الركود العالمي وتهديده المتزايد الخطورة
كينيث روجوف
كمبريدج ــ تُـرى هل يندفع الاقتصاد العالمي نحو عاصفة كاملة، حيث تنزلق كل من أوروبا والصين والولايات المتحدة إلى حالة من الركود في توقيت واحد في وقت لاحق من هذا العام؟ الواقع أنَّ مخاطر حدوث ركود عالمي ثلاثي تتعاظم بمرور كل يوم.
يكاد الركود في أوروبا يكون حتميًّا إذا تصاعدت الحرب في أوكرانيا، وإذا تراجعت أخيرًا ألمانيا، التي كانت تقاوم بشراسة الدعوات المطالبة بوقف استيراد النفط والغاز من روسيا. وتجد الصين صعوبة متزايدة في الحفاظ على النمو الإيجابي في مواجهة عمليات الإغلاق القاسية المرتبطة بجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، التي تسبَّبت بالفعل في توقُّف شنغهاي تمامًا وتهدد بكين الآن. الواقع أنَّ الاقتصاد الصيني ربما يكون في حالة ركود بالفعل. ومع ارتفاع أسعار المستهلك في الولايات المتحدة حاليًّا بأسرع معدل لها منذ 40 عاما، تبدو احتمالات الهبوط الناعم للأسعار دون إلحاق ضرر كبير بالنمو بعيدة على نحو متزايد.
في الآونة الأخيرة، بدأت التوقعات الاقتصادية الخاصة والرسمية تسلِّط الضوء على المخاطر الإقليمية المتنامية، لكنها ربما تستهين بمدى تسبب كل من هذه المخاطر في تعاظم الأخرى. على سبيل المثال، ستؤدي عمليات الإغلاق الواسعة النطاق في الصين إلى إحداث فوضى عارمة في سلاسل التوريد العالمية في الأمد القريب، مما يؤدي إلى زيادة التضخُّم في الولايات المتحدة وانخفاض الطلب في أوروبا. بطبيعة الحال، من الممكن أن يخفِّف انخفاض أسعار السلع الأساسية من هذه المشكلات. ولكن مع غياب أي نهاية واضحة في الأفق للحرب في أوكرانيا، فمن المرجَّح أن تظل أسعار الغذاء والطاقة العالمية مرتفعة في أي سيناريو محتمل.
الواقع أنَّ الركود في الولايات المتحدة من شأنه أن يحد من الطلب العالمي على الواردات ويفجِّر حالة من الفوضى في الأسواق المالية، وخاصة إذا كان ناجمًا عن دورة من زيادة أسعار الفائدة من قِـبَـل بنك الاحتياطي الفيدرالي. ورغم أنَّ الركود في أوروبا ينتشر عادة على مستوى العالم من خلال انخفاض الطلب في الأساس، فإنَّ التباطؤ الذي تستحثه الحرب قد يهزُّ بشكل جذري ثقة الأعمال والأسواق المالية في مختلف أنحاء العالم.
ولكن ما مدى احتمالية وقوع كل من هذه الأحداث؟ كان مسار النمو في الصين في تباطؤ منذ فترة طويلة، مع تجنُّب الركود الحاد بسبب مزيج من الحظ وإدارة الاقتصاد الكلي بشكل مقتدر في الأغلب الأعم. لكن أي قدر من الإشراف الدقيق على الاقتصاد الكلي لن يكون كافيًا لإنقاذ الموقف إذا اتخذت القيادات الصينية القرار الخطأ بشأن كوفيد-19.
خرجت معظم الدول الآسيوية الآن من استراتيجيات "كوفيد-19 صِـفر" وتنتقل إلى أنظمة تدير مسألة كوفيد-19 على أنها تهديد مستوطن، لكنها لا تتعامل معها على أنها جائحة. ولكن ليس الصين. فهناك، تنفق الحكومة مبالغ ضخمة لتحويل مباني المكاتب الخاوية في وسط المدينة إلى مراكز للحجر الصحي.
ربما تكون مراكز الحجر الصحي الجديدة فكرة رائعة، حيث توفِّر طريقة لإعادة توجيه قطاع البناء المتضخم في الصين نحو أنشطة ذات فوائد اجتماعية أكبر من مجرد تكديس المزيد من المشاريع الجديدة فوق سنوات من الإفراط في البناء (وهو الأمر الذي حذرنا منه أنا والخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي يوان شين يانج في عام 2020). ربما يعرف قادة الصين شيئًا لا يعرفه نظراؤهم الغربيون حول مدى إلحاح ضرورة الاستعداد للجائحة التالية، وفي هذه الحالة قد تبدو مراكز الحجز ذات رؤية إيجابية. لكن الصين، في الأرجح، تخوض حربًا يائسة غير مجدية في محاولة ترويض فيروس تتزايد قدرته على نشر عدواه، وفي هذه الحالة ستثبت مراكز الحجر الصحي كونها إهدارًا كبيرًا للموارد، وستكون عمليات الإغلاق عديمة الجدوى.
من المؤكّد أنَّ خطر حدوث الركود في الولايات المتحدة ارتفع إلى عنان السماء، والآن تدور الشكوك الرئيسة حول توقيته ومدى شدته. وبمرور كل يوم، تبدو وجه النظر المتفائلة التي تزعم أنَّ التضخُّم سينخفض بشكل كبير من تلقاء ذاته، وأنَّ الاحتياطي الفيدرالي لن يضطر بالتالي إلى رفع أسعار الفائدة بدرجة أكبر كثيرًا، أشد تضليلًا. مع ارتفاع حجم المدخرات إلى عنان السماء أثناء الجائحة، يصبح السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أنَّ يظلَّ الطلب الاستهلاكي قويًّا، بينما تتفاقم مشكلات سلاسل التوريد.
صحيح أنَّ الحكومة الأميركية تعمل على تقليص سياساتها التحفيزية، كما يبدو، لكن هذا من شأنه أن يزيد من مخاوف الركود حتى لو ساعد على تخفيف التضخُّم بعض الشيء. وإذا استمرت برامج التحفيز بكامل طاقتها ــ وفي عام الانتخابات، بكل تأكيد ــ فإنَّ هذا من شأنه أن يزيد من صعوبة مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي.
أمّا عن أوروبا، فإنَّ التأثير السلبي الناجم عن التباطؤ الاقتصادي في الصين والولايات المتحدة كان ليهدد نموها حتى بدون الحرب الدائرة في أوكرانيا. لكن الحرب ضاعفت بشكل كبير المخاطر التي تواجه أوروبا ونقاط الضعف التي تعيبها. فالنمو ضعيف بالفعل. وإذا لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى استخدام أسلحة كيميائية أو أسلحة نووية تكتيكية، فسوف تضطر أوروبا إلى قطع كل صلة به تمامًا، في ظل عواقب غير مؤكدة يتحملها اقتصادها فضلًا عن خطر المزيد من التصعيد، والذي قد يعني فرض عقوبات على الصين أيضًا. في غضون ذلك، ترزح الحكومات الأوروبية تحت ضغوط شديدة لحملها على زيادة إنفاقها بشكل كبير على الدفاع الوطني.
من الواضح أنَّ الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأكثر فقرًا ستعاني بشدة في حالة حدوث ركود عالمي. وحتى البلدان المصدرة للطاقة والغذاء، والتي استفادت حتى الآن اقتصاديًّا من الحرب بسبب ارتفاع الأسعار، من المرجّح أن تواجه بعض المشكلات.
مع بعض الحظ، سينحسر خطر حدوث انكماش عالمي متزامن بحلول أواخر عام 2022. ولكن في الوقت الحالي، أصبحت احتمالات الركود في أوروبا والولايات المتحدة والصين كبيرة ومتنامية، والانهيار في إحدى المناطق من شأنه أن يزيد من احتمالات الانهيار في مناطق أخرى. ومن المؤكَّد أنَّ التضخُّم الذي بلغ مستويات غير مسبوقة من الارتفاع لا يجعل الأمور أسهل بأي حال. الحق أنني ليست على يقين من أنَّ الساسة وصنّاع السياسات على مستوى المهمة التي قد يجدون أنفسهم في مواجهتها قريبًا.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
كينيث روجوف كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وهو أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org