Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

السودان يفتح أبوابه للأعمال

فولكر بيرتس

الخرطوم ــ ربما يبدو الاستثمار في السودان فكرة غريبة، نظرًا لما لحق بالبلاد من تشوه بفعل الحرب الأهلية والصراع الطائفي، والعقوبات التي أصابته بالشلل، فضلًا عن حُـكمـه حتى وقت قريب من قِـبَـل رئيس يواجه أمر اعتقال صادر عن المحكمة الجنائية الدولية. مع ذلك، وجهت الحكومة الفرنسية الدعوة إلى القيادات السياسية في السودان، وغيرهم من زعماء العالم، لحضور مؤتمر استثماري في باريس في السابع عشر من مايو/أيار، وهناك من الأسباب الوجيهة ما يجعلنا نعتقد أنها الخطوة الصحيحة.

تغير الكثير في السودان منذ إبريل/نيسان 2019، عندما أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس عمر البشير. فقد أُزيل البلد من قائمة "رعاة الإرهاب" في وزارة الخارجية الأميركية، وبدأ يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. ومع اعتراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتقدم الذي أحرزه السودان في مجال الإصلاحات الاقتصادية، يقترب السودان من التأهل لبرنامج تخفيف الديون.

تحكم السودان حاليًّا إدارة انتقالية بموجب اتفاق تقاسم السلطة الذي أُبـرِم بين القوات المسلحة وائتلاف واسع من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني. ورغم أنَّ هذا الترتيب لم يكن زواجًا عن حبٍّ بأي حال، فإنه يقدم نموذجًا للسلوك البرجماتي العملي في منطقة تحتاج إليه بشدة.

الـمُـراد من اتفاقية تقاسم السلطة رعاية السودان خلال فترة انتقالية تدوم 39 شهرًا وتنتهي في أواخر عام 2022، بعد إطلاق عملية وضع مسودة الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية والإقليمية. على الرغم من كل الصِّـعاب والتنبؤات، تمكَّنت تجربة البلاد في التعايش العسكري المدني من الاستمرار لأكثر من عام ونصف العام، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى تعهدات شخصية من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة اللواء عبد الفتاح البرهان.

الواقع أنَّ الخروج من ثلاثين عامًا من الحكم الدكتاتوري و56 عامًا من الحرب الأهلية المتواصلة تقريبًا، من شأنه أن يفرض تحديًا على أي حكومة جديدة. وفي حالة السودان، كانت الخطوة الأكثر أهمية نحو السلام حتى الآن متمثلة في اتفاقية جوبا للسلام التي أبرمت بين الحكومة ومجموعة واسعة من الحركات المتمردة من دارفور وخارجها. والآن أصبحت هذه المجموعات ممثلة في كل من مجلس السيادة ــ الذي يعمل كرئيس جماعي للدولة ــ ومجلس الوزراء. ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات مع المجموعة الأكثر أهمية التي لم توقع على الاتفاق بعد، أو فصيل عبد العزيز الحلو التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال، في الخامس والعشرين من مايو/أيار.

علاوة على ذلك، أحرزت السلطات الانتقالية تقدمًا في إعادة الانضمام إلى المجتمع الدولي من خلال تبني اتفاقيات ومعاهدات مثل اتفاقية العمل الجبري أو القسري. كما تعمل بجدية لتصميم نظام فيدرالي يلبي احتياجات السودان السياسية المحددة (فضلًا عن إعداد الخطط لعقد مؤتمر كبير حول هذه القضية هذا الشهر). لا تخلو الأجندة من بنود أخرى مهمة متأخرة، مثل تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، لكن من المأمول أن يجري تناول هذه البنود قريبًا.

صحيح أنَّ بعض العقبات التي تحول دون تحقيق السلام الدائم لا تزال باقية. إذ تعاني الدولة السودانية ومؤسَّساتها الأمنية من نقص حاد في الموظفين المؤهلين، وهي غير مجهزة على النحو الوافي، فضلًا عن استغراقها في مهمة التعامل مع النزاعات الطائفية التي لم تحل حتى الآن والمليشيات الإجرامية. والتحديات الاقتصادية أشد صعوبة.

لكن كل هذا متوقع في بلد شهد ثورة ثم جائحة مَـرَضية. تضمَّنت الظروف الاقتصادية في أول عامين بعد الثورة تضخمًا سنويًّا تجاوز 300%. وفي ظل هذه الظروف، تدهور الوضع المالي في السودان إلى حد كبير، حتى إنَّ طوابير الخبز والوقود تكلف أفراد الأسر ساعات طويلة من الانتظار في كل مرة.

مع ذلك، كانت الحكومة حريصة على ملاحقة إصلاحات اقتصادية مهمة، وخاصة إلغاء دعم الوقود وتعويم العملة. وهي تعمل عن كثب مع صندوق النقد الدولي للوفاء بشروط تخفيف الديون. وبدعم من البنك الدولي وبرنامج الغذاء العالمي، أطلقت الحكومة برنامجًا للتحويلات النقدية لحماية الفئات الأكثر ضعفًا بين السكان من التأثيرات المترتبة على إعادة الهيكلة الاقتصادية.

إنَّ وضع السودان على طريق التنمية المستدامة يتطلَّب ما هو أكثر من المساعدات الإنسانية والإنمائية. إذ تحتاج الدولة بشدة إلى الاستثمارات الخاصة، وفي مؤتمر باريس، ستحظى الحكومة بفرصة سانحة لعرض مشاريعها على القطاع الخاص. وفي حين تجري الإصلاحات المحلية لتحسين مناخ الاستثمار في السودان، فإنَّ الفرص المتاحة في مجال البنية الأساسية، والاتصال الإقليمي، والزراعة، والصناعات الغذائية، والكهرباء، حقيقية.

لنتخيَّل هنا مستقبلًا حيث يتم ربط ميناء السودان في بورت سودان، عن طريق البر والسكك الحديدية، بدارفور، ثمَّ من هناك إلى تشاد (الدولة المغلقة، غير الساحلية)، ثمَّ جنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى. بهذا يصبح من الممكن عصر وتصدير محصول المانجو السوداني، وهو واحد من أكبر المحاصيل في إفريقيا، إلى أوروبا مباشرة.

الحق أنَّ الاستثمار الطويل الأمد في السودان يبدو على نحو متزايد ليس في حكم الممكن وحسب، بل وأيضًا مربحًا للغاية. السودان بلد إفريقي يتمتع بإمكانات هائلة ويفتح أبوابه أمام الأعمال الآن. وإلى هناك يجب أن تتدفَّق الأموال الذكية الآن.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org