Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

سياسات نقدية واجبة في مواجهة الركود التضخمي

المصدر: ويليم بويتر

ربما تُـسـاق حجة مُـقنِـعة، مفادها أن الركود المزمن ــ النمو الأبطأ الممتد لفترة طويلة ــ يلوح في أفق أغلب الاقتصادات المتقدمة، والعديد من الأسواق والاقتصادات النامية التي تعتمد على التجارة والاستثمار الأجنبي.

 

ولكن حتى لو كان الركود المزمن مصيرنا، فمن غير المرجح أن يتخذ هيئة الركود التضخمي المزمن، أو ما يسميه نورييل روبيني «الركود التضخمي العظيم».

يشير الركود التضخمي، إلى التضخم الأعلى من المستهدف بدرجة ملموسة، مع ارتفاع البطالة، بما يتجاوز مستواها الطبيعي، وانخفاض الناتج إلى ما دون مستواه المحتمل. لكن السيناريو الأكثر احتمالية في أغلب الاقتصادات المتقدمة والصين، يتمثل في عقود عديدة من الركود المزمن، في ظل معدلات تضخم منخفضة في عموم الأمر، تقاطعها نوبات عابرة من الركود التضخمي، تدوم لعام أو عامين.

هناك محركان متميزان للركود التضخمي، وكلاهما من الممكن أن يعملا في وقت واحد. يحدث الأول، عندما تتسبب إحدى صدمات العرض الكلي السلبية في زيادة التضخم، في حين تعمل على خفض الناتج ورفع معدل البطالة، كما حدث مؤخراً مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية بفعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وارتباك سلاسل التوريد بسبب الجائحة.

إذا كانت صدمة العرض مؤقتة، أو إذا تكيف الطلب الكلي نزولاً إلى مستوى أدنى من العرض الكلي بشكل دائم (مع بعض المساعدة من السياسة النقدية الأكثر إحكاماً)، فسوف يكون التضخم الأعلى من المستوى المستهدف مؤقتاً، ما لم تصبح توقعات التضخم متقلبة. يحدث النوع الثاني من الركود التضخمي، عندما يكون التضخم مرتفعاً بشدة، لأي سبب كان، فيستخدم البنك المركزي سياسة نقدية تقييدية ــ زيادة أسعار الفائدة، والإحكام الكمي، والتوجيه المسبق ــ لخفض التضخم.

من المعروف أن تغيرات السياسة النقدية، تؤثر في التضخم الأساسي مع فترات تأخير طويلة ومتغيرة وغير مؤكدة، في حين يميل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) والبطالة إلى الاستجابة بسرعة أكبر.

لهذا، تشير تقديرات كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لين، إلى أن تأثير السياسة النقدية في التضخم في منطقة اليورو، سيبلغ ذروته بعد خمسة أرباع من العام، بينما وجـد تحليل لعام 2013، أجراه الاقتصاديان توماس هافرانك ومارك روسناك، أن تأخر الانتقال بين صدمة أسعار الفائدة ومستوى السعر العام في الاقتصادات المتقدمة، يتراوح من ستة أرباع إلى 12 ربعاً.

إذا وضعنا في الحسبان التأخيرات الإضافية من تجميع ونشر بيانات الاقتصاد الكلي، وإدراك المشكلة، وتنفيذ التغييرات في السياسة، وما إلى ذلك، فمن المعقول أن نستنتج أن فترات الركود التضخمي، ستمتد لمدة عام إلى ثلاثة أعوام، نظراً لاستجابات السياسة النقدية التقييدية على النحو المناسب.

في السياق الحالي، من المرجح أن يستمر الركود التضخمي في الأمد القريب في البلدان المتقدمة والصين. منذ الربع الثاني من عام 2021، شهد قسم كبير من العالم تضخماً أعلى من المستوى المستهدف بشكل ملموس (أعلى كثيراً من 2 %)، وعلى الرغم من تأخر معظم البنوك المركزية في إحكام سياساتها النقدية، فإن توقعات التضخم في الأمد المتوسط والأمد البعيد (خمس سنوات وما فوق)، تظل ثابتة.

وعلى هذا، فإن التضخم الأعلى من المستوى المستهدف اليوم، يجب أن يُـخـرَج من النظام في غضون عامين من بداية تقييد السياسة النقدية، مع تجاوز سعر الفائدة الرسمي المعدل المحايد (2.5 % عادة)، وإفساح التيسير الكمي المجال للإحكام الكمي.

لنتأمل هنا الوضع الحالي في منطقة اليورو. تحدد توقعات البنك المركزي الأوروبي الصادرة في الخامس عشر من ديسمبر 2022، معدلات التضخم عند مستوى 8.4 % في عام 2022، و6.3 % في عام 2023، و3.4 % في عام 2024، و2.3 % في عام 2025. يتفق العامان الإضافيان من التضخم الأعلى من المستوى المستهدف بشكل ملموس، مع حقيقة مفادها أن معدل عمليات إعادة التمويل الرئيسة، لا يزال في المنطقة المحايدة (عند مستوى 2.5 %)، وأن الإحكام الكمي لم يبدأ بعد.

أما توقعات البنك المركزي الأوروبي لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فهي 3.4 % في عام 2022، و0.5 % في عام 2023، و1.9 % في عام 2024، و1.8 % في عام 2025، وهذا يشير ضمناً إلى أن الركود التضخمي متوقع في عام 2023 فقط.

لكن هذا قد يكون من قبيل الإفراط في التفاؤل. فمن المحتمل حدوث نوبات ركود تضخمي إضافية، مدفوعة بالصراع. ورغم أن احتمال تحول الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب نووية تكتيكية، ليس جزءاً من السيناريو الأساسي الذي استند إليه، فإنه يشكل خطراً متنامياً، من شأنه أن يعمل على تعميق وإطالة أمد الصراع، وتوسيع نطاقه، وخاصة من خلال تحفيز عقوبات اقتصادية ومالية إضافية مفتوحة المدى.

من منظور الاقتصاد الكلي، قد يرقى هذا إلى صدمة عرض سلبية أخرى، فضلاً عن قوة الركود التضخمي، الذي قد يستمر بسهولة لمدة عام أو عامين. على نحو مماثل، قد تخلف أزمة الصين وتايوان عواقب اقتصادية وخيمة على مستوى العالم.

على الرغم من عدم اليقين بشأن توقيت، وحجم، ونطاق، ومدة أي مواجهة عسكرية هناك ــ ناهيك عن مدى أي تورط عسكري أمريكي في مثل هذه المواجهة ــ يرى كثيرون الآن أن ذلك سوف يتسبب بتعطل سلاسل التوريد المهمة جهازياً بشدة.

حيث تزود تايوان العالم بحصة كبيرة من الرقائق الإلكترونية الأكثر تطوراً على الإطلاق، وتمثل شركة TSMC وحدها، ما يقرب من 50 % من الإنتاج العالمي من الرقائق الإلكترونية، التي يقل حجمها عن عشرة نانومتر.

مرة أخرى، من شأن صدمة عرض كلي سلبية من هذا القبيل، أن تؤدي إلى ارتفاع حاد في التضخم في أغلب أنحاء العالم، ومن المرجح أن تُـفضي الاضطرابات التجارية الناجمة عن ذلك، إلى الركود في الصين، والذي قد ينتشر إلى شركائها التجاريين (السابقين). وقد تستمر نوبة الركود التضخمي الناتجة عن ذلك لمدة عامين بسهولة.

في بحر عامين أو أكثر، يصبح التضخم الأعلى من المستوى المستهدف، اختياراً سياسياً. وقد تؤثر السياسة النقدية في التضخم الأساسي في الأمد المتوسط، من خلال التأثير في الطلب الكلي.

وتشكيل توقعات التضخم. ينطوي الأمر على حد أدنى فَـعّـال لسعر الفائدة الرسمي، عندما يرغب البنك المركزي في زيادة الطلب الكلي والتضخم، ولكن لا توجد قيود ملزمة مماثلة تُـفـرَض على سعر الفائدة، عندما يتعلق الأمر بخفض معدل التضخم.

صحيح أن سرعة زيادة أسعار الفائدة، وسرعة التراجع عن مشتريات الأصول، ستعكس اعتبارات تتعلق بالاستقرار المالي. لكن السلطات النقدية في أغلب الاقتصادات المتقدمة، قادرة على السيطرة على متوسط التضخم في الأمد البعيد، ولن يكون التسامح مع الركود التضخمي المزمن اختياراً وارداً.

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في سيتي بانك (Citibank) وعضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا سابقاً، وهو مستشار اقتصادي مستقل.