تطبيق تعهدات صافي صفر انبعاثات
كاثرين ماكينا
عندما كنت أمشي أخيراً في شارع بمدينة تورنتو الكندية رأيت إعلاناً يروّج لإنجازات شركة تعمل في مجال الوقود الأحفوري فيما يتعلق بهدف صافي صفر انبعاثات، لكن حتى أشاهد مثل هذه الادعاءات التي لا تصدق، فأنا لست بحاجة حتى أن أغادر منزلي.
طبقاً لدراسة من قبل «جارديان آند انفلونسماب» فإن مثل هذه الإعلانات تملأ «جوجل» فالإعلانات لشركة النفط العملاقة «شل» على سبيل المثال تظهر في %86 من عمليات البحث عن «صافي صفر انبعاثات» علماً أن العديد منها يروّج تعهد الشركة بتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول 2050، فهل تنبهت الشركات أخيراً إلى الطبيعة الملحة لأزمة المناخ، أم أن هذا هو شكل من أشكال التمويه الأخضر أي التظاهر بصداقة البيئة.
إن هناك شيئاً واحداً مؤكداً وهو أن أزمة المناخ تتصاعد بسرعة، حيث تعاني ولاية كاليفورنيا من موجات حرارة قياسية وثلث باكستان تحت المياه، كما تعاني الصين من جفاف شديد قد يكون له تداعيات عالمية، وهذا بالضبط ما يحدث الآن، فمن موجات البرد في تكساس إلى حرائق الغابات في أوروبا، فلقد أصبح من المستحيل تجاهل تغير المناخ.
لقد قطع العمل المناخي شوطاً طويلاً منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، حيث من الملاحظ أن صافي صفر انبعاثات أصبح من الأمور السائدة، علماً أن أهداف صافي صفر انبعاثات تغطي حوالي %90 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ليست الحكومات وحدها هي التي تبنت مثل تلك الأهداف، حيث قامت العديد من أكبر الشركات على مستوى العالم بذلك بدافع من الاهتمام التجاري وتوقعات المستثمرين وضغط المستهلكين.
لكن لو كانت الشركات - بما في ذلك شركات الوقود الأحفوري - هي الآن في طليعة من تبنى قضية المناخ مع التزامها الكامل والمعلن بقضية صافي صفر انبعاثات، إذاً لماذا ما تزال الانبعاثات في ارتفاع؟ لو نظرنا لتاريخ العمل المناخي، سنكتشف الإجابة.
خلال العشرين سنة الماضية، سعت مجموعة متنوعة من المبادرات المناخية لإقناع الشركات والمستثمرين بقبول فكرة تحديد أهداف متعلقة بالمناخ وتخفيض الانبعاثات ومن ثم تحديد أهداف أكثر طموحاً. لقد كان هناك قاسم مشترك واحد لكل تلك المبادرات وهي أنها جميعاً كانت طوعية.
كما يعرف أي شخص لم يلتزم بوعوده المتعلقة بقراراته للسنة الجديدة، فإن الوعود التي يتم قطعها لا تعني بالضرورة أنه سيتم الوفاء بها، وإذا قال أحدهم إنه سيحقق صافي صفر انبعاثات، فكيف يمكننا التأكد من أنه يتخذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك؟ علماً أنه في الوقت الحالي لا يمكننا التأكد من ذلك.
لقد مكّن هذا الشركات من تسويق نفسها على أنها مهتمة بالبيئة مع الاستمرار بأعمالها السابقة كالمعتاد أو تقريباً كالمعتاد، وفي واقع الأمر وكما هو الحال الآن بالنسبة للشركات تغطي خطة واحدة فقط من بين كل ثلاث خطط تتعلق بصافي صفر انبعاثات الأثر الكربوني الكامل للشركة، بما في ذلك ما يتعلق بسلسلة التوريد الخاصة بها، ولم تشرح حتى واحدة من أكبر الشركات المسببة للتلوث في العالم وبشكل كامل كيف تخطط لتحقيق صافي صفر انبعاثات.
وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أخيراً: «العالم في سباق مع الزمن. لا يمكننا تحمل المتحركين ببطء أو المتحركين المدعين أو أي شكل من أشكال التمويه الأخضر». إن هذه هي المشكلات التي من المفترض أن يحلها فريق الخبراء رفيع المستوى المعني بالتزامات صافي صفر انبعاثات، والذي أتولى رئاسته. نحن مجموعة مستقلة ومتنوعة من الخبراء مصممون على تقديم توصيات تستند إلى العلم لتحقيق الهدف الذي تبنته العديد من الحكومات والشركات.
لقد بدأ عملنا للتو، لكن هناك ثلاثة أشياء واضحة بالفعل. أولاً، التعهد بدون خطة لا معنى له. تحتاج الشركات إلى مواءمة استراتيجيات أعمالها مع التزاماتها واتخاذ إجراءات طموحة والبدء في تحقيق التقدم على الفور، وهذا لا يعني التلاعب بالأرقام من خلال التعويض المشكوك في صحته، علماً أن الطريقة الوحيدة الموثوقة لتحقيق صافي صفر انبعاثات هي خفض تلك الانبعاثات.
ولدعم هذا الجهد سيحدد فريق الخبراء رفيع المستوى ما يلزم لتحقيق صافي صفر انبعاثات وهذا يشمل وضع معايير واضحة لخطط تحقيق صافي صفر انبعاثات ذات مصداقية وتأخذ في الحسبان قضايا الإنصاف والعدالة المناخية. يمكن لواضعي المعايير الإقليمية والقطاعية بعد ذلك اعتماد معاييرنا، وبالتالي ضمان وجود تناسق مع إمكانية المقارنة.
ثانياً، المخططات الطوعية ليست كافية. لسنا بحاجة إلى القرارات التي يتخذها المرء عادة بداية كل عام فنحن بحاجة إلى خطط عمل جديدة. سيكون التنظيم ضرورياً في هذا المقام وذلك من أجل ضمان استبدال خرائط الطريق المناخية الطوعية باستراتيجيات ملزمة مع عمل ما يلزم لضمان مبدأ تكافؤ الفرص. إن الهدف الرئيسي لفريق الخبراء رفيع المستوى هو تحديد القواعد التنظيمية اللازمة.
أخيراً فإن المساءلة ضرورية، فعندما يعلن المستثمرون والشركات والبنوك والمدن والمناطق عن التزامات بصافي صفر انبعاثات، فإنه يجب أن يكون لدينا القدرة على أن نثق بهم، علماً أن قواعد الاشتباك ستكون مهمة ولكن على الحكومات والشركات والممولين أن يلتزموا كذلك بالشفافية بشكل أساسي.