صراعات تنهك الاقتصاد
المصدر: داني رودريك
لا شك أن قادة الصين، بعد ماو تسي تونج، كانوا حريصين على الاستماع إلى نبض الجماهير وأصوات البسطاء، وبالتالي تمكنوا من عكس السياسات، وتمثل طريقة شي جين بينغ في السلطة نهجاً مجدياً. ونجد أن بعض التشنجات الدولية تؤدي إلى إعاقة توجهات الصين وتعقيد المشهد الدولي، وقد أضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى هذه التحديات بإطلاق ما أسماه إدوارد لوس من صحيفة فاينانشال تايمز «حرب اقتصادية شاملة على الصين». فقبل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير مباشرة، أعلنت الولايات المتحدة مجموعة واسعة من القيود على بيع التكنولوجيات للشركات الصينية. وكما يشير لوس، ذهب بايدن إلى أبعد مما ذهب إليه سلفه دونالد ترامب، الذي استهدف شركات فردية مثل هواوي. الواقع أن التدابير الجديدة مذهلة في طموحها، فلا تستهدف أقل من منع صعود الصين كقوة تكنولوجية فائقة.
تتحكم الولايات المتحدة بالفعل في بعض الأجزاء الأكثر أهمية في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية، بما في ذلك «نقاط الاختناق» مثل الأبحاث المتقدمة وتصميم الشرائح. على حد تعبير جريجوري ألين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يترتب على التدابير الجديدة «درجة غير مسبوقة من تدخل الحكومة الأمريكية ليس فقط للحفاظ على التحكم في نقاط الاختناق بل وأيضاً لبدء سياسة أمريكية جديدة لتضييق الخناق بشدة على أقسام ضخمة من صناعة التكنولوجيا الصينية ــ خنق بنية القتل».
كما يوضح ألين، تتألف استراتيجية بايدن من أربعة أجزاء مترابطة تستهدف جميع مستويات سلسلة التوريد. تتلخص الأهداف في حرمان صناعة الذكاء الاصطناعي الصينية من القدرة على الوصول إلى الرقائق المتقدمة، ومنع الصين من تصميم وإنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي في الداخل من خلال تقييد القدرة على الوصول إلى برامج تصميم الرقائق الأمريكية ومعدات تصنيع أشباه الموصلات المصنوعة في الولايات المتحدة، ومنع الصين من إنتاج معدات تصنيع أشباه الموصلات عن طريق حظر إمدادها بالمكونات الأمريكية.
كان هذا النهج مدفوعاً بوجهة نظر من جانب إدارة بايدن، يُـجـمِـع عليها الحزبان بدرجة كبيرة، ومفادها أن الصين تشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة.
بهذه الطريقة، تضاعف إدارة بايدن الجهود لتعزيز تفوق الولايات المتحدة بدلاً من استيعاب حقائق عالم ما بعد القطب الواحد. وكما توضح ضوابط التصدير الجديدة، فقد تخلت الولايات المتحدة عن التمييز بين التكنولوجيات التي تساعد المؤسسة العسكرية الصينية بشكل مباشر (وهي تشكل بالتالي تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة) والتكنولوجيات التجارية . وكانت الـغَـلَـبة لأولئك الذين يزعمون أنه من المستحيل الفصل بين التطبيقات العسكرية والتجارية.
تسعى القوى العظمى (كل الدول في حقيقة الأمر) إلى رعاية مصالحها وحماية أمنها الوطني، فتتخذ تدابير مضادة في مواجهة قوى أخرى حسب الضرورة. ولكن كما زعمت أنا وستيفن والت، يستلزم النظام العالمي الآمن والمزدهر والمستقر أن تكون مثل هذه الاستجابات خاضعة لمعايرة دقيقة. هذا يعني أنها يجب أن تكون مرتبطة بوضوح بالضرر الذي تسببت سياسات الجانب الآخر في إحداثه وأن يكون المقصود منها فقط التخفيف من التأثيرات السلبية المترتبة على هذه السياسات. لا ينبغي ملاحقة الردود والاستجابات لغرض صريح يتمثل في معاقبة الطرف الآخر أو إضعافه في الأمد البعيد. ومن الواضح أن ضوابط بايدن التي تمنع تصدير التكنولوجيا الفائقة لا تجتاز هذا الاختبار.
يعمل النهج الأمريكي الجديد في التعامل مع الصين أيضاً على خلق نقاط عمياء أخرى، ستربك وئام عالمنا وتقدمه.