تحديات تحقيق أهداف التنمية المستدامة والمسؤولية المجتمعية
أندرو شنج * شياو قنج **
يقع أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا بعيداً للغاية عن أوكرانيا، ولا يخلف السكان الأصليون في بورنيو ــ الذين يعيشون في بعض من الغابات الأكثر بِـكراً المتبقية في العالم ــ أي بصمة كربونية تُـذكَر. ومع ذلك، حتى هم لا يمكنهم الهروب من التأثيرات المترتبة على الحروب، والتضخم، وتغير المناخ. الواقع أن أحد أفضل آمالنا في بناء عالم أفضل ــ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ــ يبدو بعيد المنال على نحو متزايد.
المفترض أن تساعد أهداف التنمية المستدامة في إنهاء الفقر، وحماية كوكب الأرض، وضمان الرخاء للجميع بحلول عام 2030. لكن أحدث تقارير أهداف التنمية المستدامة ينقل إلينا صورة قاتمة. فقد تتسبب «أزمات عالمية متتالية ومترابطة» ــ بما في ذلك جائحة (كوفيد 19)، والانحباس الحراري الكوكبي، والحروب، والتضخم، والاستقطاب ــ في تعريض أجندة أهداف التنمية المستدامة للخطر، بعد أن أهدرت بالفعل سنوات من التقدم نحو القضاء على الفقر والجوع.
ألقت زيارتنا الأخيرة إلى بورنيو الضوء على العواقب التي تخلفها هذه الإخفاقات على السكان الأصليين هناك. الواقع أن أغلب شعب الموروت (Murut) الذي يبلغ تعداده 112 ألف نسمة يعيشون في مناطق ريفية تكاد تفتقر تماماً إلى التنمية في المناطق الداخلية الشمالية في الجزيرة ــ معظمها في صباح، ماليزيا ــ حيث اعتاد الناس على التنقل إما عن طريق النهر أو على طول طرق مرصوفة بالحصى.
قبل جيل واحد ــ بعد أن عاشوا لقرون من الزمن كصيادين وجامعين، معتمدين على الغابات ــ نجحت السلطات في إقناعهم بالانتقال إلى المستوطنات والأراضي الزراعية التي مُـنِـحوا إياها. لكن أسعار منتجاتهم الأولية ــ المطاط غير الـمُـعالَج ــ سجلت انخفاضاً كبيراً، مما أدى إلى انضغاط دخولهم، وهم لا يملكون رأس المال ولا الدراية اللازمة للتحول إلى محاصيل أكثر ربحية، مثل الفواكه والخضراوات.
يتطلب تحسين أحوال السكان الأصليين تطوير نماذج أعمال مربحة ومستدامة، وتمكين المجتمعات من تجنب الاعتماد المفرط على المساعدات وإعانات الدعم. ويجب أن تُـبـنـى هذه النماذج على معرفة السكان الأصليين بالأراضي والأنظمة البيئية المحلية، وأن تكون مدعومة بالاستثمار في البنية الأساسية والتنظيم اللائق.
لكن مثل هذا الدعم يظل بعيد المنال، خاصة وأن خيارات السكان الأصليين محدودة في ما يتصل بجعل أصواتهم مسموعة. وعلى الرغم من تمكنهم من الإدلاء بأصواتهم في انتخابات دورية‘ إلا أن مصالح الأقوياء اقتصادياً تميل إلى أن تأتي أولاً. ونتيجة لهذا، لا يُـسـتَـفاد من المعرفة المحلية والأصول الطبيعية في دفع عجلة التنمية المستدامة.
يعكس هذا تحدياً أوسع يتصل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما أظهر كتاب من تحرير جان ووتر فاسبندر وجون سيم في عام 2021، فإن العالم لا تعوزه التكنولوجيات القوية، أو التمويل، أو المواهب، أو المعرفة. وعجز هذه العوامل عن دفع التقدم السريع نحو أهداف التنمية المستدامة يعني فشل الحوكمة ــ على وجه الخصوص، في تصميم السوق.
يتمثل جزء من المشكلة في الافتقار إلى أنظمة للتوفيق بين المعروض من التكنولوجيا، والمعرفة، والتمويل، والطلب على كل هذا. من الناحية النظرية، تعمل شبكة الإنترنت على «تسطيح» القدرة على الوصول إلى المعلومات، والمعرفة، بل وحتى التمويل. لكن السكان الأصليين في المناطق الريفية يفتقرون غالباً إلى الكهرباء، ناهيك عن القدرة على الوصول إلى الإنترنت، وعلى هذا فإنهم حتى في المجالات حيث يتمتعون بخبرات وأفكار قيمة تكون قدرتهم على الحصول على الدعم الذي يحتاجون إليه محدودة بشدة.
قد يساعد في هذا الصدد تطوير «القرى الذكية». ينبغي لمثل هذه القرى أن تتمكن من الوصول إلى خدمات عالية الجودة ــ المياه، والطاقة، والنقل، والاتصالية ــ وأن تكون مربوطة بالمدن الذكية. هذا من شأنه أن يعمل على تحسين الأمن الغذائي، وحفز السياحة البيئية، وتعزيز روح المبادرة التجارية، وتمكين نشوء الشراكات الريفية الحضرية المبدعة في مجالات حرجة مثل التكيف مع تغير المناخ.
من الممكن أن يضطلع عالم المال والأعمال بدور مركزي في تطوير مثل هذه القرى، تحت عباءة المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن تتحملها الشركات. لكنها ستظل في احتياج إلى طريقة لتحديد الوجهة التي يجب أن تقصدها مواردها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الخير. يتطلب هذا جهوداً تقودها الحكومة لتصميم وتنفيذ سوق للمؤسسات الاجتماعية.
لا يقتصر التحدي على التوفيق بين العرض والطلب. فكما تُـظـهِـر تجربة الصين في القضاء على الفقر، يتطلب تغيير الأنظمة المعقدة التنسيق والتخطيط من أعلى إلى أسفل على النحو الذي يمثل المردود من أسفل إلى أعلى ويستجيب له. (سيشكل هذا النهج أهمية مركزية لإعادة تنشيط المناطق الريفية في الصين أيضاً، بما في ذلك النهوض بالزراعة، وتجديد الأراضي، وتوفير الفرص التعليمية والوظيفية الموسعة). على حد تعبير أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، سوف يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة تحركات عالمية ومحلية.
ويتعين على الحكومات تعزيز نجاحاتها والنتائج المتميزة التي تحققها في «دفع» الأنظمة الاجتماعية المعقدة في اتجاه يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، باستخدام الحوافز الضريبية والتنظيمية. ومن المؤكد أن التنظيم سيساعد في التصدي لتحديين أساسيين آخرين يواجهان مجتمعات بورنيو الأصلية. أولاً، تسببت مزارع زيت النخيل في تآكل الغطاء الحرجي وتسميم الممرات المائية بالمبيدات الحشرية والأسمدة، مما جعل الأنهار تتحول إلى اللون الأصفر مع تآكل تربة اللاتريت، وتصبح غير صالحة للشرب، وتنضب ثروتها السمكية. وثانياً، برغم أن طريق عموم بورنيو السريع الذي يخترق الغابة من شأنه أن يجعل النقل أكثر سهولة، فقد أدى إلى إرباك الأنظمة البيئية المحلية ودفع الشباب إلى الرحيل بحثاً عن العمل.
إن الأهداف العالية المستوى، مثل أهداف التنمية المستدامة، من غير الممكن أن تتحقق من خلال مناهج جامدة أحادية الـبُـعـد. بل يجب أن تترجم إلى مبادرات ملموسة جيدة. لن يكون هذا في حكم الممكن إلا من خلال الاستعانة بهياكل السوق والحوافز المناسبة، والتي يشرف على إدارتها جهاز تنظيمي مستجيب حقاً.
* زميل متميز في معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لشؤون التمويل المستدام في برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
** رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة التابع لمعهد شينزن للتمويل في جامعة هونغ كونغ الصينية في شينزن.