آسيا وقيادة مبادرات وجهود الحفاظ على المناخ العالمية
قبل عام، في أعقاب انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عادت التعددية مرة أخرى لتصبح القلب النابض للعمل المناخي العالمي. اتفق قادة مجموعة العشرين على أهداف مناخية أكثر طموحاً في الأمد القريب على الطريق إلى تحقيق هدف خفض الانبعاثات إلى صافي الصفر بحلول منتصف القرن، وتعهدوا بإنهاء إعانات دعم الوقود الأحفوري غير الفعّالة، والتعاون لنشر الطاقة النظيفة للتخلص تدريجياً من الفحم بسرعة أكبر، كما عكس استعداد الصين والهند لمعالجة قضية الوقود الأحفوري وعياً متزايداً بالمخاطر التي تهدد الاقتصاد الكلي نتيجة لمقاومة التحول إلى الطاقة النظيفة.
كانت هذه النتائج شديدة الأهمية في تقديم سلسلة من المبادرات الجديدة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ العام الماضي في غلاسكو «مؤتمر الأطراف 26»، التي كانت مكرسة «للحفاظ على هدف الدرجة ونصف الدرجة المئوية سارياً»، بما يتماشى مع هدف اتفاقية باريس للمناخ، المتمثل في الحد من الزيادة في درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية نسبة إلى متوسط ما قبل الصناعة. وقد ساعدت أيضاً في تمهيد الساحة لميثاق غلاسكو للمناخ التاريخي، الذي يلزم كل دولة بخفض استخدام الفحم الذي يجري الآن بلا هوادة.
أصبحت الظروف الجيوسياسية والاقتصادية أقل ملاءمة بدرجة كبيرة، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مع تراجع دول مجموعة السبع عن تعهداتها بإنهاء الاستثمار في الوقود الأحفوري نتيجة لذلك. سوف تهدأ التوترات المتصاعدة اليوم بين الولايات المتحدة والصين بعض الشيء، كما نأمل، بفعل الاجتماع الثنائي بين بايدن والرئيس شي جين بينغ في بالي، لكن التوصل إلى نتيجة قوية لن يكون سهلاً.
ومن المعلوم أن دول مجموعة العشرين مسؤولة عن نحو 80 % من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، لذلك ينبغي أن يكون هناك انسجام مع النتيجة النهائية لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «مؤتمر الأطراف 27» لهذا العام، (الذي اختتم أعماله في مصرأول من أمس). الواقع أن البلدان الأكثر عُرضة للخطر في العالم، والتي تدعو إلى العدالة المناخية وتطالب بأن يتحمل كبار المسؤولين عن الانبعاثات تكاليف دعم تحولها وسبل معايشها، هيمنت بالفعل على الوقائع في شرم الشيخ.
لهذا السبب، ربما يكون الكفاح ضد تغير المناخ اللحظة الموحِّدة التي تحتاج إليها مجموعة العشرين. ومن الواضح أن أعضاء مجموعة العشرين من آسيا يمكنهم الاضطلاع بدور بالغ الأهمية في ذلك.
بدلاً من التراجع عن العمل المناخي خلال الأزمات المتواصلة والمتفاقمة من العام الماضي، عملت الاقتصادات الآسيوية على تعميق عزمها، إذ تتصدر الدول الآسيوية الرئيسية المصدرة للانبعاثات الآن القائمة الصغيرة التي تضم البلدان التي استجابت فعلياً لدعوة ميثاق غلاسكو للمناخ لزيادة طموحاتها المناخية في عام 2022، فقد عززت الهند، وإندونيسيا، والإمارات العربية المتحدة، وفيتنام، والحكومة الجديدة في أستراليا أهدافها. وفي حين تتجلى الحاجة إلى طموحات أعظم في ما يتصل بالالتزامات بحيث تتماشى مع هدف اتفاقية باريس (عدم تجاوز الزيادة في درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية)، فإن الزخم الإقليمي يتحرك في الاتجاه الصحيح.
تحرص آسيا على التحرك لأنها تدرك أن هذا هو المنطق السليم في التعامل مع السياسيات. يُظهر البحث الذي أجري بتفويض من لجنة السياسات الرفيعة المستوى بشأن الوصول إلى صافي الصفر في آسيا التي ننتمي إليها أن العمل المناخي الأكثر طموحاً عظيم الفائدة في تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة. إذا نفذت المنطقة بالكامل الأهداف المناخية التي حددتها في «مؤتمر الأطراف 26» فسوف يعزز هذا نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5.4 % بحلول عام 2030، في حين يعمل أيضاً على خلق مزيد من الوظائف الجديدة، وخفض تكاليف الطاقة، وتعزيز أمن الطاقة. هذا أمر بالغ الأهمية للحكومات التي تتطلع إلى الهروب من فخ التضخم وارتفاع أسعار الطاقة.
تدرك الاقتصادات النامية أيضاً أن اعتناق التحول الأخضر من الممكن أن يساعد في تعبئة المبالغ الهائلة من الاستثمارات اللازمة لتحويل الخطاب إلى واقع. على سبيل المثال، كانت سريلانكا وبنغلاديش بين البلدان التي نشرت «خطط ازدهار المناخ» التي يمكنها، إذا وجدت التمويل، أن تعمل على تعزيز القدرة على الصمود، والحد من الفقر، وقيادة النمو الاقتصادي.
على نحو مماثل، من المتوقع أن تعلن إندونيسيا وفيتنام عن «شراكات انتقال الطاقة العادلة» الجديدة، في محاكاة لنموذج تعهدت بموجبه البلدان المتقدمة بمنح جنوب أفريقيا 8.5 مليارات دولار العام الماضي لتمكينها من الخروج بشكل أسرع من الاعتماد على الفحم والعمل في ذات الوقت على حماية سبل عيش العاملين في مجال الوقود الأحفوري. إن الإرادة السياسية واليقين بشأن السياسات من الأدوات القوية الكفيلة بإطلاق العنان لتدفقات رأس المال من الدول المانحة الغنية، وإزالة مخاطر التمويل الخاص، وفتح موارد محلية جديدة.
الآن، تجد آسيا نفسها مكلفة بوظيفة تعددية بالغة الأهمية في وقت حرج، فقد تسلمت الهند رئاسة مجموعة العشرين من إندونيسيا، وسوف تستضيف اليابان قمة مجموعة السبع العام المقبل، كما ستستضيف الإمارات العربية المتحدة، كجزء من مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، «مؤتمر الأطراف 28» للمناخ العام المقبل. الأمر ببساطة أن العمل المناخي من الممكن أن يشكل القاسم المشترك الذي يساعد في إعادة بناء الإجماع لصالح التعددية.
من الممكن أن تبدأ مجموعة العشرين بالسعي إلى إيجاد التزام موحد بين البلدان الأعضاء بالعمل المناخي بوصفه محركاً للتعافي الاقتصادي والنمو. بعد الهند، ستنتقل رئاسة مجموعة العشرين إلى البرازيل، وهذا يعني ضمناً فرصة فريدة لتحديد كيف قد يبدو هذا من منظور اقتصادات ناشئة كبرى. الواقع أن الدول بحجم إندونيسيا والهند والبرازيل من الممكن أن تؤكد الفوائد التي ستعود على الجميع من خلال تعميق التعاون وتعزيز أواصره.
تتمثل طريقة أخرى يمكن أن تقودها مجموعة العشرين في رفع أجندة بريدجتاون التي أيدتها رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي لتوفير السيولة الطارئة، وتوسيع الإقراض المتعدد الأطراف، وتعبئة القطاع الخاص جزئياً من خلال السعي إلى إصدار جديد من حقوق السحب الخاصة (الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الدولي) بقيمة 650 مليار دولار. يتطلب النهوض بأجندة بريدجتاون الإرادة السياسية من المقرضين والمساهمين الأكثر قوة في العالم.
تحت قيادة الهند العام المقبل، ينبغي لمجموعة العشرين أن تسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة. قد يشمل هذا ابتكار مخطط أولي لأنظمة الطاقة الحديثة المرنة، وتحديد الخطوط العريضة لبنية سياسات أساسية داعمة لتكنولوجيات المناخ الحرجة، مثل الهيدروجين الأخضر، وتخزين البطاريات، وجعل تمويل المناخ يعمل لصالح كل البلدان النامية. بوسع الهند أيضاً أن تستخدم كتلة مجموعة السبع والسبعين للاقتصادات النامية رائداً لضمان تلبية مجموعة العشرين احتياجات الدول الأكثر عُرضة للخطر في العالم.
الواقع أن التعددية تعيش على أجهزة دعم الحياة في وقت تشكل فيه أهمية بالغة لبقاء البشرية. من خلال وضع العمل المناخي في صميم جهودها لإعادة بناء الإجماع وتنشيط التعددية، ستفتح الدول الآسيوية نافذة الفرصة أمام العالم لمنع كارثة المناخ، وسوف تحفز أيضاً قدرتها على الاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي يوفرها التحول الأخضر.
* رئيس وزراء أستراليا الأسبق ومؤسس قمة قادة مجموعة العشرين، وهو رئيس جمعية آسيا والمسؤول عن عقد اجتماعات لجنة السياسات الرفيعة المستوى بشأن الوصول إلى صافي الصفر في آسيا.
** أمين عام الأمم المتحدة سابقاً، يشغل حالياً منصب نائب رئيس منظمة الحكماء، وهو عضو لجنة السياسات الرفيعة المستوى بشأن الوصول إلى صافي الصفر في آسيا.