قوة تصميم السوق

بول ميلجروم، وسيلفيا كونوسول باتيلانا

ستانفورد- لقد واجهت الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2010 مشكلة توزيع صعبة، فلقد كان هناك تزايد في الطلب على مورد يعدُّ حيويًّا لحياتنا اليومية ولكن كان يتم استخدام ذلك المورد المتوافر بالفعل من قِبل الأفراد الذين أقاموا صناعة على أساسه، وإضافة إلى ذلك كان الانتقال التدريجي لمستخدمين جدد مستحيلًا، فهل يمكن للقواعد والأحكام الجديدة أن تخفِّف من النقص المتزايد مع احترام حقوق المستخدمين الحاليين وتمكين إعادة توزيع طوعية ومتعددة الأطراف؟

إنَّ هذا المورد لم يكن المياه بل الطيف الراديوي-الترددات الكهرومغناطيسية المستخدمة في المكالمات الهاتفية اللاسلكية وبيانات الهاتف الذكي واتصالات الطوارئ. لقد تزايد الطلب على الطيف بينما زاد عدد الأشخاص الذين يقومون بمشاهدة الأفلام على الإنترنت وإجراء مكالمات الفيديو، واستخدام تطبيقات الهاتف ولكن نظرًا لأنَّ الطيف الذي كان سيكون مثاليًّا لتطبيقات الهاتف قد تمَّ استخدامه بالكامل من قِبَل صناعة مفكَّكة من المحطات التلفزيونية، لم يكن هناك نطاق ترددي كاف لاستخدامات الهاتف المحمول.

لقد قدمت شركتنا اوكشنوميكس المشورة للكونغرس الأمريكي ومفوضية الاتصالات الفيدرالية من أجل حلَّ المشكلة وذلك من خلال سلسلة من التغييرات وصلت لذروتها بعمل مزاد حوافز البث حيث يتمُّ استعادة الطيف من مستخدمي البث الأقل قيمة وإعادة بيعه لتطبيقات الهواتف النقالة مع توفير حماية سخية للمستخدمين الحاليين الذين أرادوا الاستمرار في استخداماتهم التقليدية. إنَّ المزاد الذي تمَّ اجراءه في سنتي 2016 و2017 اكتسب كمية كبيرة من الطيف والذي تمَّ إعادة توزيعه لاستخدامات ذات قيمة أعلى وجمع مبلغ 19 مليار دولار كإجمالي إيرادات.

إنَّ نجاح هذه المبادرة يظهر قوة وامكانات تصميم السوق من أجل إنشاء وصقل الأسواق والمبادلات لتحسين توزيع الموارد الشحيحة. لقد تمَّ إدماج تصميم المزاد مع تغييرات مهمة في التشريع من أجل تسهيل تبادل حقوق الطيف مع السماح للمستخدمين الحاليين بالاستمرار بالتشغيل بدون تعطيل يذكر.

إنَّ هذه المقاربة يمكن تطبيقها على نطاق واسع، وخاصة فيما يتعلَّق بالإدارة البيئية. إنَّ وجود أوجه نقص إضافية جديدة سيتطلَّب إعادة توزيع الموارد بطريقة تولي اهتمامًا كبيرًا بالتحديات الاجتماعية والبيئية ومصالح المستخدمين الحاليين الذين سوف يقامون التغييرات التي يعدونها مضرة. إنَّ تصميم السوق والذي نشأ كمجال فرعي مهم للاقتصاد في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة يقدم نظرية اقتصادية جديدة، إضافة إلى الخوارزميات والأدلة والأمثلة ذات العلاقة من أجل مساعدة صنّاع السياسات على تطبيق حلول فعّالة.

إنَّ أساليب تصميم السوق قد نجحت بالفعل في حل مشكلات يومية مهمّة تتعلّق بالتوفيق بين الموارد والمستخدمين. إنَّ التطبيقات تتضمَّن الإعلانات من خلال الإنترنت (مشاهدة إعلانات على الإنترنت تعدُّ مناسبة وتتطابق مع اهتماماتك) ونقل الأعضاء (إيجاد متبرع مطابق لأحبائك) ومطابقة الإقامة الطبية (أي ربط الأطباء الجدد بوظيفتهم الأولى) والتبرعات الغذائية الخيرية (تزويد بنك الطعام المحلي بالأشياء التي تشتد الحاجة إليها).

إنَّ بإمكان صنّاع السياسات تطويع نفس النظرية والممارسات للتعامل مع مشكلات التوزيع الجديدة والمتغيرة فعلى سبيل المثال يمكن لتصميم السوق أن يساعد على التعامل مع النقص في لقاحات كوفيد-19، وذلك من خلال السماح بتبادل المكونات والإمدادات (مثل الفلاتر والأنابيب وأكياس الأدوية) اللازمة لإنتاج اللقاح.

بالمثل، فإنَّ الأدوات المالية باستخدام العملات المشفرة قد جلبت تصميمات لامركزية مع تداول آلي بالكامل. إنَّ مزادات الرخص المتعلقة بالنطاق سوف تحتاج لأن تتغير مجددًا من أجل استيعاب تقنيات الجيل الخامس ودعم إنترنت الأشياء على نطاق محدود، إضافة إلى دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث سوف يعتمد نجاح برامج الحد الأقصى للتجارة – من أجل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومصايد الأسماك، والسلع البيئية الأخرى - على مدى قدرة المنظمين على تحديد المنتجات التي سيتم تبادلها ووضع القواعد التي تشجع المشاركة مع تحقيق الأهداف المجتمعية.

سوف يلعب تصميم السوق دورًا حيويًّا آخر في حل مشكلة توزيع المياه فالعديد من الحقوق الحالية للمياه العذبة في العالم – سواء المياه السطحية أو الجوفية- قد تمَّ منحها بالفعل وبدون أن تخضع للقوانين الجديدة ومن خلال أساليب معقدة للمدن والمزارع والمستخدمين الصناعيين وفي بعض الحالات كل فرد يتداول تلك الحقوق يتطلب موافقة حكومية وهناك ولايات قضائية أخرى تحّرم مثل ذلك التداول.

أن مثل تلك القيود والأحكام والقواعد التاريخية قد أدَّت إلى توزيعات غير فعّالة بالمرة، فالمياه قد لا تكون متوافرة للبلدات التي تحتاج للمزيد منه في مرحلة النمو وحتى عندما تكون تلك الاستخدامات الحضرية والسكانية أكثر قيمة بمئات المرات من الاستخدامات الريفية التي حلَّت مكانها. أن بعض الشركات الصناعية التي تكون حقوقها قائمة على أساس استخدام صناعي قد يكون لديها الحافز للإفراط في استخدام المياه حتى خلال فترات الجفاف من أجل الاحتفاظ بحقوقها في المخصصات المستقبلية. عندما يكون تداول الحقوق محدودًا أو محظورًا، فإنَّ إشارات الأسعار الضعيفة تجعل من الصعوبة بمكان حتى تقييم الاستخدامات الأكثر قيمة وسوف يزداد الطلب على المياه ويتغير مع استمرار تغير المناخ في قلب أنماط الاستخدام التاريخية رأسًا على عقب.

إنَّ نجاح مزاد الطيف الراديوي في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى حل، فبدلًا من نقض حقوق الطيف للمستخدمين الحاليين بشكل أحادي، قام الكونغرس بإعادة تعريفها بطريقة جعلت تداولها ممكنًا وبسيطًا وبعد ذلك سمح لمحطات البث التلفزيوني لتقرر بنفسها ما إذا كانت سوف تستمر باستخداماتها السابقة أو أن ترفض المشاركة. إنَّ الحقوق التي بيعت تمَّ إعادة تشكيلها حتى تصبح ملائمة للاستخدامات الجديدة والتداول الفعّال، بينما تلك التي لم يتم بيعها بقيت ملائمة للأغراض الحالية.

إنَّ إعادة تنظيم مماثلة لحقوق المياه قد تحمي المستخدمين الحاليين غير الراغبين بالبيع مع انشاء حقوق يمكن تداولها للآخرين وذلك من اجل السماح للمياه بالتدفق للاستخدام الأكثر قيمة. أن أي محاولة لإجبار المستخدمين الحاليين على المشاركة من المرجح ان يتم احباطها من خلال معارضة قانونية وسياسية ولكن وجود سوق طوعي بالكامل مبني على أساس نفس القواعد المطبقة في سوق الطيف الراديوي يمكن ان تستوعب المعارضين مع تحقيق تحسن كبير في توزيع حقوق المياه وبالإضافة الى ذلك يمكن لصنّاع السياسات استخدام جزء من القيمة التي يتم اكتسابها من أي عملية إعادة توزيع لتعويض عدم المساواة – على سبيل المثال من خلال منح نقاط ائتمانية للبلدات الريفية أو صغار المنتجين الزراعيين حتى يحصلوا على الموارد المائية التي يحتاجون إليها.

إنَّ توزيع المياه بشكل فعّال وعادل سوف يتطلب الابتكار والتعاون والتنظيم وفي هذا المجال وغيره من المجالات يضع تصميم السوق النظرية الاقتصادية العملية في خدمة إنشاء الحقوق وإدخال القواعد والخوارزميات الفعّالة وبهذه الطريقة يمكننا استيعاب مشاركين متنوعين في السوق وتسخير التقنيات الجديدة وتحقيق الاستفادة القصوى للصالح العام.

بول ميلجروم، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، هو أستاذ العلوم الإنسانية والعلوم بجامعة ستانفورد ومؤسس مشارك ورئيس شركة اوكشنوميكس. سيلفيا كونسول باتيلانا هي مؤسس مشارك ورئيس تنفيذي لشركة اوكشنوميكس وهي قائد عالمي شاب للمنتدى الاقتصادي العالمي.  

حقوق النشر : بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org