أجندة مجموعة العشرين في التعامل مع الجائحة
جيفري فرانكل
كمبريدج ــ يبذل وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية والقادة السياسيون قصارى جهدهم في التحضير لقمة رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين للعام 2021 التي تستضيفها روما في الثلاثين والحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الثاني. ومع امتداد جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) إلى عامها الثاني، يأتي الاجتماع في وقت يتسم بتفاقم حالة عدم اليقين بشأن الصحة العامة والاقتصاد العالمي. ورغم أنَّ آليات التعاون الدولي أُضـعِـفَـت بفعل الجائحة ولا تزال تئن تحت وطأة إرث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإنها أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.
إنَّ "التعاون" لا يستلزم بالضرورة تنسيق السياسات النقدية والمالية الوطنية على المستوى الدولي. في القسم الأعظم من الأمر، تستطيع البلدان بمفردها تحريك هذه الروافع في أيِّ اتجاه يناسبها. وبدلًا من ذلك، ينبغي لمجموعة العشرين أن تركِّز على الاستقرار المالي، والتجارة، والتطعيم. هذا إضافة إلى مجالات أخرى مهمة، وخاصة القضية الوجودية المتمثلة في تغير المناخ العالمي، التي ينبغي لها أن تحظى بقدر كبير من الاهتمام.
على مدار عام 2020، استجابت معظم البلدان للأزمة الصحية والركود الاقتصادي بالإنفاق الحكومي. لكن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية لا تستطيع تمويل العجز بذات القدر من السهولة الملحوظة في حالة أوروبا والولايات المتحدة (في ظل "الامتياز الباهظ" الذي المتمثل في هيمنة الدولار العالمية). لحسن الحظ، تمكَّنت العديد من هذه البلدان من تلبية الحاجة الماسة إلى زيادة الإنفاق دون الاضطرار إلى دفع أسعار فائدة شديدة الارتفاع، نظرًا للتحفيز النقدي القوي الذي يقدمه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وغيره من البنوك المركزية الرئيسة. وقد انقلبت في الاتجاه الآخر الانخفاضات الأولية التي طرأت على قيمة عملات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وأسعار الأوراق المالية والسلع في مارس/آذار 2020 بعد التيسير من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.
الآن نحن في أغسطس/آب 2021، ويجب على كل دولة أن تتعامل مع نسب أعلى من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. عند مرحلة ما، سيشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نهاية التيسير النقدي وزيادة مقبلة في أسعار الفائدة. كلما حدث هذا، انسحب المستثمرون من الأصول الخطرة وفقدوا حماسهم تجاه الأسواق الناشئة والاقتصادات الناشئة. وفجأة، قد يجد المدينون في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أنفسهم في مواجهة أزمات مالية محتملة، كتلك التي حدثت في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين (أو على نطاق أضيق، مثل "نوبة غضب الخفض التدريجي" في عام 2013، عندما أشعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي شرارة هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من خلال الإيحاء بأنه يعتزم بدء خفض مشترياته من الأصول قريبًا).
بقبول احتمال وجود عنصر الفقاعة في أسعار الأصول الخطرة المرتفعة اليوم، يبدو الوضع المالي هشًّا بشكل خاص. يقول بعض المراقبين إنَّ الأسواق الشديدة الارتفاع تعكس الأسس الاقتصادية؛ على سبيل المثال، يُـقال إنَّ ارتفاع نسب الأسعار إلى الأرباح في أسواق الأوراق المالية الأميركية تبرره وعود التحوُّل الرقمي وغير ذلك من الإبداعات التكنولوجية المعززة للإنتاجية. لكني أودُّ أن أشير إلى الارتفاع المفاجئ لبعض الإبداعات المالية التي لا تعزز الإنتاجية. لنتأمل هنا إنشاء 6000 عملة رقمية مشفرة، وصعود الأسهم الـمُـبالَغ في تقدير قيمتها، وشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، والرموز المميزة غير القابلة للاستبدال.
في كل الأحوال، تستطيع مجموعة العشرين أن تساعد على الحد من أرجحية وشدة أزمة ديون محتملة في الأسواق الناشئة. كانت مبادرة تعليق خدمة الديون التي أطلقتها أثناء الجائحة خطوة أولى جيدة، لكنها أدَّت فقط إلى تأجيل السداد، لفئة واحدة فقط من الدائنين الدوليين: الحكومات. من المعترف به على نطاق واسع أنَّ الفقرات الخاصة بإمكانية إعادة هيكلة الديون يجب أن تمتد إل الحالات حيث ينتمي الدائنون الدوليون إلى مؤسَّسات مالية خاصة (أو حيث يدّعي مقرضون صينيون تدعمهم الدولة الصينية أنهم ينتمون إلى القطاع الخاص). تتمثَّل خطوة إيجابية ثانية في موافقة أعضاء صندوق النقد الدولي هذا الشهر على تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة.
تأتي كل من المبادرتين في الوقت المناسب للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. في وقت مبكر، بدا الأمر وكأن تأثير الجائحة سيكون أكثر حدة في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بتأثيرها في العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، باستثناء أميركا الجنوبية. لكن البلدان الغنية حظيت منذ ذلك الحين بانتعاش اقتصادي قوي إلى حد غير عادي، بدعم من حوافز الاقتصاد الكلي واللقاحات. في الوقت ذاته، تخلف "النصف الآخر" عن الركب. في أحدث توقعاته العالمية (يوليو/تموز 2021)، تنبأ صندوق النقد الدولي باستمرار النمو القوي في الاقتصادات المتقدمة، لكنه خفض من توقعاته للنمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة. والآن، يرتد الملايين من الناس في البلدان النامية مرة أخرى إلى براثن الفقر المدقع.
هذا التباين الاقتصادي لافت للنظر بشكل خاص لأنه يأتي في أعقاب تقارب عالمي. في المتوسط، كانت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تنمو بوتيرة أسرع كثيرًا من الاقتصادات المتقدمة منذ مطلع القرن الحالي وحتى عام 2014، عندما بدأ النمو الصيني يتباطأ وانخفضت أسعار السلع الأساسية بالدولار. وبين التفسيرات العديدة لفترة اللحاق بالركب هذه أنَّ التجارة العالمية ازدادت بنحو ضعف سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العقود التي سبقت الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ولكن منذ عام 2009، ظلَّ اتجاه نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي ثابتًا.
بقدر ما قد يبدو هذا الرأي غير مواكب للعصر، فإنَّ الموقف اليوم يستدعي تحرير التجارة على الطراز القديم. ينبغي لكل من الولايات المتحدة والصين أن تتراجع عن حواجز الحماية التي نصبتها على مدار السنوات الأربع الأخيرة. وتُـعَـدُّ التجارة في المنتجات المفيدة بيئيًّا مثل المعدات المستخدمة لإنتاج طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية بين القطاعات الجاهزة للتحرير بشكل خاص. ينبغي لأعضاء مجموعة العشرين أن يعملوا مع منظمة التجارة العالمية لإنشاء قواعد دولية جديدة لتوجيه ضرائب تعديل حدود الكربون، بحيث يصبح من الممكن استخدامها دون أن يُـساء استخدامها.
ينبغي لمجموعة العشرين أن تعمل أيضًا مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمتابعة التقدم المثير مؤخرا نحو وضع إطار عالمي لضرائب الشركات. في المقام الأول من الأهمية، يتعين على الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغنية أن تعمل على تخصيص المزيد من حزم الإنفاق الهائلة لديها لإتاحة لقاحات كوفيد-19 للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. من المضحك أن تطارد الولايات المتحدة المتشككين في لقاحها دون أن تبذل المزيد من الجهد في ذات الوقت لجلب فوائد هذه المعجزة العلمية إلى بقية العالم.
اقترح روتشير أجارول وجيتا جوبيناث من صندوق النقد الدولي وضع خطة عمل لإنتاج المزيد من اللقاحات وتوزيعها. حتى الشخص الذي يعاني من حساسية ضد الإيثار يجب أن يشجع برامج التطعيم في أجزاء أخرى من العالم. فما دام فيروس كورونا ينتشر على نطاق واسع في أي مكان، فإنه يشكل تهديدًا لكل مكان. لقد أصبحت المخاطر المحيطة بالاتكالية الدولية المتبادلة أعظم من أي وقت مضى.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org