ضمانات حل مشكلة بنك إنجلترا
هارولد جيمس
تطرق المتنافسون في سباق حزب المحافظين لتولي منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة، خلفاً لبوريس جونسون، إلى مكون رئيسي للاقتصاد السياسي الحديث وهو: البنوك المركزية. إذ يتعرض صانعو السياسة النقدية الذين لم يتركبوا أي خطأ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لانتقادات متزايدة؛ وبدأت كل الخطابات القديمة بشأن تأثيرهم غير المشروع تعود إلى الواجهة.
وكان لافتاً تميز طروحات ومعالجات، الفائزة بمنصب رئيس الوزراء، ليز تروس، التي اعتمدت سياسات تَحن إلى الماضي على نحو غريب في محاولة للاقتداء برئيسة الوزراء السابقة «مارغريت تاتشر». وأطلق «سوناك» حملته في غرانثام، مسقط رأس تاتشر، بينما لم تُفوت «تروس» (الفائزة المحتملة) أي فرصة لتظهر نفسها على أنها تجسيد جديد للمرأة الحديدية، لاسيما عن طريق خوضها لمعركة رفيعة المستوى مع بنك إنجلترا.
تنتقد «تروس» تعامل بنك إنجلترا مع التضخم وتدعو إلى مراجعة تفويضه، وهي بذلك تسير على خطى «تاتشر». فهي تريد أن يكون هناك قدر أكبر من التنسيق بين بنك إنجلترا وباقي المؤسسات الحكومية في ما يتعلق بالسياسة النقدية والتنظيم المالي.
إن «تروس» ليست مخطئة في المطالبة بمثل هذا التغيير سواء من الناحية السياسية أو الفكرية. إذ كان استقلال البنك المركزي، إلى جانب نظام يستهدف الحد من التضخم، سياسة ذكية للاستجابة للظروف التي لم تعد سارية. ولسنوات عديدة، كان هناك تقارب في السياسة العالمية التي تستهدف خفض معدلات التضخم، لأن إضافة قوة عاملة هائلة في الأسواق الناشئة أدت إلى تراجع تكاليف العمالة العالمية. ولكن هذا التقارب انتهى منذ زمن طويل.
وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، بينما كانت العولمة لا تزال تحد من تكاليف العمالة، أصبح الخط الفاصل بين السياسة النقدية والمالية يشوبه عدم الوضوح المتزايد. وبدا الاعتماد على السياسات النقدية غير التقليدية أسهل طريقة للخروج من وضع مستحيل، لذلك بدأت البنوك المركزية في شراء الأصول- وبدأت بالديون الحكومية- وأدخلت أنظمة مالية لإعادة رسملة المؤسسات المالية الضعيفة.
إن «تروس» على حق في انتقادها لبنك إنجلترا لعدم قيامه بما يكفي لكبح جماح التضخم. وتشير أحدث التقديرات إلى أن التضخم في المملكة المتحدة سيصل إلى %13 بحلول نهاية العام- وهو مستوى لم نشهده منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما أدت الضائقة الاقتصادية إلى الحاجة إلى «تاتشر».
وبنك إنجلترا على حق أيضاً عندما يجادل بأن التضخم اليوم ليس خطأه. فعلى أي حال، كانت معدلات التضخم مرتفعة في كل مكان تقريباً، بسبب عوامل لا يمكن لأي حكومة السيطرة عليها، مثل اضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بالوباء، وارتفاع أسعار الطاقة والسلع بعد الحب الروسية الأوكرانية. ومع ذلك، فإن المملكة المتحدة تواجه مشاكل أكبر في ما يتعلق بالتضخم مقارنة مع غيرها من البلدان المتقدمة الكبرى بسبب العوامل المحلية، ولا سيما حجم الاقتراض العام والديون.
وفي الختام، لا يمكن استعادة آفاق نمو الاقتصاد ببساطة من خلال السياسات النقدية؛ إذ يتطلب ذلك الانفتاح العالمي المستمر. وينطبق هذا بصورة خاصة على المملكة المتحدة، التي تعاني انخفاضاً حاداً في معدلات نمو إنتاجية، وتقلّص القوة العاملة بسبب سوء الحالة الصحية (ونظام رعاية صحية يعاني قصوراً).
* أستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستون.