Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

الثمن الباهظ للتقليل من قيمة إفريقيا

هيبولايت فوفاك

القاهرة- لقد تسبَّبت جائحة كورونا في سنة 2020 بأول ركود في إفريقيا منذ 25 سنة. إن التشديد الحاد للظروف المالية العالمية قد تسبَّب في توقف مفاجئ للاستثمار الأجنبي المباشر وتدفُّق ضخم لرؤوس الأموال الى خارج القارة، إضافة إلى واحدة من أكثر الصدمات دراماتيكية على الإطلاق فيما يتعلق بالعرض والطلب. لقد أدت الأزمة الى زيادة قيود السيولة للقارة، إضافة إلى تفاقم التحديات الحالية التي تواجهها فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد الكلي.

لقد أدى الانكماش الناجم عن الجائحة إلى تفاقم أحد أكبر تحديات التنمية التي تواجه إفريقيا وهو الثمن الباهظ "لعلاوات تصور معين". إنَّ تلك العلاوات تعكس المخاطر المبالغ بها التي يتم ربط إفريقيا بها على الدوام، وبغض النظر عن تحسُّن أساسيات الاقتصاد الكلي فيها أو البيئة الاقتصادية العالمية.

لحسن الحظ فلقد بدأ قادة العالم أخيرًا بمناقشة هذه المشكلة. لقد أشارت كريستالينا جورجيفا المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي خلال الاجتماعات السنوية للصندوق في أواخر أكتوبر الماضي إلى أن العالم بحاجة إلى التركيز على تخفيض المخاطر الحقيقية وتلك التي يتم تصورها فيما يتعلق بالاستثمار في إفريقيا، وذلك حتى يصل جزء من التمويل الكبير المتوافر لبقية العالم إلى إفريقيا.

سوف يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي دعا إلى "قواعد مالية أكثر عدالة للاقتصادات الإفريقية" بتاريخ 18 مايو قمة دولية تتعلق بتقديم الدعم من أجل تحفيز تعافي المنطقة. إنَّ التنسيق العالمي سوف يكون ضروريًّا من أجل تحقيق المساواة في الوصول لتمويل التنمية والحد من خطر حصول تعافي عالمي متباين وبسرعتين مختلفتين، مما يهدد بتفاقم فجوة الدخل بين إفريقيا وأجزاء أخرى من العالم.

لقد أدّى الأداء الاقتصادي القوي في دول مثل أثيوبيا ورواندا وساحل العاج إلى تحفيز منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى والتي كانت دائمًا واحدة من أسرع مناطق العالم نموًّا خلال العقدين الماضيين. إنَّ ما يعكس الصلابة والمرونة هو أنَّ هناك عدة دول إفريقية تمكَّنت من زيادة إنتاجها، وحتى خلال الجائحة علماً بأنَّ اثنتين من تلك الدول – إثيوبيا وغينيا- كانتا من بين أسرع خمسة اقتصادات نموًّا في العام الماضي على مستوى العالم.

إضافة إلى ذلك فإنَّ التقدم الذي أحرزته إفريقيا يتجاوز الاقتصاد، وكما أشارت جورجيفا "لقد تمكَّنت دول في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى من إحراز تقدُّم أساسي وذلك من خلال تحسين السياسات وتقوية المؤسَّسات"، وأضافت: إنه خلال العقدين الماضيين انخفض الفقر المدقع في المنطقة بمقدار الثلث وزاد معدل العمر المتوقع بمقدار الخمس كما بلغ متوسط نمو الدخل الحقيقي للفرد نحو 50%.

لكن يبدو أنَّ تلك النجاحات لم يكن لها تأثير يذكر على وكالات التصنيف الائتمانية المهيمنة، حيث قامت تلك الوكالات بتخفيض الحالة الائتمانية لجنوب إفريقيا- التي تشكِّل أكثر من 20% من إجمالي التجارة البينية الإفريقية، وهي المحرّك القيادي للقارة فيما يتعلّق بالاستثمار عابر الحدود- ودول إفريقية أخرى إلى "عديمة القيمة" في ذروة الجائحة بالعام الماضي. أن تلك التخفيضات بالتصنيف تسهم في توسيع القائمة الطويلة بالفعل من الديون السيادية الإفريقية التي تعدُّ عالية المخاطر وتخضع لمعدلات الاقتراض القائمة على أساس التخلف عن السداد.

تبدو بعض هذه التقييمات خاطئة في ضوء الأداء المشجع للعديد من الاقتصادات الإفريقية، فعلى سبيل المثال زاد الناتج المحلي الإجمالي في إثيوبيا بأكثر من عشرة أضعاف منذ بداية القرن وعلى النقيض من عدة اقتصادات أخرى فإنَّ الانكماش بسبب الجائحة لم يتسبب في تعطيل كامل لمسار النمو طويل المدى بإثيوبيا ولكنها لا تزال مقترضا من الدرجة الاستثمارية الأقل درجة.

إن الارتفاع الشديد في تكاليف الاقتراض للحكومات الإفريقية يعني أن تكلفة الفائدة السنوية قد أصبحت واحدة من أسرع مصروفات الميزانية نموًّا وفي العديد من الحالات تتجاوز تلك المصروفات ميزانيات الصحة، وفي زامبيا ارتفعت دفعات الفوائد لنحو 13 ضعفًا تقريبًا خلال عقد من الزمان وذلك من نحو 63 مليون دولار أمريكي في 2010 إلى أكثر من 804 مليون دولار أمريكي في سنة 2019، وفي طول إفريقيا وعرضها تضاعفت دفعات الفوائد بأكثر من 3 مرات خلال الفترة نفسها، وذلك من 8،1 مليارات دولار أمريكي إلى نحو 24،9 مليار أمريكي.

على الرغم من انخفاض مصروفات الفوائد في 2020 (بنسبة 36،6% لزامبيا و26،6% للمنطقة بشكل عام)، فإنَّ من المتوقع أن ترتفع مجددًا بعد الأزمة. إن هذا يعكس النمو الأسرع للالتزامات الخارجية الناجمة عن الوباء، إضافة إلى انتهاء صلاحية تدابير الإغاثة المؤقتة التي تمَّ توجيهها للبلدان الضعيفة طبقًا لمبادرة تعليق خدمة الدين لمجموعة العشرين وصندوق الاحتواء والإغاثة في حالة الكوارث التابع لصندوق النقد الدولي.

لقد قدّر الباحثون في جامعة ميتشغان طبقًا لدراسة سنة 2015 أنه بالنسبة للديون السيادية الإفريقية فإنَّ علاوة الفائدة على الاقتراض الخارجي وصلت إلى 2،9 % أو مبلغ إضافي يصل إلى 2،2 مليار دولار أمريكي بين سنة 2006 و2014، ومن المحتمل أن يكون هذا الرقم قد زاد منذ ذلك الحين، وخاصة في ظل اتساع الهوامش والعدد الكبير من حالات تخفيض التصنيف الائتماني.

إنَّ مثل تلك العلاوة هي عائق مهم للاستدامة المالية واستدامة الدين والتحوُّل الهيكلي بالنسبة للدول الإفريقية. إن إجمالي الدين الخارجي لإفريقيا هو أقل بكثير من حيث القيمة المطلقة ونصيب الفرد من الديون المستحقة على الاقتصادات المتقدمة، ولكن نسبة مدفوعات خدمة الدين الخارجي في إفريقيا إلى إيرادات الميزانية أعلى بكثير مما يعكس التكلفة الباهظة للمعدلات القائمة على أساس التخلف عن السداد.

إنَّ تعرُّض المنطقة لصدمات شروط التبادل التجاري المتكررة والتي عادة ما تؤدي إلى زيادة العجز التجاري والمالي وتفاقم وضع قيود السيولة يؤدي كذلك إلى تضخيم علاوات التصورات المعينة. والتحول الهيكلي للاقتصادات الإفريقية لتنويع مصادر النمو والتجارة بعيدًا عن السلع سوف يقلل من هذه المخاطر الإضافية مع مرور الوقت.

إن هذا سوف يتطلَّب كما أشار ماكرون وجورجيفا إلى مبالغ كبيرة ومستدامة من رأس المال الصبور، وذلك من أجل الدفع بالاستثمارات بحيث لا تقتصر فقط على الموارد الطبيعية ولكن تكاليف الاقتراض القائمة على أساس التخلف عن السداد وعلاوات التصورات المعينة المكلفة هي العامل الأكثر حدة الذي يعدُّ عائقًا في طريق التحول الهيكلي.

لقد استجاب المجتمع الدولي بشكل سريع للجائحة وأدخل عدة مبادرات من أجل مساعدة الدول محدودة الدخل للتعامل مع قيود السيولة الحادة والضغوطات المتزايدة على ميزان المدفوعات، وعلى المدى القصير فإنَّ من المرجح أنَّ تلك الإجراءات سوف تخفّض مدفوعات خدمة الدين الخارجي للدول المستحقة وأن تعزز قدرتها على التصدي لكوفيد-19، ولكنها لن تحل تحديات التنمية الأساسية في إفريقيا.

وحتى يقوم المستثمرون العالميون ووكالات التصنيف الكبرى بإضافة الحقائق المشرقة والظروف المتنوعة لإفريقيا بدقة لنماذجهم، فإنَّ العديد من البلدان ستظل على حافة الوقوع في أزمة ديون، كما سيبقى التحوُّل الهيكلي والذي يعدُّ من مفاتيح الاستدامة المالية واستدامة الديون بعيد المنال ولهذا السبب نأمل أن تساعد قمة ماكرون في 18 مايو على تقليل علاوة التصورات المعينة والتي تلحق الضرر بإفريقيا وإجبار المستثمرين الدوليين وصنّاع السياسات على منح المنطقة فرصة متساوية للوصول للتمويل العالمي.

هيبولايت فوفاك هو كبير الاقتصاديين في بنك الصادرات -الواردات الإفريقية.

حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org