البنية الأساسية اللازمة لتعزيز التعافي
ريكاردو بوليتي
واشنطن، العاصمة ــ تضطلع البنية الأساسية المادية بدور حاسم في دعم التعافي بعد الجائحة وإرساء الأسس الأبعد أمدًا للتنمية الخضراء المرنة الشاملة. يسلِّط قدر متزايد من الأدلة الضوء على مساهمتها في مجموعة واسعة من مؤشرات التنمية، بما في ذلك تشغيل العمالة، والإنتاجية، والدخل، والتفاوت بين الناس، والتجارة، وتكوين رأس المال البشري.
مع ذلك، في قسم كبير من العالم النامي، تظل البنية الأساسية منقوصة إلى حد يُـرثى له. الواقع أنَّ نحو مليار شخص يعيشون على مسافة تزيد على ميل من أي طريق مناسب لجميع المواسم، ونحو 760 مليون شخص يفتقرون إلى الكهرباء في المنازل، ويعيش 450 مليون شخص خارج نطاق إشارة النطاق العريض. وحتى في حال توافر هذه الخدمات، فإنها غالبًا ما تكون متقطعة وغير منتظمة ولا يمكن تحمُّل تكاليفها. الواقع أنَّ الارتباكات الناجمة عن عدم القدرة على التعويل على البنية الأساسية تكلِّف الأفراد والشركات مئات المليارات من الدولارات سنويًّا، والدول الأكثر فقرًا وهشاشة في العالم لديها أغلى خدمات النطاق العريض، والكهرباء، والنقل.
حتى قبل اندلاع جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، كان الاستثمار في البنية الأساسية أقل كثيرًا من المستويات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية العالمية. ومنذ اندلاع الجائحة، تقلَّص الإنفاق بدرجة أكبر. ورغم أَّن العديد من الاقتصادات المتقدمة نفَّذت برامج تحفيز لدعم التعافي الاقتصادي ــ مع مكونات مرتبطة بالبنية الأساسية غالبًا ــ فإنَّ دول العالم الأكثر فقرًا تفتقر إلى الحيز المالي اللازم لتغطية تكاليف مثل هذه التدابير. وقد سلَّط اجتماع قمة مجموعة الدول السبع الأخير الضوء على هذه القضية، حيث دعا القادة إلى تعزيز الجهود لتمويل تطوير البنية الأساسية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
لتعظم مساهمة البينة الأساسية في التعافي الاقتصادي العالمي ودعم النمو الأخضر المرن الشامل، يجب توجيه استثمارات إضافية إلى برامج فَـعّـالة. وتبرز هنا أربع ضرورات.
بادئ ذي بدء، يتطلَّب تحقيق أهداف المناخ العالمية موجة غير مسبوقة من الاستثمار في البنية الأساسية الخضراء. تمثِّل أنظمة الطاقة والنقل مجتمعة نحو ثـلثـي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وسوف تمثِّل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل نسبة كبيرة من الزيادة المتوقعة في الانبعاثات في السنوت المقبلة. الواقع أنَّ الاستثمارات في الكهرباء المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والبنية الأساسية لشحن المركبات الكهربائية، وشبكات النقل الحضرية الذكية مناخيًّا، وسلاسل إمداد الهيدروجين الأخضر الناشئة، خيارات فَـعَّـالة من حيث التكلفة وتعمل في الوقت ذاته على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وخلق فرص العمل. بالتوازي مع مثل هذه الاستثمارات الجديدة في البنية الأساسية الخضراء، ستكون الاستثمارات الإضافية مطلوبة لدعم إحالة محطات الطاقة العاملة بالفحم إلى التقاعد على نحو متسارع.
ثانيًا، يجب تصميم مشاريع جديدة لتعزيز المرونة الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة ظواهر الطقس القاسية وغير ذلك من الصدمات الخارجية. يتسبَّب تغيُّر المناخ بالفعل في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية الأساسية القائمة. على سبيل المثال، في يناير/كانون الثاني، دمَّرت العاصفة الاستوائية آنا نحو نصف قدرة توليد الطاقة الهزيلة بالفعل في ملاوي. وفي الشهر التالي، تسبَّب ثوران بركاني وأمواج مد عاتية (تسونامي) في قطع كابل الإنترنت البحري في تونجا.
تقدر قيمة هذه الأضرار المباشرة التي تلحق بالبنية الأساسية بالفعل بنحو 18 مليار دولار سنويا. لن يضيف تعزيز مرونة البنية الأساسية سوى بضع نقاط مئوية فقط إلى الاحتياجات الحالية من الاستثمارات، لكن الفوائد المنتظرة تتجاوز التكاليف بمعامل من أربعة إلى واحد.
على الرغم من تجربة تونجا، تشكِّل البنية الأساسية الرقمية ضرورة أساسية لجعل مجتمعات بأكملها أكثر مرونة وقدرة على الصمود في مواجهة الأزمات. أثناء الجائحة، قفز عدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم بمقدار 800 مليون مستخدم، وازدادت حركة البيانات في الاقتصادات الناشئة بنحو 25% إلى 50% مع انتقال المزيد والمزيد من الأنشطة إلى الإنترنت. وعملت التطبيقات الرقمية التي تدعم تسليم الخدمات عبر الإنترنت والعمل عن بُـعد على تمكين الشركات والحكومات من مواصلة العمل.
تتمثَّل الضرورة الثالثة في الاستثمار في البنية الأساسية المستدامة التي تعزِّز الإدماج الاجتماعي وتعالج أبعادًا مختلفة من التفاوت بين الناس. على الرغم من طفرة الاتصالية الرقمية خلال الجائحة، اعتبارًا من عام 2021، فلا يزال 2.9 مليارات شخص خارج الإنترنت، بما في ذلك أكثر من 50% من سكان البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وما يصل إلى 81% في البلدان الأقل نموًّا. كما تظلُّ فوارق كبيرة باقية بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الرجال والنساء في بعض أجزاء العالم.
أدَّت هذه الفجوة الرقميَّة إلى نشوء تفاوتات خطيرة في نتائج التنمية. وفقًا لمنظمة اليونيسيف، تسبَّب الافتقار إلى الوصول إلى التكنولوجيات اللازمة في منع ما لا يقل عن 463 مليونًا، أو نحو 31% من أطفال المدارس على مستوى العالم، من المشاركة في التعلم الرقمي والبث عن بُـعـد أثناء الجائحة. ولم تصل برامج التعلم عن بُـعـد القائمة على الإنترنت إلا لنحو 6% من الأطفال في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.
أخيرًا، يعتمد التأثير الإجمالي الذي تخلفه البنية الأساسية المادية على التنمية على كيفية التنسيق بين الاستثمارات واستكمالها بالتدابير السياسية الداعمة. في مختلف أنحاء إفريقيا، تشكِّل ممرات الطرق الإقليمية أهمية بالغة للتجارة داخل القارات. على سبيل المثال، من الممكن أن تعود ترقية الممر من لاجوس إلى أبيدجان بفوائد اقتصادية كبرى على البلدان الواقعة على طول ساحل غرب إفريقيا. لكن سائق الشاحنة الذي يقوم بالرحلة اليوم من الممكن أن يتوقَّع إهدار 160 ساعة عند المعابر الحدودية. وقد تتضاعف الفوائد المترتبة على ترقية الطريق إذا جرى تبسيط الإجراءات الشكلية الحدودية أيضًا.
ومن الممكن أن تعمل الأنماط المختلفة من البنية الأساسية على تعزيز الفوائد المترتبة على بعضها بعضًا. فعبر الأقاليم الهشّة في المناطق الريفية في إفريقيا، ساعدت الاستثمارات في الطرق الريفية على تسريع حركة انتقال العمال من زراعة الكفاف إلى وظائف أعلى أجرًا في التصنيع والخدمات. لكن الأثر الاقتصادي المترتب على تحسين الطريق قد يكون أكبر بعدة مرات في المجتمعات حيث الكهرباء أيضًا متاحة.
الواقع أنَّ البنية الأساسية من الممكن أن تسهم بالكثير في التعافي بعد الجائحة، وكذا في التنمية الخضراء المرنة الشاملة، وخاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث تكون الحاجة إلى الاستثمار ملحة بشكل خاص. وسوف تشكِّل تلبية هذه الحاجة تحديًا شاقًّا، ولكن من الممكن أيضًا تحويل هذا التحدي إلى فرصة للجميع.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
ريكاردو بوليتي نائب رئيس قسم البنية الأساسية في البنك الدولي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org