نحو برنامج عالمي متكامل يكبح جماح التضخم
مايكل آر. سترين
يجب على الإدارة الأمريكية أن تركز جهودها في الوقت الحالي، إزاء خطر التضخم، على قيادة الجهود الجدية متعددة الأطراف لنشر وتكريس الامتثال للقوانين والأعراف الدولية في خصوص التكنولوجيا العالمية وحقوق الشركات، بموازاة اتخاذ خطوات إضافية لتأسيس قيادة اقتصادية أمريكية في منطقة المحيط الهادئ. وعليها أن تزيد من دعمها للبحوث الأساسية، حتى تتمكن من مواصلة التفوق في مجال الابتكار.
في مواجهة ارتفاع الأسعار، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي، أن «محاربة التضخم» هي «أولويته الاقتصادية القصوى». ووعد بأن إدارته «ستواصل بذل كل ما في وسعها لخفض الأسعار أمام الشعب الأمريكي». وعلى الرغم من تصريحات الالتزام هذه، إلا أن بايدن رفض رفع الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على السلع المستوردة من الصين.
لا يزال يتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يفي بوعده «بفعل كل شيء» يمكنه القيام به لخفض الأسعار. إن سياسة تخفيض التعريفات تشبه الثمار المعلقة؛ فلتقطفها يا سيدي الرئيس.
إن أسعار المستهلكين تنمو بأسرع معدل لها منذ أربعة عقود. إذ في شهر مايو فقط، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة %1، مما جعله أعلى بنسبة %8.6 عن مستواه قبل عام واحد. والمشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. إذ على الرغم من أن التضخم الأساسي الذي يستبعد تلك العوامل لا يرتفع بوتيرة سريعة، إلا أنه عند مستوى مرتفع ولا ينخفض، مما يشير إلى أن التضخم راسخ في جميع القطاعات الاقتصادية.
وأدت حزمة إدارة بايدن البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، والتي وافقت عليها في مارس 2021 إلى تحفيز طلب المستهلكين إلى درجة تتجاوز بكثير القدرة الإنتاجية للاقتصاد، وإلى الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار المستهلك. والآن، تقع مهمة إعادة توجيه الاقتصاد إلى معدل تضخم منخفض ومستقر على عاتق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى حد كبير.
لقد بذل بايدن جهوداً جديرة بالثناء لضمان أن تكون قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي مستقلة عن التأثير السياسي. ورغم أنه كان بطيئاً للغاية في إدراك حجم تحدي التضخم في عام 2021، إلا أنه اعتمد، على الأقل، الخطاب المناسب في الوقت الحالي. ولكن، نظراً لمحدودية الأدوات التي يستخدمها الرئيس لمكافحة التضخم، فلا ينبغي إقصاء أي خيار من طاولة النقاش.
وفي موجز سياسي أصدره معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في مارس 2022، أفادت تقديرات الاقتصاديين غاري كلايد هوفباور، وميغان هوغان، ويلين وانغ، أن سياسة إلغاء التعريفات الجمركية التي تدخل في إطار الحرب التجارية لترامب من شأنها أن تقلل بصورة مباشرة من تضخم مؤشر أسعار المستهلكين بمقدار 0.3 نقطة مئوية. وبينما تحاول الشركات التنافس في سياق انخفاض الأسعار المحلية وأسعار الواردات، يمكن أن يزداد الانخفاض إلى 1.3 نقطة مئوية على المدى الطويل.
وفضلاً عن ذلك، خلُص هوفباور، وهوغان، ووانغ، أن حزمة أوسع من سياسات تحرير التجارة من شأنها أن تنتج تأثيراً أكبر. وهم يضعون الآن الخطوط العريضة لخطة من شأنها أن تشمل رفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين؛ وإلغاء الرسوم المفروضة على الخشب الكندي؛ وتخفيف القواعد التي تستبعد المنافسين الأجانب من مشتريات الحكومة الأمريكية؛ ووضع حد أقصى للتعريفات على مجموعة من السلع؛ وتوسيع نطاق السلع المعفاة من الرسوم الجمركية المستوردة من البلدان النامية. وستخفض هذه الخطة التعريفات والرسوم والحصص على 610.5 مليارات دولار من السلع المستوردة، مما يقلل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.5 نقطة مئوية بصورة مباشرة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يصل الانخفاض إلى نقطتين مئويتين.
وفي مواجهة التضخم الذي بلغ 8.6 %- وهي نسبة قد لا تمثل الذروة - قد لا يبدو الخفض في هذا النطاق إنجازاً كبيراً. ولكن نظراً لأن الأسرة النموذجية تنفق شهرياً أكثر مما كانت تنفق العام الماضي بزيادة بلغت 460 دولاراً في شراء نفس السلع والخدمات، فحتى الخفض بنسبة ضئيلة سيكون له تأثير على التضخم. وحتى إذا لم يكن للتراجع عن التعريفات الجمركية للحرب التجارية أي تأثير على الإطلاق على التضخم، فسيظل ذلك مفيداً للاقتصاد. لقد كانت سياسة ترامب الحمائية فاشلة استناداً إلى معاييرها؛ إذ قللت من فرص العمل في التصنيع بدلاً من زيادتها.
وفي ورقة عمل صدرت في ديسمبر 2021 بشأن زيادات التعريفة الجمركية الأمريكية في الفترة 2018 ـ 2019، تفيد تقديرات آرون فلاين، وجوستين بيرس، أن عملية تحويل الصناعة المحلية من التعرض الخفيف نسبياً للتعريفات (عند النسبة المئوية الخامسة والعشرين) إلى التعرض الشديد نسبياً (عند النسبة المئوية الخامسة والسبعين) كانت مرتبطة بانخفاض %2.7 في العمالة الصناعية. ويُعزى تضاؤل أي فوائد نتجت عن حماية الواردات إلى زيادة تكاليف المدخلات للمنتجين المحليين، وتكاليف العمالة الناجمة عن انتقام البلدان الأخرى.
ومنذ شهور والبيت الأبيض يدرس رفع رسوم ترامب الجمركية، لكنه رفض اتخاذ أي أجراءات بخصوص ذلك. وتزداد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين عدائية؛ ومن المرجح أن الإدارة مترددة في خفض التصعيد من جانب واحد. وقد يكون بايدن قلقاً أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف دعمه بين النقابات العمالية (التي غالباً ما تفضل الإجراءات الحمائية).
ولكن، إذا كان بايدن لا يزال متأثراً بهذه الاعتبارات، فإنه في الواقع لم يجعل مكافحة التضخم «أولويته الاقتصادية القصوى». وينبغي أن يشير البيت الأبيض إلى أنه يتفهم خطورة المشكلة. وهذا يعني تجاوز الهجمات الخطابية على الاستغلال المفترض لمصافي النفط المحلية، بمعنى أن الأولويات المهمة الأخرى يجب أن تأتي في المرتبة الثانية.