الأمر الأعظم أهمية هو أن قانون الرقائق والعلوم يزيد مادياً من احتمالية ارتفاع الإنتاجية في الأمدين المتوسط أو البعيد. مع ارتفاع معدلات إعالة المسنين وإحكام ظروف سوق العمل، تنشأ الحاجة إلى نمو الإنتاجية بدعم من التكنولوجيات الرقمية لتحقيق أنماط نمو عادلة ديموغرافيا في العقد المقبل وما بعده.
سوف يطلق الاستثمار الموسع في القطاع العام، والحوافز التي يخلقها، العنان لطفرة في الاستثمار الخاص في مجالات أساسية. هذه لست مجرد تكهنات. إن الاستثمار العام الجيد التوجيه في العلوم والتكنولوجيا والبشر والبنية الأساسية يخلق الفرص التي سيغتنمها القطاع الخاص الديناميكي والنظام المالي، مما يدفع الإبداع والنمو وتشغيل العمالة.
لا شك أن بعض الانقسامات الواسعة تظل قائمة في الولايات المتحدة بشأن توزيع الدخل والثروة والفرص. ولكن حتى هنا، يشير تشريع حديث ضمناً إلى الاعتراف بأن إبطال الاتجاهات الضارة يتطلب استثمارات عامة، وخصوصاً في التعليم، وأجندة جانب العرض التي تساعد في خلق الفرص. ولا ينبغي لنا أن نستبعد إعادة التوزيع، لكنها ليست حلاً كاملاً.
قد يخشى بعض المراقبين من أن هذا الإجماع الجديد الجزئي الهش على أهمية الاستثمار في الأصول الملموسة وغير الملموسة والبنية الأساسية الداعمة يعتمد بشكل أساسي على اعتبارات جيوسياسية.
على الرغم من خطر اتهامي بالإفراط في الحماس، أنصح كل من يُـعـرِب عن مثل هذه المخاوف بالامتناع عن التفتيش عن العيوب في مثل هذه المنحة.
تُـظـهِـر الانتصارات التشريعية الأخيرة التي أحرزها الديمقراطيون إمكانية التوصل إلى نتائج ملموسة بالاستعانة بأجندة وسطية والاستعداد لتقديم تنازلات. على الرغم من موافقة مجلس الشيوخ على قانون خفض التضخم في تصويت جرى على أساس الاتجاه الحزبي، كان لابد من تعديل بنود أو إسقاط أخرى لتأمين الدعم المطلوب، وخصوصاً من جانب جو مانشين من وست فرجينيا وكريستن سينيما من أريزونا.
يشير التشريع الحديث أيضاً إلى الرغبة في تعزيز المصلحة العامة العريضة في الأبعاد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والبيئية، على الرغم من الاختلافات العميقة حول القضايا الاجتماعية.
* حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد وأستاذ فخري في جامعة ستانفورد وكبير زملاء مؤسسة هوفر