التعافي من صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي

ويليم بيوتر

نيويورك ــ بعد مفاوضات مضنية بين حكومات البلدان الأعضاء في الشهر الفائت، يحتفل الآن قادة الاتحاد الأوروبي باتفاقهم على حزمة إنقاذ بقيمة 750 مليار يورو (886 مليار دولار أميركي) لبلدان الاتحاد الأوروبي الأشد تضرراً بأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). لكن الاحتفال الآن سابق لأوانه. الواقع أنَّ خطة صندوق التعافي المسماة "جيل الاتحاد الأوروبي التالي" تنطوي على نقطتي ضعف رئيستين ستجعلانه ليس فقط غير فعّال بل ويشكل أيضاً تهديداً لوجود منطقة اليورو.

إضافة إلى كونه صغيراً للغاية، يفتقر صندوق جيل الاتحاد الأوروبي التالي إلى الشروط الأساسية لضمان الاستدامة المالية، بما في ذلك آلية منظمة لإعادة هيكلة الديون السيادية. يشكل مكون المنحة في صندوق التعافي بقيمة 390 مليار يورو 2.8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين. وحتى إذا حسبنا مكون القرض الذي يبلغ 360 مليار يورو فضلاً عن 100 مليار يورو في هيئة إقراض من خلال برنامج الدعم لتخفيف مخاطر البطالة في حالة الطوارئ، فسوف يظل الإجمالي يعادل 6.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

الأسوأ من ذلك أنَّ صندوق التعافي، على الرغم من احتياج الحكومات الوطنية التي تواجه تحديات مالية إلى دعم مالي فوري، لن يتيح الأموال للبلدان الأعضاء قبل عام 2021، وعندها من المتوقع أن يستمرَّ تخصيص مبلغ 750 مليار يورو لمدة ثلاث سنوات. (بدأ برنامج الدعم لتخفيف مخاطر البطالة في حالة الطوارئ العمل بالفعل، وهو برنامج غير ذي أهمية نسبياً). ولا يمكن للحكومات الأوروبية أن تتوقع الكثير من المساعدة من ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027، التي لا تتجاوز قيمتها 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للاتحاد الأوروبي، وليس الهدف منها توفير تمويل إضافي لمكافحة أزمة كوفيد-19.

من المؤكد أنَّ صندوق التعافي الأوروبي قد يكون مهماً من منظور طويل الأمد إذا شكَّل سابقة إما لبرامج إعادة التوزيع المالية الحكومية الدولية المنتظمة أو (الأفضل من ذلك) لمرفق مالي فوق وطني داخل الاتحاد الأوروبي. إنَّ إنشاء مرفق مشترك جديد يمكنه الاقتراض والإنفاق وفرض الضرائب وفقاً لقواعد واضحة وفي ظل مساءلة لائقة أمام المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي يشكل خطوة مهمة إلى الأمام. لكن هذه النتيجة غير مرجحة على الإطلاق. فقد قدَّم الاتحاد الأوروبي قروضاً للبلدان الأعضاء خارج منطقة اليورو منذ عام 2002 في إطار مرفق مساعدات ميزان المدفوعات، وحتى هذا لم يحفز تطوير قدرة الاتحاد الأوروبي المالية.

عندما يتعلق الأمر بالمساعدة المالية عبر الحدود، هناك مسافة كبيرة بين المواقف التي يتمسك بها "الأربعة المقتصدون" (النمسا، والدنمارك، وهولندا، والسويد) ومواقف حكومات دول جنوب الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا. وعلى هذا فمن المستبعد للغاية أن يُـفضي صندوق جيل الاتحاد الأوروبي التالي إلى إنشاء اتحاد مالي حقيقي. علاوة على ذلك، أوضح المجلس الأوروبي أنَّ الصندوق يمثل "استجابة استثنائية" لـ"ظروف مؤقتة وعصيبة" وأنَّ قوة اقتراض المفوضية الأوروبية تظلُّ "محدودة بوضوح من حيث الحجم والمدة والنطاق".

إنَّ غياب مرفق مالي حقيقي للاتحاد الأوروبي أو حتى على مستوى منطقة اليورو من شأنه أن يجعل المجموعتين (وخاصة منطقة اليورو) عُـرضة لخطر دائم يتمثَّل في التخلُّف عن سداد الديون السيادية الوطنية، بسبب الافتقار إلى أدوات السياسة النقدية الوطنية. الواقع أنَّ منطق النظرية النقدية الحديثة ينطبق في حالة منطقة اليورو.

عندما تكون ديون بلد ما مقومة بعملتها الخاصة، وعندما يكون هناك بنك مركزي وطني يخضع في نهاية المطاف للسلطة المالية الوطنية، فإنَّ التخلف عن السداد يصبح اختيارا وليس ضرورة. لكن بلدان منطقة اليورو من غير الممكن أن تعتمد على تدخل بنك مركزي وطني لتسييل الديون العامة الوطنية بتحويلها إلى نقد. ولأن ديونها العامة مقومة فعليا بعملة أجنبية، فمن الممكن أن يحدث التخلف عن سداد الديون السيادية بحكم الضرورة.

مع تزايد أعباء الديون المستحقة على البلدان الأعضاء التي تواجه تحديات مالية بشكل مضطرد، فإنَّ هذا لا يصبح مصدر قلق بعيداً أو هامشياً. من الأهمية بمكان أن تكون المنح والقروض التي يخصصها صندوق جيل الاتحاد الأوروبي التالي مشروطة بالاستدامة المالية؛ ولكن يبدو أنها لن تكون كذلك.

من ناحية أخرى أكثر إيجابية، جرى تعليق القواعد المالية لميثاق الاستقرار والنمو (الذي لم يقدم أي قروض أو منح). والآن، يجب إلغاء هذه القواعد بشكل دائم، واستبدالها بشروط الاستدامة المالية لأي تمويل تقدمه سلطة مالية مركزية في الاتحاد الأوروبي.

ولكن حتى آلية الدعم المالي الأوروبية الأكثر طموحاً والممكنة سياسياً من غير المرجح أن تكون كافية لمنع المزيد من حالات التخلف عن سداد الديون السيادية، وخاصة في منطقة اليورو. ولتجنُّب أزمة ديون أخرى على الطريقة اليونانية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى آلية منظمة لإعادة هيكلة الديون السيادية. وتتمثل أفضل طريقة لتحقيق ذلك في تحويل آلية الاستقرار الأوروبي إلى صندوق نقد أوروبي، والذي يجب تمكينه بعد ذلك لتوفير الدعم المالي المشروط لبلدان منطقة اليورو المتعثرة، بما يتوافق مع تحليل القدرة على تحمل الديون والذي يجريه صندوق النقد الأوروبي.

يجب أن يكون صندوق النقد الأوروبي المنظم على هذا النحو قادراً على إدارة أي إعادة هيكلة ضرورية للديون السيادية بطريقة منتظمة. ويمكنه أن يفرض تجميداً لخدمة الديون، كما يمكنه إجبار دائني الأقلية على قبول صفقة توافق عليها أغلبية مؤهلة. (بطبيعة الحال، يجب تحويل بنود العمل الجماعي التي تغطي فقط عقود الديون الفردية من خلال بنود التجميع الشامل).

يجب أن يكون أي دين جديد صادر عن صندوق نقد أوروبي أو أطراف معتمدة من جانبه سابقاً في الأهمية للديون المستحقة. ولضمان عدم نفاد موارد صندوق النقد الأوروبي السائلة، يجب أن يكون لديه خط ائتمان مع البنك المركزي الأوروبي (تضمنه بلدان منطقة اليورو). ويمكن تحديد حجم خط الائتمان من قِـبَـل أغلبية مؤهلة من حكومات منطقة اليورو، في الأرجح من خلال مجموعة اليورو التي تتألف من وزراء المالية.

في وجود صندوق أكبر كثيراً للتعافي في مواجهة التقلبات الدورية، وشروط لائقة لضمان الاستدامة المالية، وبرنامج دعم فعّال لتخفيف مخاطر البطالة في حالة الطوارئ، يعود الأمل إلى منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وفي غياب هذه الإصلاحات، يظل خطر الانفصال قائماً دائماً.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

ويليم بيوتر كبير خبراء الاقتصاد في سيتي جروب سابقاً، وهو أستاذ زائر في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org