مجموعة العشرين والفرصة الضائعة

شمشاد اختر، أولريك فولز، موريتز كريمر، ستيفاني جريفيث جونز

إسلام أباد ــ وافق وزراء مالية مجموعة العشرين هذا الشهر على اقتراح بإصدار ما قيمته 650 مليار دولار من أصول صندوق النقد الدولي الاحتياطية، حقوق السحب الخاصة، فضلًا عن وقف اختياري إضافي لمدة ستة أشهر لسداد أقساط الديون المستحقة على 73 دولة نامية. ولكن في حين يمثِّل هذا الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح، فقد أهدرت مجموعة العشرين الفرصة لمعالجة أزمة الديون التي تلوح في أفق الجنوب العالمي بوضوح. كان من الواجب أن نتعلَّم من أزمات الديون السابقة أنَّ القيام بأقل القليل بعد فوات الأوان من شأنه أن يؤخِّر التعافي وأن يدفع تكاليف إعادة هيكلة الديون إلى الارتفاع على المدينين والدائنين على حد سواء. لا يزال العالم عرضة لخطر تكرار الأخطاء التي أفضت إلى عقدين ضائعين من التنمية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

حتى قبل اندلاع الجائحة، كان الجنوب العالمي يتجه نحو أزمة ديون، ولكن الآن تدهور الوضع بدرجة خطيرة. يُـحـسَـب لمجموعة العشرين أنها سارعت إلى الاستجابة في إبريل/نيسان من عام 2020، عندما وافقت على مبادرة تعليق خدمة الديون. ولكن بينما أعطت مبادرة تعليق خدمة الديون نحو 43 دولة مساحة لالتقاط الأنفاس من خلال السماح لها بتأجيل السداد للدائنين من القطاع العام، فإنها لم تغيِّر صافي القيمة الحالية لديون هذه البلدان.

وعلى هذا فقد جرى استكمال مبادرة تعليق خدمة الديون بالاستعانة بإطار مشترك لمعالجات الدين، والذي يسمح لثلاث وسبعين دولة منخفضة الدخل مؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق خدمة الديون بطلب إعادة هيكلة ديونها. بيد أنَّ هذه أيضًا كانت خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها لم تكن كافية لتحقيق الغرض.

بادئ ذي بدء، ينطبق الإطار الجديد على البلدان المنخفضة الدخل فقط. والعديد من هذه البلدان تحتاج إلى الإغاثة حقًّا، لكن هذه أيضًا حال البلدان المتوسطة الدخل المثقلة بالديون والتي تضررت بشدة بسبب الجائحة. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنَّ 80% من أصل 124 مليون شخص دُفِـع بهم إلى الفقر المدقع في عام 2020 يعيشون في بلدان متوسطة الدخل.

علاوة على ذلك، يتعامل الإطار مع مشكلات الديون في البلدان على أساس كل حالة على حِـدة، فيفشل بالتالي في معالجة مشكلة الوصم الدائم لأي بلد يستفيد من التخفيف. بصرف النظر عن حقيقة مفادها أنَّ العديد من البلدان النامية خسرت فعليًّا إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال، فإنَّ البلدان التي لا تزال قادرة على تمويل ذاتها من خلال السندات الدولية تواجه مخاطر متزايدة. تحسبًا لظروف ائتمانية أكثر قسوة، أصاب الضعف اقتصادات الأسواق الناشئة في مختلف قطاعاتها منذ بداية هذا العام. وكانت البلدان النامية تمثل 95% من كل تخفيضات التصنيف من قِـبَـل وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الرائدة منذ بداية الجائحة.

أخيرًا، يفتقر الإطار إلى التزام الدائنين والبلدان المدينة على حد سواء بالمواءمة بين الحيز المالي الجديد والأهداف المناخية المتفق عليها عالميًّا. ولا يخلو الأمر من أدلة تجريبية وافرة تثبت أنَّ البلدان المعرضة لمخاطر المناخ تميل إلى دفع تكلفة أعلى لديونها العامة، وأنَّ تغيُّر المناخ يزيد من المخاطر السيادية. والبلدان التي لا تستطيع الاستثمار في تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ وفي التنمية ستكون قدرتها على تحمُّل الديون أقل في المستقبل.

حتى بدون احتساب المخاطر الإضافية المترتبة على تغيُّر المناخ التي تواجه البلدان المنخفضة الدخل، يشير تحليل صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أنَّ أكثر من نصف البلدان التي قيمها الصندوق، حتى نهاية فبراير/شباط 2021، كانت مهددة بالفعل بمخاطر ضائقة الدين أو عُـرضة لها. وما يزيد الطين بلة أنَّ العديد من البلدان النامية تشهد استمرار صافي تدفقات رأس المال إلى الخارج، كما تُـسـتَـخـدَم أموال المساعدات لمكافحة الجائحة والتي تقدمها المنظمات الدولية لسداد ديون مستحقة لدائنين من القطاع الخاص.

نظرًا لهذه المشكلات، يحتاج الإطار إلى إصلاح عاجل للسماح بتخفيف الديون الشامل الموجه نحو التعافي الشامل الأخضر. لتحقيق هذه الغاية، نقترح التعديلات التالية.

أولًا، بدلًا من انتظار تقدم البلدان بطلبات لتخفيف عبء الديون بشكل فردي، ينبغي للإطار أن يدرك أنَّ الأزمة الجهازية تتطلَّب حلًّا جهازيًّا. وينبغي لمجموعة العشرين أن تشجِّع جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تعدُّ ديونها غير مستدامة على المشاركة في إعادة هيكلة الديون. وفي تقييم أعباء الديون، يجب أن يشمل التحليل مخاطر المناخ وغير ذلك من المخاطر التي تهدد الاستدامة فضلًا عن تقدير احتياجات التمويل للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته.

على ذات القدر من الأهمية، يجب أن تلتزم الحكومات التي تتلقّى إعفاءات الدين بالإصلاحات التي من شأنها أن تجعل سياساتها وميزانياتها متوائمة مع أجندة 2030 للتنمية المستدامة واتفاقية باريس للمناخ. كما يجب توجيه جزء من المدفوعات التي أعيدت هيكلتها إلى صندوق للتعافي الأخضر الشامل الذي ستستخدمه الحكومات للاستثمار في الإنفاق المتوافق مع أهداف التنمية المستدامة.

علاوة على ذلك، يجب أن يضمَّ الإطار حوافز كافية لضمان مشاركة الدائنين من القطاع الخاص وتحملهم لنصيب عادل من العبء. وإذا أكد تحليل القدرة على تحمل الديون أنَّ الدين السيادي المستحق على بلد ما يشكل مصدر قلق كبير، فينبغي لصندوق النقد الدولي أن يجعل برامجه مشروطة بعملية إعادة هيكلة تشمل الدائنين من القطاع الخاص.

هنا، من شأن تعزيزات الائتمان على طريقة برادي للسندات الجديدة التي سيجري مبادلتها بالديون القديمة أن تعمل على تسهيل مفاوضات إعادة الهيكلة. لتحقيق هذه الغاية، نقترح إنشاء مرفق ضمان للتعافي الأخضر والشامل يديره بنك إنمائي متعدد الأطراف. وفي حالة التخلف عن سداد مدفوعات السندات الجديدة، يُـفـرَجَ عن الضمانات لصالح الدائنين من القطاع الخاص، وسيكون لزامًا على الجهة السيادية سداد الدفعة المتخلف عن سدادها لمرفق الضمان.

إنَّ تأخير عملية إعادة هيكلة الديون الحتمية من شأنه أن يجعل البلدان المثقلة بالديون وسكانها في حال أسوأ. وسوف تفشل الحكومات في حماية سكانها خلال هذه الأزمة الصحية والاجتماعية الرهيبة، ولن تكون قادرة على الاستثمار في حماية اقتصاداتها من تغير المناخ. ولكن لا يزال في الوقت متسع لتكثيف جهود مجموعة العشرين وتزويد كل البلدان بالفرصة لملاحقة التعافي الأخضر والشامل القادر على الصمود.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

شمشاد اختر شغلت منصب محافِظ بنك باكستان المركزي سابقًا، وتشغل حاليًّا منصب رئيس مجلس إدارة شركة كرنداز باكستان. أولريك فولز مدير مركز التمويل المستدام التابع لمعهد SOAS في جامعة لندن، ومُـحاضِر الاقتصاد في معهد SOAS في جامعة لندن، وكبير زملاء الأبحاث في معهد التنمية الألماني. موريتز كريمر كبير مستشاري الاقتصاد لشركة استشارات المخاطر أكريديتوس، وكبير مسؤولي التصنيف السيادي في ستاندرد آند بورز سابقًا. ستيفاني جريفيث جونز زميل فخري في معهد دراسات التنمية في جامعة ساسكس، وتشغل منصب مدير الأسواق المالية في مبادرة حوار السياسات في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org