دعم الشركات الصغيرة من أجل التعافي الأميركي
لورا تايسون، ليني ميندونكا
بيركلي ــ يبدو أنَّ التعافي في الولايات المتحدة بدأ يفقد الزخم. فقد تباطأ نمو الوظائف، ويظل الاقتصاد منخفضاً بمقدار 10.7 ملايين وظيفة منذ فبراير/شباط، والآن يُـصَـنَّـف 36% من العمال العاطلين عن العمل على أنهم "عاطلون بشكل دائم". الواقع أنَّ معدل البطالة انخفض إلى 7.9% في سبتمبر/أيلول، ولكن ليس بسبب زيادة في خلق فرص العمل، بل بسبب خروج الناس من قوة العمل. وما يعكس ازدواجية سوق العمل في الولايات المتحدة أنَّ معدلات البطالة تظل أعلى بين الأميركيين من أصل إفريقي (12.1%) والمقيمين من أصل إسباني لاتيني (10.3%) كما انزلق 6 إلى 8 ملايين شخص إضافي إلى براثن الفقر.
مع ارتفاع معدلات الإصابة بعدوى مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وانتهاء إجراءات التحفيز المالي، كانت الآلام ومخاطر الجانب السلبي للتعافي المتعثر أشد وضوحاً في قطاع الأعمال الصغيرة المتضرر بشدة بالفعل. تلعب الشركات الصغيرة ــ التي توظف أقل من 500 موظف ــ دوراً كبيراً في الاقتصاد الأميركي، حيث تمثل نحو نصف كل تشغيل العمالة في القطاع الخاص ونحو 65% من إجمالي صافي خلق الوظائف الجديدة في الفترة من عام 2000 إلى عام 2018. وخلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول من هذا العام، انخفض عدد الشركات الصغيرة العاملة بمقدار الربع، وانحدرت عائدات الشركات الصغيرة بنسبة 23%. وعانت قطاعات الأعمال الصغيرة المهمة مثل شركات التجزئة، والنقل، والترفيه، والضيافة، والتعليم، والصحة، وغير ذلك من الخدمات الشخصية، أكبر الخسائر في الإيرادات والعمالة.
كانت الشركات المملوكة للأقليات والنساء ــ التي توظف نحو 8.7 ملايين شخص ــ عرضة للخطر بشكل خاص. في عشية الركود الذي أحدثته جائحة كوفيد-19، كان ما يقرب من نصف الشراكات المملوكة لأميركيين من أصل إفريقي ولاتينيين "عُرضة للخطر أو في محنة" مالية بالفعل، وكان أكثر هذه الشركات تفتقر إلى الاحتياطيات النقدية لتغطية خسائر الإيرادات لشهرين. ما يزيد الأمور سوءاً أنَّ الأقليات تمتلك 25% من الشركات الصغيرة في القطاعات الأشد تضرراً بالجائحة، مقارنة بنحو 15% في القطاعات الأقل تضرراً. وكانت الشركات الصغيرة المملوكة لأميركيين من أصل إفريقي متضررة بشدة بشكل خاص، حيث شهدت انخفاضاً بنسبة 41% في النشاط التجاري، في حين انخفض نشاط الشركات الصغيرة المملوكة للاتينيين بنسبة 32%، وانخفض النشاط التجاري في الشركات الصغيرة المملوكة لإناث بنسبة 25%، مقارنة بانخفاض بلغ 17% في الشركات المملوكة لأميركيين من ذوي البشرة البيضاء.
عمل برنامج حماية الرواتب بقيمة 670 مليار دولار، وهو مكون رئيس في حزمة التحفيز المالي التي بلغت قيمتها تريليوني دولار والتي أقرها الكونجرس في مارس/آذار واستكملها في إبريل/نيسان، على توفير الأموال في هيئة قروض لا يفترض سدادها للشركات الصغيرة لمساعدتها في الحفاظ على الوظائف والأجور عند مستويات ما قبل الأزمة. تلقت 72% من الشركات الصغيرة (التي تمثل 62% إلى 85% من موظفي الشركات الصغيرة) مساعدات من برنامج حماية الرواتب. واعتباراً من أغسطس/آب، عندما انتهى العمل بالبرنامج، حصل أكثر من خمسة ملايين قرض تزيد قيمتها على 525 مليار دولار (بمتوسط 199729 دولاراً للقرض) على الموافقة، لكن ما يقدر بنحو واحدة من كل سبع شركات صغيرة أغلقت أعمالها بشكل دائم بالفعل.
توصلت الدراسات التي قَيَّمت فعالية برنامج حماية الرواتب إلى استنتاجات مختلطة. كانت الشركات التي تقدمت بطلبات للحصول على قروض بموجب برنامج حماية الرواتب أقل ميلاً بدرجة كبيرة إلى الخروج من العمل، وأكثر ميلاً إلى الحفاظ على الوظائف، مقارنة بالشركات الأكبر حجماً غير المؤهلة للبرنامج. وبين الشركات التي تلقت قروض الجولة الأولى من برنامج حماية الرواتب، ازدادت احتمالات البقاء بنحو 14% إلى 30%، وكانت أكبر التأثيرات لصالح الشركات الأصغر حجماً. في مجمل الأمر، ربما أدت قروض برنامج حماية الرواتب إلى زيادة تشغيل العمالة بنحو 3% إلى 4%، ولكن بتكلفة تتراوح بين 224 ألف دولار إلى 340 ألف دولار لكل وظيفة جرى إنقاذها، مما يعكس حقيقة مفادها أنَّ غالبية القروض ذهبت إلى شركات لم تكن تخطط لتسريح عدد كبير من العمال. واستخدمت شركات متلقية عديدة قروض برنامج حماية الرواتب لبناء المدخرات وسداد القروض المستحقة.
من الواضح أيضاً أنَّ توزيع القروض عبر القطاعات لم يعكس توزيع خسائر الوظائف. فلم يذهب تمويل برنامج حماية الرواتب إلى القطاعات التي شهدت أكبر انخفاض في ساعات العمل الفعلية، أو أكبر عدد من عمليات إغلاق الشركات، أو أعظم ارتفاع في البطالة. على سبيل المثال، تلقت الشركات العاملة في مجال الخدمات المهنية والعلمية والفنية حصة أكبر من قروض برنامج حماية الرواتب مقارنة بالشركات في القطاعات المتضررة بشدة مثل شركات الإسكان والخدمات الغذائية والتجزئة. ومع ذلك جرى الحفاظ على 23 وظيفة لكل قرض لصناعة المطاعم والضيافة، مقارنة بتسع وظائف فقط لكل قرض لصناعات الخدمات المهنية والعلمية والفنية. أخيراً، حجبت الهيئات التنظيمية بالفعل قروض برنامج حماية الرواتب بقيمة 4 مليارات دولار لاحتمال حدوث احتيال، وتجري التحقيقات في الكونجرس حالياً.
من المبكر للغاية أن نجزم الآن بما قد يحدث للشركات المتلقية وموظفيها عندما تستنفد قروض برنامج حماية الوظائف (بدأت للتو العملية المضنية لتحديد أيِّ القروض تفي بشروط الإعفاء من خلال التحويل إلى مِـنَـح). لكننا نعلم بالفعل أنَّ الشركات الصغيرة المملوكة لأقليات أو نساء في الأحياء الفقيرة واجهت صعوبات أشد في الحصول على قروض برنامج حماية الرواتب في المقام الأول.
الواقع أنَّ العديد من هذه الشركات تفتقر إلى الخدمات المصرفية أو لا تتعامل مع البنوك، لأن المقرضين التقليديين لديهم القليل من الحوافز التي قد تدفعهم إلى تحمل التكاليف الثابتة المرتفعة لخدمة عدد كبير من القروض البالغة الصِّـغَـر. كانت الشركات الأكبر حجماً ذات العلاقات المصرفية الراسخة هي الأكثر ترجيحاً للحصول على قروض برنامج حماية الرواتب مستفيدة من تصميم برنامج حماية الرواتب "من يأتي أولاً، يتلقى الخدمة أولاً"، مقارنة بالشركات التي توظف أقل من عشرة أشخاص، والشركات التي ليس لها صاحب عمل، والشركات المملوكة لأقليات في مجتمعات الملونين التي تفتقر إلى مثل هذه العلاقات. تعتمد العديد من هذه الشركات على المؤسسات المالية التي تعمل في مجال تنمية المجتمع ــ مؤسسات مالية معتمدة تحمل التفويض لخدمة هؤلاء العملاء وعقود من الخبرة في القيام بذلك. عندما جرى منح المزيد من المؤسسات المالية العاملة في مجال التنمية المجتمعية سلطة العمل كمقرضين في إطار برنامج حماية الرواتب تم تخصيص 10 مليارات دولار إضافية لها خلال الجولة الثانية من تمويل برنامج حماية الرواتب، وقد تفوقت في الأداء على البنوك الأكبر والأفضل تمويلاً في مجتمعاتها المحلية، حيث قدمت المساعدة الفنية والقروض لعملائها.
مع انغماس الحكومة الفيدرالية في الجمود السياسي، بدأت العديد من الولايات والبلديات تتصرف من تلقاء ذاتها. على سبيل المثال، تطلق ولاية كاليفورنيا برنامجاً جديداً مبتكراً لزيادة تمويل المؤسسات المالية العاملة في مجال التنمية المجتمعية من خلال مصادر عامة وخاصة، في حين يعمل بنك البنية الأساسية في الولاية على زيادة التمويل الخاص من خلال ضمانات القروض ورأسمال خسائر القروض. وسوف توفِّر المؤسَّسات المالية العاملة في مجال التنمية المجتمعية المشارِكة القروض الميسرة إلى جانب المساعدة الفنية للشركات الصغيرة على أساس معايير الاكتتاب والأهلية المشتركة. يتبع صندوق أنشأته مدينة نيويورك حديثاً "نهجاً للمشاركة في القروض" مشابهاً، حيث تستخدم المؤسسات المالية العاملة في مجال التنمية المجتمعية المشارِكة الأموال من مصادرة خاصة وعامة.
لكن حكومات الولايات والحكومات المحلية تواجه انخفاضاً في الإيرادات وقيوداً على الميزانية، في حين تمتلك الحكومة الفيدرالية وحدها قدرة الميزانية اللازمة لتمويل الإقراض الميسر المرن للشركات الصغيرة. لهذا السبب ينبغي للحكومة الفيدرالية أن تعمل على توجيه 134 مليار دولار من أموال برنامج حماية الرواتب غير المستخدمة، أو حصة من تسهيلات إقراض الشركات الصغيرة غير المستخدمة إلى حد كبير، من الاحتياطي الفيدرالي إلى الولايات والبلديات لتوسيع صناديق تعافي الأعمال الصغيرة لديها، وإلى المؤسسات المالية العاملة في مجال التنمية المجتمعية، والبنوك المجتمعية لزيادة قدرتها الإقراضية.
الواقع أنَّ الولايات المتحدة تترنح على حافة الهاوية المالية. والآن بات من الواضح أنها في احتياج إلى حزمة تحفيز إضافية بقيمة تريليوني دولار على الأقل لتحقيق التعافي المستدام العادل. ومن الأهمية بمكان أن تشكل تدابير تعافي الشركات الصغيرة جزءاً مهماً من الحزمة.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
لورا تايسون الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع لرئيس الولايات المتحدة، وأستاذة في كلية الدراسات العليا التابعة لكلية هاس لإدارة الأعمال في بيركلي، ورئيسة مجلس أمناء مركز بلوم في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. ليني ميندونكا كبير الشركاء الفخري في ماكينزي آند كومبني، وكبير مستشاري الاقتصاد والتجارة لحاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم سابقا، ورئيس هيئة السكك الحديدية عالية السرعة في كاليفورنيا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org