يانصيب البيتكوين
جيم أونيل
لندن ــ أخيراً، اقـتُـرِح عليَّ إنشاء "شركة استحواذ ذات غرض خاص"، والتي من شأنها أن تسمحَ لي بتأمين التزامات مالية من مستثمرين على توقُّع أن أتمكن في النهاية من الاستحواذ على أعمال تجارية واعدة تفضل تجنب الاكتتاب العام. عندما تصورت نفسي في هذا الدور الجديد، فكرت في أنني من الممكن أن أصبح عصريًّا بقدر مضاعف من خلال القفز أيضًا إلى مجال العملات الرقمية المشفرة المزدهر. كانت العناوين الرئيسة وفيرة حول تحقيق نجاح كبير سريع، فلماذا لا أشارك في الحدث إذًا؟
ولأنني مشارك هَـرِم في الأسواق المالية، فقد رفضت الدعوة. الواقع أنَّ الشعبية المتزايدة التي اكتسبتها شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة والعملات الرقمية المشفَّرة لا تعكس مواطن قوتها بقدر ما تعكس تجاوزات اللحظة الحالية، التي تتسم بسوق الأسهم السريعة الصعود، وأسعار الفائدة الشديدة الانخفاض، والارتفاعات المدفوعة بالسياسة بعد عام من عمليات الإغلاق بسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).
من المؤكد أنَّ سلوك طريق شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص لتحقيق عودة صحية ربما يكون منطقيًّا إلى حد كبير في بعض الأحيان. لكن حقيقة إنشاء العديد من هذه الكيانات يجب أن يثير المخاوف بشأن مخاطر تلوح في الأفق في الأسواق المحيطة.
أمّا عن ظاهرة العملات الرقمية المشفرة، فقد حاولت أن أظلَّ منفتحًا، لكن الخبير الاقتصادي داخلي يناضل في محاولة فهمها. أن أفهم بكل تأكيد الشكاوى التقليدية حول العملات الورقية الرئيسة. وطوال مسيرتي المهنية كمحلل للصرف الأجنبي، وجدت في كثير من الأحيان أنه من الأسهل كثيرًا أن يكره المرء عُـملة بعينها من أن يجد واحدة تتمتَّع بجاذبية واضحة.
ما زلت أتذكر تفكيري أثناء فترة التحضير التي سبقت إدخال عملة اليورو. كان تجميع الاقتصادات الأوروبية الفردية تحت لواء عملة مشتركة من شأنه أن يزيل مصدرًا رئيسًا لكبح السياسة النقدية ــ البنك المركزي الألماني المخيف ــ وأن يقدم مجموعة جديدة من المخاطر لسوق العملات العالمية. قادني تخوفي هذا (لفترة وجيزة) إلى المراهنة على الذهب. ولكن بحلول وقت تقديم اليورو في عام 1999، كنت أقنعت نفسي بأسباب جاذبيته وغيَّرت وجهة نظري (التي تبين أنها كانت خطأ للعامين الأولين، ولكن ليس في الأجل البعيد).
على نحو مماثل، لم أعد قادرًا على إحصاء كل الأبحاث التي كتبتها وقرأتها حول افتراض عدم استدامة ميزان المدفوعات الأميركي وانحدار الدولار الوشيك. صحيح أنَّ هذه التحذيرات (والـنُّـذُر المماثلة بشأن تجربة اليابان الطويلة الأمد في سخاء السياسة النقدية) لم تتأكد بعد. ولكن نظرًا لكل هذه الأدلة الاستقرائية، أستطيع أن أرى السبب وراء وجود كل هذا القدر من الإثارة وراء عملة البيتكوين، النسخة الحديثة من الذهب، والعديد من العملات المنافسة لها. في الأسواق النامية و"الناشئة" بشكل خاص، حيث لا يستطيع المرء في كثير من الأحيان أن يثق بالبنك المركزي أو الاستثمار في العملات الأجنبية، تصبح الفرصة لتخزين مدخراته في عملة رقميَّة جذابة بوضوح.
على ذات المنوال، كانت الحجة لصالح إنشاء عملة عالمية جديدة ــ أو ترقية الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الدولي، حقوق السحب الخاصة ــ قائمة لفترة طويلة، لتخفيف بعض التجاوزات المرتبطة بالدولار، واليورو، والين، والجنية الإسترليني، أو أيِّ عملة وطنية أخرى. من جانبها، قدَّمت الصين بالفعل عملة رقمية للبنك المركزي، على أمل إرساء الأساس لنظام نقدي عالمي جديد أكثر استقرارًا.
لكن هذه الابتكارات تختلف بشكل جوهري عن العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين. تتلخص وجهة نظر الكتب الاقتصادية الأكاديمية القياسية في أنَّ أيَّ عملة يجب أن تخدم كوسيلة للتبادل، ومخزن للقيمة، ووحدة محاسبية، لكي تتمتع بالمصداقية. من الصعب أن نرى كيف لأي عملة رقمية مشفرة أن تلبِّي جميع هذه الشروط الثلاثة طوال الوقت. صحيح أنَّ بعض العملات الرقمية المشفَّرة أظهرت قدرتها على أداء بعض هذه الوظائف في بعض الأحيان. لكن سعر البيتكوين، العملة الرقمية المشفَّرة الأساسية، شديد التقلُّب إلى الحدِّ الذي يكاد يكون من المستحيل معه تخيُّل تحوُّلها إلى مخزن جدير بالثقة للقيمة أو وسيلة للتبادل.
علاوة على ذلك، يكمن وراء هذه الوظائف الثلاث الدور المهم الذي تضطلع به السياسة النقدية. تُـعَـدُّ إدارة العملة أداة رئيسة في صنع سياسات الاقتصاد الكلي. فما الذي يجعلنا نتنازل عن هذه الوظيفة لقوة مجهولة أو قوة غير متبلورة مثل دفتر أستاذ لامركزي، وخاصة ذلك الذي يضع سقفًا للمعروض الكلي من العملة، مما يضمن بالتالي التقلُّب الدائم؟
في كلِّ الأحوال، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما يحدث للعملات الرقمية المشفّرة عندما تبدأ البنوك المركزية أخيرًا في رفع أسعار الفائدة بعد سنوات من الإبقاء على سياسات نقدية شديدة التساهل. لقد رأينا بالفعل كيف يميل سعر البيتكوين إلى الهبوط بشكل حاد خلال نوبات "العزوف عن المخاطرة"، عندما تنتقل الأسواق بشكل مفاجئ إلى الأصول الآمنة. في هذا الصدد، يُـظـهِـر السعر ذات السلوك الذي تظهره العديد من "أسهم النمو" وغيرها من الرهانات العالية المضاربة.
على سبيل تحري الشفافية، فكرت في شراء بعض البيتكوين قبل سنوات، عندما انهار سعرها من 18 ألف دولار إلى أقل من 8000 دولار، في غضون شهرين تقريبًا. وتوقَّع بعض أصدقائي أنَّ السعر قد يرتفع إلى أكثر من 50 ألف دولار في غضون عامين ــ وهذا ما حدث بالفعل.
في النهاية، قررت عدم الشراء، لأنني خُـضت بالفعل قدرًا كبيرًا من المجازفة بالاستثمار في شركات المراحل المبكرة التي خدمت على الأقل غرضًا واضحًا ما. ولكن حتى لو راهنت على البيتكوين، فإنني كنت لأفهم أنه مجرد رهان مضارب، وليس رهانًا على مستقبل النظام النقدي.
بطبيعة الحال، تؤتي رهانات المضاربة ثمارها في بعض الأحيان، وأنا أهنئ أولئك الذين كدسوا البيتكوين في وقت مبكر. لكني أقدم إليهم ذات النصيحة التي قد أقدمها لفائز باليانصيب: لا تدع ثروتك غير المتوقعة تستحوذ على رأسك.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
جيم أونيل رئيس جولدمان ساكس لإدارة الأصول سابقًا، ووزير خزانة المملكة المتحدة الأسبق، ويشغل حاليًّا منصب رئيس تشاثام هاوس.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org