Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

البنك المركزي الأوروبي وتفويضه السري الجديد

ملفين كراوس

ستانفورد ــ خضعت السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي لتغير غريب خلال فترة الجائحة. ويبدو أنَّ شيئاً آخر بخلاف الهدف المتمثل في استقرار الأسعار هو الذي يوجه النهج العام للبنك، مما يشير إلى أنه تبنى تفويضاً جديداً دون التصريح به علنا.

منذ اندلعت أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، نجح البنك المركزي الأوروبي في إغلاق الفجوة في تكاليف الاقتراض بين البلدان الأعضاء في الشمال والجنوب، مما أدى إلى انخفاض الفوارق في العائدات بين الشمال والجنوب في منطقة اليورو إلى أدنى مستوياتها تاريخياً. وفي حين تواجه أوروبا تهديدات متعددة لوحدتها ــ من إدارة دونالد ترامب والكرملين صاحب النزعة الانتقامية في عهد فلاديمير بوتن إلى الصين المتزايدة العدوانية والشعبويين في الداخل ــ تبنى صنّاع السياسات فعلياً "تضييق الفوارق" تفويضاً جديداً.

يبدو أن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد وزملاءها يدركون أن ضمان الوحدة الأوروبية والتضامن الأوروبي هو الهدف الأكثر أهمية الذي قد تلاحقه مؤسسة مثل البنك المركزي الأوروبي في هذه اللحظة الحرجة. ورغم أنه من غير المرجح أن يعترف أحد في البنك بذلك، فليس هناك من شك في أنهم يعملون الآن على الإبقاء على الفوارق منخفضة.

بشراء كميات هائلة من سندات البلدان الأعضاء الواقعة على الأطراف من خلال سياسة التيسير الكمي وبرنامج مشتريات الطوارئ أثناء الجائحة، دفع البنك المركزي الأوروبي الطلب إلى الارتفاع على السندات الأكثر خطورة في السوق. ونتيجة لهذا، انخفضت عائدات السندات السيادية لعشر سنوات التي تصدرها البرتغال وإسبانيا إلى ما دون الصِّـفر، كما انخفضت عائدات السندات الإيطالية إلى أدنى مستوياتها في عشر سنوات.

صادف فريق قيادة لاجارد نجاحاً أكبر كثيراً في إغلاق الفجوة في فوارق الأسعار بين الشمال والجنوب مقارنة بنجاحه في تلبية تفويض البنك المركزي الأوروبي بشأن استقرار الأسعار عند مستوى للتضخم السنوي أقل من 2% لكنه قريب منه. وربما يعكس هذا إدراك مجلس إدارة البنك المركزي لحقيقة مفادها أنَّ هدف التضخم لا يمكن تحقيقه في غياب المزيد من الحوافز المالية.

بطبيعة الحال، حتى لو تبنى البنك المركزي الأوروبي موقف "ما الجدوى من هذا؟" في التعامل مع هدف التضخم، فإنَّ هذا لا يفسر رفضه المستمر لخفض سعر الخصم حتى في مواجهة واحدة من أكبر الصدمات للنشاط الاقتصادي في الذاكرة الحية. في آخر اجتماع لمجلس المحافظين، رفض خفض سعر الخصم من 0.5% سلباً، فخلق بالتالي تأثيراً تمثل في زيادة هَـدَّامة في السعر. في الإجمال، دفع هذا النهج اليورو إلى أعلى مستوياته منذ عام 2018، وأدى إلى انخفاض التضخم في منطقة اليورو إلى مستويات أبعد عن هدف البنك المركزي الأوروبي في ما يعد الآن رابع شهر على التوالي من انخفاض الأسعار.

السبب غير المعلن لهذه الاستراتيجية واضح وضوح النهار: إذ يركز البنك المركزي الأوروبي على تحسين الظروف لصالح البنوك في البلدان الواقعة على أطراف منطقة اليورو ويعتقد أنَّ خفض سعر الخصم من شأنه أن يُـفضي إلى تفاقم المشكلات التي تواجهها هذه البنوك. على الرغم من التحسينات الملحوظة في صحتها المالية، لا تزال البنوك في بلدان الأطراف قلقة للغاية بشأن تداعيات الأزمة الحالية. لكن هذه المشكلة يجب أن تحل نفسها مع تعافي اقتصادات الجنوب.

في الوقت الحالي إذاً، تأتي الاستجابة الحكيمة لإهمال البنك المركزي الأوروبي لتفويض التضخم كالتالي: "من يبالي؟" إن تضييق الفوارق في العائد بين الشمال والجنوب أكثر أهمية بأشواط لضمان بقاء أوروبا وازدهارها في المستقبل من بضع علامات على مؤشر الأسعار.

في النهاية، ما علينا إلا أن ننظر إلى النتائج. إنَّ التفويض الجديد الذي لا يجرؤ على التصريح باسمه منع اليورو من الانهيار نتيجة للجائحة ــ وهو احتمال كان يخشاه كثيرون في وقت مبكر. لقد وضع منطقة اليورو على أرضية صلبة، مما أدى إلى تعميق التكامل والتضامن المالي في أوروبا (الأمر الذي جعل سندات البلدان الأعضاء الأكثر ضعفاً جذابة على نحو متزايد في نظر المستثمرين الدوليين) في الوقت المناسب تماماً في مواجهة الموجة الثانية من الإصابات بعدوى المرض.

ربما كانت سياسات تضييق الفوارق هي الإجراء الأكثر أهمية الذي اتخذ في اجتماع مجلس المحافظين في الأسبوع المنصرم، عندما أطلق جولة جديدة من التحفيز، ووعد بشراء سندات إضافية بقيمة 500 مليار يورو (608 مليارات دولار أميركي) من خلال توسيع برنامج مشتريات الطوارئ أثناء الجائحة من 1.35 تريليون يورو إلى 1.85 تريليون يورو. في ذات الوقت، حيث يحول البنك المركزي الأوروبي تركيزه بعيداً عن هدف التضخم، فإنه يعمل وفقاً لغرض ثابت عندما يتعلق الأمر باستقرار الفوارق.

كان الدور الذي لعبته كريستين لاجارد في الاتجاه الجديد الذي تبناه البنك المركزي الأوروبي غامضاً إلى حد ما. ففي مارس/آذار، أشارت في مؤتمر صحافي عقده البنك المركزي الأوروبي إلى أن البنك ليس من مهامه تضييق الفجوة في تكاليف الاقتراض بين اقتصادات منطقة اليورو الأقوى والأضعف. لكن هذا التعليق أثار عمليات بيع بأسعار بخسة في أسواق السندات، مما اضطر كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي فيليب لين إلى الاتصال هاتفياً بمؤسسات مالية رائدة لضمان عدم وجود سوء فهم حول سياسة البنك المركزي الأوروبي.

من جانبها، أصبح موقف لاجارد الآن مختلف تمام الاختلاف عن الموقف الذي أعربت عنه في وقت سابق من هذا العام. الواقع أنها تبدو أقل شبها بذاتها في مارس/آذار، وأكثر شبها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دأب على اعتبار دعم البلدان الطرفية والتكامل بين الشمال والجنوب مسألة شديدة الأهمية.

أيا كان موقفها الأولي، فقد تعافت لاجارد سريعا وأصبحت الزعيمة التي يحتاج إليها البنك المركزي الأوروبي. ربما تكون بصمات ماكرون أو لا تكون ظاهرة في مختلف جوانب الاستراتيجية الجديدة لتضييق الفوارق بحكم الأمر الواقع، لكن التكنوقراط الذي يعانون من قِـصَـر النظر لم يعد بوسعهم السيطرة بشكل قصري على عملية صنع السياسات في البنك المركزي الأوروبي. وأصبح للساسة من ذوي الفهم العميق لما تحتاج إليه أوروبا تأثير ملموس، والنتائج الإجمالية أكثر من مُـرضية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

ملفين كراوس كبير زملاء مؤسسة هوفر في جامعة ستانفورد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org