"آسيان" يجب أن تقود جهود تعزيز التنوع البيولوجي
توني لافينيا
مانيلا ــ كَـشَـفَـت التأثيرات المتزامنة المترتبة على جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وتغير المناخ عن نقاط ضعف عميقة تعيب منطقة جنوب شرق آسيا. في البلدان الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تسببت الجائحة في تحويل المستشفيات إلى مستودعات للجثث في ذات الوقت الذي حولت فيه الكوارث الطبيعية المجتمعات الساحلية إلى مسطحات طينية خَـرِبة. لتحسين المرونة الإقليمية وتعزيز النمو المستدام، يجب أن يركز التعافي في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 ليس فقط على إزالة الكربون، بل وأيضًا على حماية الطبيعة.
في مختلف أنحاء المنطقة، تظلُّ الطبيعة في صومعة السياسات، ونادرًا ما تظهر أهمية التنوع البيولوجي، على وجه الخصوص، بصورة بارزة في خطط التنمية الاقتصادية. يوفر التنوع البيولوجي الغذاء، والماء، والمأوى، والدواء. وهو يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتثبيت استقرار المناخ، ومن الممكن أن يساعد البشرية على التكيف مع بيئة متغيرة. مع ذلك، لا يذكر إطار رابطة دول جنوب شرق آسيا للتعافي الشامل التنوع البيولوجي سوى مرة واحدة ــ في إحدى حواشيه. وما لم يتغير هذا النهج، فإنَّ دول رابطة آسيان تجازف بإهدار مليارات الدولارات من أموال التنمية على تدابير تفشل في معالجة السبب الجذري وراء مشكلاتنا الحالية.
لكي يتسنى لها قيادة منطقتنا إلى التعافي، وتعزيز قدرتها على الصمود، ودعم التنمية المستدامة للأمد البعيد، يتعيَّن على بلدان رابطة آسيان أن تلتزم بخطة 30/30 لحماية الطبيعة. تُـعَـدُّ هذه المبادرة، التي تسعى إلى صيانة 30% من اليابسة والمحيطات على الأرض بحلول عام 2030، عنصرًا أساسيًّا في الإطار العالمي للتنوع البيولوجي المقترح، الذي من المقرر إبرامه بمشاركة 196 دولة في وقت لاحق من هذا العام، والذي يحظى بدعم تحالف الطبيعة والناس العالي الطموح. وقد وقعت 70 دولة على التحالف العالي الطموح، لكن كمبوديا هو الدولة الوحيدة في رابطة آسيان بين هذه الدول.
تشكل منطقة جنوب شرق آسيا 3% فقط من كتلة اليابسة على الأرض، لكنها تحتوي على ما يقرب من 20% من التنوع البيولوجي في العالم. على مدار السنوات العشرين الأخيرة، اكـتُـشِـف أكثر من 2000 نوع في منطقة آسيان، وتعدُّ ثلاث دول في الرابطة ــ إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين ــ من الدول "الشديدة التنوع"، حيث تضمُّ مجموعة متنوعة من الأنواع المماثلة لتلك في الغابات المطيرة في منطقة الأمازون وحوض نهر الكونغو. تحتوي المنطقة على نحو 60% من أراضي الخث الاستوائية في العالم وتضمُّ أكثر الشعاب المرجانية اتساعًا وتنوعًا على مستوى العالم، حيث تمثل 28% من الإجمالي العالمي. ويُـعَـدُّ المثلث المرجاني مركزًا عالميًّا للتنوع البيولوجي البحري.
ورغم أنَّ دول رابطة آسيان اتخذت خطوات لحماية هذا الإرث الطبيعي، بما في ذلك إنشاء متنزهات آسيان التراثية ومناطق بحرية محمية، فإنَّ المخاطر في تزايد مستمر. في عام 2017، أفـاد مركز آسيان للتنوع البيولوجي أنَّ المنطقة تقترب من خسارة 70% إلى 90% من موائلها ونحو 13% إلى 42% من الأنواع بحلول عام 2100.
ربما يمكننا أن نعزو بعض هذه الخسارة إلى تغير المناخ، لكن البنية الأساسية لدعم النمو السكاني تشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا. الواقع أنَّ عدد سكان منطقة آسيان ازداد بنحو 72% خلال الفترة من 1980 إلى 2017. وكان تطهير المناطق لتطوير الزراعة والإسكان سببًا في تفتيت الموائل، وتستمر عمليات قطع الأشجار والتعدين في التعدي على المناطق البرية بمعدل سريع. وكما لاحظ تقرير توقعات التنوع البيولوجي الثاني الصادر عن رابطة آسيان فإنَّ: "إنتاجية البحيرات والأنهار والأراضي الخث في المنطقة تستمر في التدهور". ورغم أنَّ "المناطق الساحلية والبحرية تُـعَـدُّ مصادر أساسية للغذاء لملايين من سكان المنطقة... تشير الدراسات إلى أنَّ أغلب البحار في المنطقة تعاني من الصيد الجائر والتدهور، مما يهدد الصحة البحرية والأمن الغذائي".
ربما لا نقدر بشكل كامل قيمة التنوع البيولوجي في دعم جهود التنمية. وربما لا نقدر أيضًا الدور الذي يمكننا أن نضطلع به في الحفاظ عليه.
من خلال تبني هدف 30/30، يصبح بوسع بلدان رابطة آسيان أن تدفع بمصادر جديدة للتمويل المستدام نحو تدابير حماية الطبيعة التي تربط الممرات الإيكولوجية على طول مستجمعات المياه والمشهد البحري المتكامل. كما يمكن إنشاء هذه الممرات عبر الحدود لحماية التركيزات الحيوية للأنواع في الغابات الغنية بالكربون والأراضي الخث، والحياد البحرية المرجانية، وقيعان البحار العميقة. وبوسعنا أن نعمل على تمكين السكان الأصليين والمجتمعات المحلية كأوصياء على المناطق الطبيعية التي لا تزال سليمة لكنها في تضاؤل مستمر. وهذا من شأنه أن يعيننا على مكافحة الاتجاه الإقليمي نحو توسيع فجوات التفاوت وتكريم الرعاة الحقيقيين للطبيعة بمنحهم القدر المستحق لهم من الاحترام ــ والحقوق.
في موطني الأصلي الفلبين، استغرق الأمر ست سنوات لتأمين حالة الحماية لمسار واحد من الموائل الحرجة في جزيرة بالأوان المعروفة بمسمّى "إبرة كليوباترا". لتأكيد حجتنا، قمنا بتوثيق كل سنتيمتر من الأرض وكل الأنواع من التربة إلى السماء. كما عملنا بشكل وثيق مع شعب باتاك، الذين عاشوا بشكل مستدام على تلك الأرض لقرون من الزمن. ومن الممكن أن يشكل هذا المثال نموذجًا لما يمكن إنجازه. لكن هذه العملية يجب أن تكون أسرع لحماية 30% من الموائل الحرجة على كوكب الأرض وبالتالي ضمان استمرارية الحياة على بقية الأرض.
توضح حالة أخرى من الفلبين كيف يمكننا توفير الفوائد عند وقوع الكوارث من خلال الحفاظ على الطبيعة. تمَّ إنشاء المتنزه البحري في بلدية بيلار في عام 2005، وبعد أربع سنوات من الإدارة اليقظة، انتعشت أعداد الأسماك المتدهورة في المنطقة، وانتشرت إلى المياه المجاورة، حيث يستخدم السكان المحليون أساليب الصيد التقليدية. وقد ساعد المتنزه البحري على درء الجوع عندما ضرب إعصار هايان المنطقة في عام 2013 وتسبَّب في عزل المجتمعات هناك عن المساعدات الغذائية. وكانت الأسماك لا تزال مزدهرة عندما اندلعت جائحة كوفيد-19 وتسبَّبت عمليات الإغلاق في تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي.
كشفت الجائحة عن الروابط العميقة بين الطبيعة، والكوارث، والتنمية، ويجب أن تكون حماية التنوع البيولوجي جزءًا من التعافي الاقتصادي بعد الجائحة. ونظرًا للمخاطر الكبرى التي تهدد منطقة آسيان، يتعين علينا أن نضطلع بدور أساسي في هذه العملية، فنتولى قيادة حملة 30/30 كجزء من التحالف العالي الطموح.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
توني لافينيا المدير المعاون لسياسة المناخ والعلاقات الدولية في مرصد مانيلا في الفلبين.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org