التضخُّم الأميركي وجانبه الإيجابي
التضخُّم الأميركي وجانبه الإيجابي
إدوارد ن. وولف
نيويورك ــ في الآونة الأخيرة، بلغ القلق بشأن التضخُّم أشده، بين المواطنين والساسة على حد سواء. في الولايات المتحدة، بلغت الزيادة في أسعار المستهلك على أساس سنوي 7.5% في يناير/كانون الثاني، وهو أعلى معدل منذ فبراير/شباط 1982. إذا زادت دخول الناس بمعدل أقل من زيادة معدل التضخُّم، فإنَّ هذا يعني تناقص دخولهم الحقيقية، وعجزهم عن شراء ما كان بوسعهم أن يشتروه من قبل. هذا هو "تأثير الدخل" المترتب على التضخُّم.
لكن كما أوضحت في ورقة بحثية حديثة، لا يخلو التضخُّم من جانب إيجابي. في العقود الأخيرة، كان التضخُّم في حقيقة الأمر نعمة عظيمة لميزانيات الأسر الأميركية المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، وساعد بالتالي على التخفيف من الزيادة في اتساع فجوة التفاوت الإجمالية في الثروة.
هذا هو "تأثير الثروة" المترتَّب على التضخُّم، وهو يعمل على النحو التالي. لنفترض أنك تملك ما قيمته 100 دولار من الأصول وأنك مدين بعشرين دولارًا، هذا يعني أنَّ صافي ثروتك يعادل 80 دولارًا. افترض أيضًا أنَّ معدل التضخُّم يبلغ 5% سنويًّا وأنَّ القيمة الاسمية لأصولك تزداد بذات المعدل (تميل أسعار الأصول مثل المساكن إلى التحرُّك بما يتماشى مع التضخُّم). بهذا، تظلُّ قيمة أصولك بلا تغيير بالقيمة الحقيقية، لكن دَينك الآن أصبح أقل بنسبة 5%. أي إنَّ القيمة الحقيقية لصافي ثروتك يرتفع إلى 81 دولارًا، بزيادة قدرها 1.25%.
علاوة على ذلك، كلما ارتفعت نسبة الدَّين إلى الأصول، ازدادت النسبة المئوية للزيادة في صافي القيمة نتيجة للتضخُّم. هذا هو "تأثير الرافعة المالية": إذا كان دَينك في المثال السابق 40 دولارًا، بدلًا من 20 دولارًا، فإنَّ صافي ثروتك سيزداد بنسبة 3.3%.
في الولايات المتحدة، نجد أنَّ الطبقة المتوسطة ــ التي تُـعَـرَّفُ على أنها الأسرة المتوسطة ــ مثقلة بالديون أكثر من فاحشي الثراء (أعلى 1%). في عام 2019، كانت نسبة إجمالي ديون الأسر إلى إجمالي أصول الطبقة المتوسطة 36.5%، مقارنة بنسبة 2.3% فقط لأصحاب الثراء الفاحش. وبالتالي، فإنَّ الطبقة المتوسطة ستستفيد بالقيمة الحقيقية من التضخُّم أكثر من استفادة الأغنياء منه.
على نحو مماثل، نجد أَّن ديون الأسر من ذوي البشرة السوداء والأسر ذات الأصول الإسبانية في الولايات المتحدة أكثر استدانة من الأسر من ذوي البشرة البيضاء، حيث نسبة الدَّين إلى الأصول أعلى بنحو ثلاث مرات. بمقياس الثروة إذن، تكون استفادة هاتين المجموعتين من التضخُّم أكبر كثيرًا من الفائدة التي تعود منه على الأميركيين من ذوي البشرة البيضاء.
كانت إحدى السمات المميزة للسياسة النقدية الأميركية منذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين اعتدال التضخُّم، الذي بلغ في المتوسط 2.5% سنويًّا من عام 1983 إلى عام 2019 (الفترة التي درستها). وتزامنًا مع هذا الاتجاه، كان هناك ارتفاع في مستوى التفاوت في الثروة في الولايات المتحدة. لقياس هذا، استخدمت نسبة ثروة أعلى 1% على جدول توزيع الثروة إلى الثروة المتوسطة (أي ثروة الأسرة المتوسطة). وخلال الفترة من 1983 إلى 2019، تضاعفت هذه النسبة من 131.4، وهذا مستوى مرتفع بالفعل، إلى أكثر من 273.8.
ولكن على الرغم من ارتفاع مستويات التفاوت في الثروة إلى عنان السماء خلال هذه الفترة، كان التضخُّم في واقع الأمر عاملًا مخفَّفًا لأنه ساعد الطبقة المتوسطة أكثر مما ساعد أصحاب الثراء الفاحش. ولو كان معدل التضخُّم صِـفرًا، لكانت نسبة الثروة إلى التفاوت لترتفع إلى مستوى أعلى، لتصل إلى 385. بدلًا من ذلك، أدَّى تناقص قيمة الدَّين بسبب التضخُّم إلى زيادة بنسبة 76% في الثروة المتوسطة في الولايات المتحدة على مدار 36 عامًا.
ساعد التضخُّم أيضًا على تقليل (أو على الأقل الحد من) اتساع فجوات الثروة العِـرقية. على سبيل المثال سجَّلت النسبة الفعلية لمتوسط الثروة بين الأسر السوداء والأسر البيضاء انخفاضًا حادًّا من 0.19 في عام 1983 إلى 0.14 في عام 2019. لكن مع نسبة تضخُّم صِـفر، كانت النسبة لتنخفض إلى 0.06 فقط.
والقصة مماثلة عندما يتعلَّق الأمر بنسبة صافي الثروة المتوسطة بين الأسر اللاتينية والأسر البيضاء. فخلال الفترة من 1983 إلى 2019، ازدادت النسبة الفعلية من 0.16 إلى 0.19. ومع نسبة التضخُّم صِـفر، كانت لتتناقص إلى 0.14.
تُـرى ما هي العواقب المترتبة على هذه النتائج فيما يتصل بالسياسات؟ على وجه الخصوص، هل ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن يستمرَّ في محاولة كبح جماح التضخُّم، أو هل ينبغي له أن يتخذ موقفًا أكثرَ استرخاء؟ تتمثل إحدى طرق اتخاذ القرار في المقارنة بين تأثير الدخل المترتب على التضخُّم (وهو سلبي) وتأثير الثروة (وهو إيجابي). إذا كان تأثير الدخل أكبر، فيجب قمع التضخُّم. ولكن إذا كان تأثير الثروة أكبر، فيجب تشجيع بعض التضخُّم.
خلال الفترة من 1983 إلى 2019، كلف التضخُّم الأسرة الأميركية المتوسطة أقل من 50 ألف دولار من دخلها لكنه عزز الثروة المتوسطة بأكثر من 60 ألف دولار. وعلى هذا فقد فاق تأثير الثروة تأثير الدخل. في المقابل، عمل التضخُّم على خفض دخل فاحشي الثراء الحقيقي بنحو 600 ألف دولار، في حين زاد ثروتهم بأقل من 500 ألف دولار.
بالقيمة الصافية، عاد التضخُّم بالفائدة على الطبقة المتوسطة وأثر سلبًا على أصحاب الثراء الفاحش. كما ساعد على الحد من التفاوت العام في الثروة وفجوات الثروة الـعِـرقية. ينبغي لأولئك الذين يساورهم القلق إزاء الارتفاع الأخير في التضخُّم ــ بدءًا من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ــ أن يضعوا هذا في الاعتبار عندما يفكرون فيما إذا كان من الواجب عليهم أن يعملوا على كبح التضخُّم، وبأيِّ قدر.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
إدوارد ن. وولف أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب "قرن من الثروة في أميركا" (مطبعة جامعة هارفارد، 2017).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org