الولايات المتحدة وأوروبا.. سباق الطاقة النظيفة وتحديات التضخم
جيرنوت واجنر
دخلت الولايات المتحدة سباق الطاقة النظيفة بقوة مع قانون خفض التضخم لعام 2022، لن يكتفي هذا القانون بدعم منتجي ومستهلكي الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة بنحو 369 مليار دولار على مدار عشر سنوات، بل يذهب القانون أيضاً إلى تفويض وزارة الطاقة بإقراض ما يصل إلى 250 مليار دولار للشركات الأمريكية التي تستثمر في التحول إلى الطاقة النظيفة. وبين قانون خفض الضرائب والحزمة الأخيرة بقيمة 52 مليار دولار لتعزيز إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، من الواضح أن السياسة الصناعية عادت إلى سابق رواجها في واشنطن العاصمة.
من المؤكد أن هذه الأرقام قد تبدو متواضعة. وفقاً لمؤسسة بلومبرج، تجاوزت الاستثمارات العالمية في تحول الطاقة 750 مليار دولار العام الماضي، حيث أنفقت الصين وحدها 266 مليار دولار، مقارنة بنحو 47 مليار دولار في ألمانيا، و114 مليار دولار في الولايات المتحدة. وتقدم شركة ماكينزي آند كومبني رواية أكثر سخاء، حيث يقدر إجمالي الاستثمارات الحالية في الطاقة النظيفة والبنية الأساسية الداعمة لها بنحو 2 تريليون دولار.
لكن هذه الأرقام تشير إلى إجمالي الاستثمارات الجديدة في مختلف أنحاء العالم، وهي تأتي أساساً من القطاع الخاص، الذي لا يزال بعيداً عن المنطقة التي ينبغي له أن يكون عندها، على الرغم من تسارع انتشار مصادر الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية وغير ذلك من مرافق البنية الأساسية المنخفضة الكربون على مستوى العالم، لا تزال فجوة متزايدة الاتساع قائمة بين العمل الـمُـنجَـز بالفعل وما يجب إنجازه من عمل لإدارة أزمة المناخ.
وعلى هذا، يعتقد محللو بلومبرج بأن الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة يجب أن تتضاعف إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2025 ثم تتضاعف مرة أخرى بحلول نهاية هذا العقد، وتشير حسابات ماكينزي إلى أن إجمالي استثمارات سنوية يتجاوز 9 تريليونات دولار سيكون مطلوباً من الآن وحتى عام 2050 للوصول إلى صافي الصِـفر، مع تحول ما يربو على 2.7 تريليون دولار سنوياً من مصادر الطاقة غير النظيفة إلى مصادر الطاقة النظيفة.
هنا يأتي دور التمويل الإضافي والحوافز الإضافية من جانب الحكومة الأمريكية. ليس المطلوب إحلال الاستثمار الخاص أو الإضافة إليه ببساطة. بل تَـعِـد إعانات الدعم الحكومية ــ عندما تكون مصممة على النحو اللائق ــ بحشد مجموعة متنوعة أكبر كثيراً من دولارات الاستثمار الخاص. لنتأمل هنا قروض وزارة الطاقة الإضافية. من المقرر أن يستخدم البرنامج 5 مليارات دولار فقط من أموال دافعي الضرائب لإدارة قروض تقدم للشركات تصل إلى 250 مليار دولار، والتي بدورها ستخصص مئات المليارات من رأس المال الخاص الإضافي للإنفاق على جهود الحد من التلوث بغازات الانحباس الحراري الكوكبي.
يسلط قانون خفض التضخم الضوء على تساؤلات كانت لتصبح موضع تجاهل لولا ذلك، مثل قضية «الكربون الـمُـدمَـج». في الوقت الحالي، يُـتـرَك المستهلكون عموماً في الظلام عندما يتعلق الأمر بمقدار التلوث الناتج عن خلق مُـنتَـج بعينه. يخصص قانون خفض التضخم 350 مليون دولار لمساعدة الشركات الـمُـصَـنِّـعة على قياس الكربون المدمج في منتجاتها، وإنشاء برامج لوضع ملصقات تفصيلية للمواد المستخدمة في مشاريع البناء الفيدرالية.
علاوة على ذلك، تأتي هذه المخصصات بالإضافة إلى أكثر من 4 تريليونات دولار لمشتريات الحكومة الفيدرالية من مثل هذه المواد. من الأهمية بمكان إزالة الكربون من عمليات الحكومة الفيدرالية الأمريكية، لمصلحتها وكوسيلة لدفع عجلة التحول الأوسع إلى البنايات المنخفضة الكربون والبنية الأساسية النظيفة للنقل في مختلف قطاعات الاقتصاد.
لا يخلو الأمر من مقايضات يجب وضعها في الاعتبار، نظراً للتفاعل الأوسع بين «التضخم الأخضر» والمشكلة الأكبر كثيراً المتمثلة في «التضخم الأحفوري». لا أحد يستطيع أن ينكر أن أسعار الوقود الأحفوري الأعلى تسببت في خلق ضغوط تضخمية كبيرة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى على مدار العام المنصرم. تمثل الطاقة وحدها ما يقدر بنحو %33 من التضخم في الولايات المتحدة، ومن المعقول أن نفترض أن بعض الزيادات في أسعار الغذاء والسلع الأساسية ترجع أيضاً إلى ارتفاع تكاليف مدخلات الطاقة والنقل. وعلى هذا فإن الاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة النظيفة سيكون انكماشياً، على الأقل في الأمدين المتوسط إلى البعيد. صحيح أن المزيد من الاستثمارات في التحول الأخضر ربما يؤدي إلى ضغوط تدفع أسعار الطاقة النظيفة وتكاليف إزالة الكربون إلى الارتفاع بشكل مؤقت.
لا يوجد تشريع مثالي، بيد أن قانون خفض التضخم يستحق الاحتفال. حتى الشهر الفائت، كان التباين عبر الأطلسي واضحاً ــ والذي انعكس حتى في أسعار الأسهم ــ حيث حشدت أوروبا قواها للتعجيل بجهود إزالة الكربون بينما لم تفعل الولايات المتحدة. والآن، ربما تبدلت الحال.
كانت ولايات أمريكية مثل كاليفورنيا ونيويورك، بل وحتى تكساس، سابقة للحكومة الفيدرالية الأمريكية منذ فترة طويلة في دعم مصادر الطاقة المتجددة. ولكن الآن بعد أن وصلت الحكومة الفيدرالية أخيراً إلى بوابة البداية، تحول الانتقال إلى الطاقة النظيفة إلى سباق عالمي إلى القمة. لقد ألهبت الولايات المتحدة الحماس «المحايد كربونياً» بين البلدان الأخرى والتكتلات فوق الوطنية مثل الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من اضطلاع الاتحاد الأوروبي بدور قيادي كبير في قضايا السياسة المناخية لسنوات عدة، فإن بنيته السياسية تمنعه من التحرك بالسرعة التي يريدها له كثيرون. فقد أُعـلِـن عن الصفقة الأوروبية الخضراء في الاتحاد الأوروبي في عام 2019 لكنها لم تُـعــتَـمَد رسمياً حتى يوليو 2021، الواقع أن بنودها لا تزال تشق طريقها عبر البرلمان الأوروبي والحكومات الوطنية.
مع ذلك، نجد أن هدف أوروبا أكثر طموحاً بأشواط من هدف أمريكا. يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن وخفض الانبعاثات بنسبة 55% عن مستويات 1990 بحلول نهاية العقد الحالي. في المقابل، التزمت إدارة بايدن بخفض الانبعاثات بنسبة 50% عن مستويات الذروة التي بلغتها في عام 2005، ومن المتوقع أن يعمل قانون خفض التضخم الآن على تقليل الانبعاثات بما لا يقل عن %40 بحلول عام 2030.
لا شك أن الأداء القوي في سباق الطاقة النظيفة سيكون مفيداً للشركات، والاقتصاد، والأمن الوطني. وهذا ليس شأناً عبر أطلسي فحسب، فبوسعنا أن نزعم أن الصين تحمل لواء الريادة بثبات في السباق إلى تصنيع المعدات اللازمة لتحول الطاقة.