لنتأهب.. الجائحة لم تنتهِ بعد
هيلين كلارك
مع استمرار تخبط بلدان عديدة عبر موجات من المتحورات الشديدة العدوى من فيروس كورونا الذي يصيب البشر بمرض فيروس كورونا (كوفيد 19)، من الواضح أنه من السابق للأوان إعلان انتهاء الجائحة. في مكان ما من العالم، ربما يتمكن عامل مُمرِض خطير آخر، ربما يعيش حالياً في دماء خفاش، أو يتشكل في أمعاء خنزير، من الانتقال إلى البشر لينتشر ويزدهر. الواقع أن العديد من الأمراض التي تصيب البشر تنشأ من خلال هذه العملية. في أسوأ الحالات، كما هي الحال مع كوفيد 19، تتحول هذه الكائنات الحية إلى تهديدات خطيرة للصحة وتجعل العالم بأسره عُرضة للخطر.
تُرى لو حدث مثل هذا الكابوس مرة أخرى اليوم، فهل نكون مستعدين؟ هل تستطيع منظمة الصحة العالمية التحرك على الفور بناء على تقرير جدير بالثقة عن وجود تهديد وتحذر كل البلدان بشكل فَعّال؟ وإذا كان العامل المُمرِض قادرا على الانتشار دون أن يُكتَشَف تقريباً، فهل يتسابق النظام العالمي لتنسيق استجابة رفيعة المستوى وضمان تمكين الجميع من الوصول إلى المعلومات، والإمدادات الطبية، والأموال اللازمة للحد من الضرر؟ هل يكون لدى كل بلد خطة لتقليل الضغوط المفروضة على الأنظمة الصحية، والمدارس، والشركات، وسبل العيش؟
الإجابة المختصرة على كل هذه التساؤلات هي «كلا». في ظل وتيرة التغيير الحالية، لا يزال التأهب العالمي لإدارة تهديد باندلاع جائحة جديدة على بعد سنوات من المستوى المطلوب. ينبغي لنا أن نشعر بالقلق الشديد حيال ذلك، وأيضاً حيال الافتقار إلى القيادة الرفيعة المستوى اللازمة لإنهاء حالة الطوارئ التي تفرضها جائحة كوفيد 19.
صحيح أن العالم أحرز بعض التقدم. ففي شهر مايو من عام 2021، حددت اللجنة المستقلة للتأهب للجوائح والاستجابة لها، التي اشتركت في رئاستها مع رئيسة ليبريا السابقة إلين جونسون سيرليف، الفجوات التي أدت إلى اندلاع جائحة كوفيد 19 وأوصت بحزمة من الإصلاحات التي اعتقدنا أنها كفيلة بإنهاء الأزمة ومنع فاشيات الأمراض المعدية في المستقبل من التحول إلى جوائح شديدة التدمير. وقدمت هيئات مراجعة أخرى أنماطا مماثلة من التوصيات لمعالجة أوجه القصور الخطيرة.
وتشمل المشكلات التمويل غير الكافي بدرجة مؤسفة لجهود التأهب للجائحة؛ وسوق معدات الحماية الشخصية، واللقاحات، وغير ذلك من الإمدادات الأساسية التي تحابي الأثرياء؛ والشقوق والمناطق الرمادية التي تعيب النظام القانوني الدولي؛ ومنظمة الصحة العالمية التي تفتقر إلى الموارد والسلطة اللازمة لتمكينها من القيام بالمهمة المنتظرة منها.
يُحسَب لمنظمة الصحة العالمية والبلدان الملتحقة بعضويتها الجهود الجادة الجارية للاستجابة لتوصيات مجموعة من المراجعات. لكن هذه الجهود، المنتشرة عبر مجموعات العمل والهيئات المختلفة، بطيئة وغير منسقة في بعض الأحيان. ومن غير الواضح ما إذا كان أي شخص لديه رؤية واضحة لتجميع الأجزاء معا في نظام فَعّال يمتد إلى ما وراء حدود القطاع الصحي .
إن التمويل الحالي الذي رصده البنك الدولي عبر صندوق لتمويل الاستثمارات من أجل تعزيز القدرات الوقائية من الأوبئة والتأهب والتصدي لها، لا يزال غير كاف لحماية الناس من أسوأ ما تحمله لهم جائحة كوفيد 19.
لقد لقنت الجائحة الكثير من البلدان درسا مؤلما مفاده أنها لا تستطيع الاعتماد على الاقتصادات الأكثر ثراء لوضع الإنصاف في صميم الاستجابة لأي أزمة عالمية. ونتيجة لهذا، ينادي القادة الأفارقة بقارة أكثر اكتفاء ذاتيا وقادرة على حماية شعوبها بشكل أفضل.
من الأهمية بمكان ضمان تمكين البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من تأمين التراخيص ونقل المعرفة والتكنولوجيا التي تحتاج إليها لإنتاج ليس فقط لقاحات كوفيد 19، بل وأيضا الإمدادات الأخرى اللازمة للتصدي للأزمة الحالية، وغير ذلك من تهديدات الصحة العالية الأولوية، ومخاطر الجوائح في المستقبل.
في الوقت ذاته، تستمر جائحة كوفيد 19. وتظل تغطية اللقاحات في العديد من البلدان منخفضة للغاية، كما تلغي الحكومات قاعدة الإلزام بارتداء أقنعة الوجه، وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من الإصابات في بعض الأماكن، يريد العديد من الناس المضي قدما في حياتهم والتخلص تماما من تهديد كوفيد 19 المستمر.
المشكلة هي أننا لا ندري ماذا قد يحدث بعد ذلك. يتعين على القادة أن يكونوا مستعدين لنطاق كامل من سيناريوهات كوفيد 19، بما في ذلك احتمال ظهور متحور جديد مميت من الفيروس ينتشر بسرعة
يواصل أعضاء اللجنة المستقلة للتأهب للجوائح والاستجابة لها سعيهم إلى تنفيذ التوصية بإنشاء هيئة مؤلفة من رؤساء الدول والحكومات للإشراف على البنية المتطورة للتأهب للجوائح والاستجابة لها. بدون ذلك، لن يكون هناك الكثير لربط جهود الإصلاح المختلفة، من التمويل إلى الأدوات القانونية وغير ذلك.
لم ينته العالم بعد من جائحة كوفيد 19، ومن الواضح أن الإصلاحات اللازمة لإعدادنا لاستقبال العامل المُمرض الجديد التالي لا تتقدم بالسرعة الكافية. وما لم يتغير هذا، فمن المؤكد أن الجائحة الحالية لن تكون الأخيرة.
* رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، كما شغلت سابقاً منصب مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.