Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الحجة لصالح فرض عقوبات أقوى على روسيا

أندرس أسلوند

ستوكهولم ــ تُـرى من يعتقد أنَّ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا كانت غير فَـعّـالة وغير مبررة؟ يروج الكرملين لهذه الرسالة بكل تأكيد، لكنه سرعان ما يناقض نفسه عندما يدعو إلى إنهاء العقوبات. نسمع أيضًا حججًا مماثلة من المصرفيين الاستثماريين الذين يبيعون السندات الروسية. من الواضح أنهم سيستفيدون من رفع العقوبات التي سحقت الاستثمار المباشر الأجنبي في روسيا. بخلاف هاتين المجموعتين، لن نجد من يعارض العقوبات الحالية سوى الساسة والأكاديميين السلطويين الذين يأملون في الفوز بالحظوة عند الكرملين.

على أية حال، الحجة ضد العقوبات غير مقنعة على الإطلاق. في عام 2014، ضمَّت روسيا شبه جزيرة القرم وشنت هجوما عسكريًّا (غير رسمي) في شرق أوكرانيا. لم يكن بوسع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يتخذا موقفًا سلبيًّا في مواجهة هذه الانتهاكات الصارخة للاتفاقيات الدولية، وعلى هذا فقد جاءت استجابتهما معقولة. نتيجة للعقوبات المالية الشديدة، أوقف الكرملين الهجوم بعد أن استولى على 3% فقط من أراضي أقصى شرق أوكرانيا، وهي مساحة أقل كثيرًا من تلك التي تصورها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في السابع عشر من إبريل/نيسان 2014، عندما دعا إلى الاستيلاء على جنوب شرق أوكرانيا لإعادة تأسيس "نوفوروسيا".

الواقع أنَّ العقوبات خلفت الأثر الاقتصادي المقصود. ففي حين سجل الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا الوسطى والشرقية نموًّا تراوح من 3% إلى 5% سنويًّا منذ عام 2014، كان الناتج المحلي الإجمالي في روسيا راكدًا. يلقي الكرملين باللائمة في ذلك على أسعار النفط المنخفضة؛ ولكن على الرغم من ارتفاع أسعار النفط والغاز، لا يزال اقتصاد روسيا كاسدًا. وبين بلدان الاتحاد الأوروبي، كان نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في بلغاريا فقط أقل من نظيره في روسيا اليوم.

كلما اضطر بوتن إلى التحدث عن الاقتصاد في روسيا، فإنه يتباهى بفائض الحساب الجاري، والميزانية شبه المتوازنة، والحد الأدنى من الدين العام، والاحتياطيات الضخمة من العملات الدولية. لكن كل هذا لم يتحقق إلا من خلال سياسات التقشف المتطرفة. في حين ساعد برنامج بوتن الاقتصادي على تمكينه من الحفاظ على قدرته على التصرف بقوة وعدوانية حتى في ظل العقوبات الغربية، فإنه تسبب في إفقار الأسر الروسية، مما أدى إلى تقلص الدخل الحقيقي المتاح (المعدل تبعًا للتضخم) بنحو 11% خلال الفترة من 2013 إلى 2020.

كانت العقوبات المالية الغربية هي التي أجبرت روسيا على تشديد القيود على الإنفاق من خلال سداد جزء كبير من ديونها الخارجية. انخفض إجمالي الدين الخارجي من 729 مليار دولار في نهاية عام 2013 إلى 470 مليار دولار في نهاية 2020، في حين زادت اقتصادات ناشئة أكثر نجاحًا ديونها الخارجية، وبالتالي الاستثمارات، بنسبة 30%.

في عام 2015، قَـدَّرَ صندوق النقد الدولي تكلفة العقوبات الغربية التي تكبدتها روسيا بنحو 1% إلى 1،5% من نمو الناتج المحلي الإجمالي كل عام ما دامت سارية. وفي بحث حديث، حددت أنا وماريا سنجوفايا من جامعة جورج واشنطن التكاليف الحقيقية المترتبة على العقوبات على أنها كانت 2.5% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًّا منذ عام 2014. ويعكس الفارق هنا التكاليف الإضافية المصاحبة لكراهية بوتن للأجانب وبرنامج التقشُّف الذي فرضه، والذي أدى إلى تقليص رأس المال المتاح، وخفض الاستثمار المباشر الأجنبي، وسياسة نقدية أكثر صرامة، وغياب الحافز المالي.

من اللافت للنظر أنَّ بوتن لا يبدو حتى إنه يبالي بالركود في بلاده. في "أمر تنفيذي صادر في يوليو/تموز 2020 بشأن أهداف التنمية الوطنية في روسيا حتى عام 2030"، تعهد بوتن "بضمان النمو المضطرد في دخل الأسر وأصحاب المعاشات بما لا يقل عن معدل التضخم"، مما يعني ضمنًا استمرار عدم تحقيق نمو حقيقي على الإطلاق.

منذ عودته إلى الرئاسة في عام 2012، أغلق بوتن باب كل المناقشات حول الإصلاح الاقتصادي. وبدلًا من ذلك، عمل على دفع نظام حكم اللصوص الذي يترأسه إلى مستوى الكمال، فركز ثروة البلد في أيدي أصدقائه الأثرياء والأجهزة الأمنية، في حين أزال أيَّ قدر متبقٍّ من سيادة القانون.

كانت أكثر شكاوى بوتن صخبًا بشأن العقوبات نيابة عن أقرب أصدقائه ومحاسيبه. في عام 2014، بعد أن فرضت الولايات المتحدة العقوبات على أصحاب المليارات في سانت بطرسبرج، يوري كوفالتشوك، وأركادي وبوريس روتنبرج، وجينادي تيمشينكو، انبرى بوتن إلى الدفاع عنهم علنًا في خمس مناسبات على الأقل في غضون عام واحد. حتى إنه ساق الحجج، وهو أمر غير معهود منه، على أساس إنساني: "خضعت زوجة السيد تيمشينكو لعملية جراحية خطيرة ولم تتمكَّن من دفع تكاليفها بسبب تجميد حسابها المصرفي وبطاقات الائتمان. وهذا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان".

من الواضح أنَّ الغرب ينبغي له أن يركز عقوباته على النخب الروسية. عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سبعة من أنصار حكم الـقِـلة المقربين من بوتن في إبريل/نيسان 2018، سجلت البورصة الروسية انخفاضًا شديدًا بنسبة 11% في يوم واحد. ومع ذلك لم تتابع الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي هذه الدروس الواضحة من السنوات السبع الأخيرة.

في يناير/كانون الثاني، كتب فلاديمير أشوركوف، المدير التنفيذي لمؤسسة مكافحة الفساد التي أنشأها زعيم المعارضة السجين أليكسي نافالني، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن تضمنت قائمة بأسماء 35 من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الروس الذين يجب أن يُـعاقبوا. ولكن لم تتحرَّك الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ضد أيٍّ منهم.

في غضون ذلك، كان بوتن يصعد حربه غير المتكافئة ضد الغرب. وكان متمسكًا بتقنيات هجينة ــ الهجمات السيبرانية، والتسميم، والاغتيالات، واختطاف الرهائن، والفساد ــ لا تكلف الكثير ولن تستفز استجابة كاملة. في مواجهة هذا العدوان، يتعيَّن على الغرب أن يتصدى له بأسلوب غير متكافئ من اختياره. ففي ظل ناتج محلي إجمالي مجمع بلغ 48 تريليون دولار في عام 2020 مقابل ناتج محلي إجمالي روسي لا يتجاوز 1.5 تريليون دولار، تكمن ميزة الغرب النسبية بوضوح في العقوبات الاقتصادية والمالية.

يمتلك المواطنون الروس، بما في ذلك نخبة الكرملين، نحو تريليون دولار من أموال خارجية أُخـفيت هوية أصحابها في الغرب. ولأنَّ هذه الثروات من الممكن أن تخلف تأثيرًا مفسدًا على السياسة الغربية، فإنَّ الأمر يتطلب تشريع جديد لضمان الشفافية للكشف عن هذه الأموال. الواقع أنَّ استئناف أميركا التعاون مع حلفائها في عهد بايدن يجب أن يكون موضع ترحيب. ولكن الآن، يتعين على الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وكندا، تصعيد عقوباتها المفروضة على روسيا. بالحكم على الأمر من خلال مقال بوتن الأخير الذي أنكر فيه أنَّ الأوكرانيين شعب حقيقي، بوسعنا أن ننتظر أسوأ السلوكيات من الكرملين بكل تأكيد.

يتعيَّن على الغرب أن يقف موحدًا ضد حرب بوتن الهجين من خلال فرض المزيد من العقوبات المالية التي تستهدف الـقِـلة في الكرملين وأُسَـرِهم. الحق أنَّ العقوبات تؤتي ثمارها، وهي بديل أكثر إنسانية للحرب.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

أندرس أسلوند كبير زملاء منتدى ستوكهولم للعالم الحر، وهو مؤلف كتاب "رأسمالية المحسوبية في روسيا: الطريق من اقتصاد السوق إلى نظام حكم اللصوص".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org