هل تدوم طفرة الازدهار؟
جيم أونيل
لندن ــ على مدار قسم كبير من العام الماضي، كنت أزعم أنَّ التعافي الاقتصادي الدوري بعد حالة الارتباك والانقطاع الناجمة عن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) سيكون أقوى من توقُّعات معظم الناس. في تقديمي لهذه التوقعات، كان تركيزي مُنصبًا على طبيعة الأزمة الدورية (وليس البنيوية): كان المفترض في عمليات الإغلاق أن تكون دائمًا مؤقتة فقط، وكان طرح اللقاحات الآمنة الـفَـعّـالة في الأسواق سريعًا بدرجة غير مسبوقة، وجاءت استجابة الحكومات للصدمة على النحو الواجب بمستويات هائلة من التحفيز النقدي والمالي.
استنادًا إلى مؤشرات النشاط الاقتصادي العالمي المسجلة أخيرًا، فقد بدأت هذه التوقعات تتأكد الآن. تتوافق بيانات مارس/آذار 2021 مع طفرة صريحة، وخاصة في قطاع التصنيع. الواقع أنَّ التعافي ربما يكون أقوى حتى من توقعاتي، فبحلول نهاية مارس/آذار، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فوق 4000 نقطة للمرة الأولى على الإطلاق.
السؤال بطبيعة الحال هو ماذا قد يحدث بعد ذلك. هل تستمر الطفرة؟ للإجابة عن هذا، ينبغي لنا أن نبدأ بأحدث الأدلة. من الأرقام الأكثر لفتًا للنظر المسجلة في مارس/آذار مؤشر مديري المشتريات التابع لمعهد إدارة التوريد، الذي ارتفع بنحو 3.9 نقاط من فبراير/شباط ليصل إلى 64.7 نقاط. نُـشر الاستطلاع في الأول من إبريل/نيسان؛ وبافتراض أنها لم تكن كذبة إبريل، فإن هذا يُـعَـدُّ أعلى مستوى منذ عام 1983.
علاوة على ذلك، تتوافق مكونات بعينها في مؤشر مديري المشتريات التابع لمعهد إدارة التوريد مع الزيادة القوية في النشاط الاقتصادي. وكما أوضحت في تعليقات سابقة، يأتي اثنان من المؤشرات الخمسة المرتفعة المفضلة لدي من استطلاع معهد إدارة التوريد: الرقم الرئيس والفارق بين مؤشرات الطلبات الجديدة والمخزونات. فكلما كانت الطلبات الجديدة أقوى نسبة إلى المخزونات، كانت التوقُّعات أفضل في الأمد القريب. وعلى هذا فإنَّ أرقام مارس/آذار تبشر بكل خير في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، في انتظار تطورات أخرى.
والولايات المتحدة ليست وحدها. إذ كانت أحدث مؤشرات مديري المشتريات المنشورة في بلدان ومناطق أخرى قوية أيضًا. كانت مؤشرات مديري المشتريات التي تصدرها شركة IHS Markit في كندا وأيضًا المملكة المتحدة عند أعلى مستوياتها في عشر سنوات، بما يتجاوز كثيرًا كل التوقعات المجمع عليها؛ كما سجَّلت مؤشرات مديري المشتريات في العديد من بلدان أوروبا القارية زيادات غير مسبوقة، بما في ذلك حتى في بعض البلدان التي شهدت عودة ظهور عدوى كوفيد-19. وارتفع مؤشر مديري المشتريات لمنطقة اليورو ككل إلى أعلى مستوياته في تاريخ الكتلة البالغ 24 عامًا.
من المؤشرات الأخرى التي يجب مراقبتها بيانات الصادرات في كوريا الجنوبية، التي تُـظهِـر زيادة في صادرات شهر مارس/آذار بنسبة 16.6% مقارنة بذات الفترة من العام السابق ــ وهو أقوى نمو منذ عام 2018. تبشر هذه الأخبار الإيجابية على نحو شبه مؤكد بتسجيل بيانات تجارية قوية مماثلة في بلدان أخرى قريبًا. على نحو مماثل، ارتفع استطلاع الثقة بالأعمال الشهري الصادر في بلجيكا عن شهر مارس/آذار إلى مستويات أعلى من تلك المنشورة قبل الجائحة مباشرة. ويُـعـرَف عن هذا الاستطلاع أنه مؤشر رئيس قوي لأوروبا، نظرًا لدرجة الانفتاح التجاري العالية في بلجيكا.
من المنتظر أن نحصل على إشارة أخرى قريبًا مع إصدار أرقام الربع الأول في الصين، والتي من المتوقع أن تُـظهِـر نموَّ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بنسبة تصل إلى 18%. في مجموعها، تبشر هذه المؤشرات بربعين من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعًا للتضخم) القوي في مختلف أنحاء العالم.
لكن ماذا تعني هذه الأرقام حقًّا؟ تُـرى هل تعكس فقط التأثيرات الإحصائية للمقارنات السنوية، أو أنها تعبِّر عن إطلاق العنان للطلب المكبوت والذي قد يتلاشى بعد طرح اللقاحات وتخفيف عمليات الإغلاق؟
تتوقَّف الإجابة عن السياسات الاقتصادية. فإذا بدأ القلق يساور الحكومات والبنوك المركزية خشية أن تكون الظروف المالية والنقدية السخية غير مبررة، فقد تبدأ في إحكام القيود. وسوف يظل من غير الممكن التنبؤ بتحركات الأسواق المالية.
علاوة على ذلك، لا تمسُّ المخاوف في الأمد القريب التحديات البنيوية الأكبر مثل تغير المناخ، والتمويلات الحكومية، والتوترات الصينية الأميركية، وفجوات التفاوت. ومن التساؤلات الرئيسة هنا ما إذا كانت طفرة اليوم ستعود بالفائدة على أغلب الناس، وإلى أي درجة. تشير المؤشرات الدورية الحالية إلى أنَّ المكاسب ستعود على الأسر المتوسطة بقدر أكبر مما يعتقد الناس، على الأقل لفترة من الوقت.
على هذا، لا أظنُّ أنَّ الانتعاش في الأمد القريب سيكون مجرَّد ظاهرة إحصائية ناتجة عن القاعدة المنخفضة في عام 2020. فهو يعكس زيادة هائلة في المدخرات غير الطوعية، والتحفيز النقدي والمالي، وسخاء برامج الإنقاذ الموجهة. أمّا إلى أي مدى قد يدوم الانتعاش فسوف يتوقَّف على تركيبة معقدة من العوامل، بما في ذلك سرعة إنفاق المدخرات الشخصية، واستمرار (أو تعليق) الدعم الحكومي، والإشارات التضخمية، وسلوك الأسواق ــ والتي ستتأثر ذاتها بكل ما ورد أعلاه.
الغريب في الأمر، على الرغم من الأرقام الاقتصادية القوية، فإنَّ ظروف السوق أصبحت أكثر صعوبة منذ وصل الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. ربما تكون أسواق السندات أقرب إلى تكرار واقعة "الدب الأصغر" في عام 1994، وهو ما من شأنه أن يضيف المزيد من الحماس إلى الدوران القطاعي القوي الذي طرأ على الأسهم. لا نملك الآن إلا أن نأمل ألا يعود التضخم بقوة. ذلك أنَّ عودة التضخم القوي تثبت أن َّكلَّ الأخبار السارة التي تحدَّثنا عنها آنفًا كانت عابرة زائلة.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
جيم أونيل رئيس جولدمان ساكس لإدارة الأصول سابقًا، ووزير خزانة المملكة المتحدة الأسبق، ويشغل حاليًّا منصب رئيس تشاثام هاوس، وهو عضو لجنة عموم أوروبا المعنية بالصحة والتنمية المستدامة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org