أفريقيا ومواجهة تغير المناخ
أهونا إيزياكونوا * ــ ماكسويل جوميرا* *
يتعين على قادة العالم، الآن، أن يشرعوا في إظهار عزيمة كبيرة في تعزيز جهود مكافحة تغير المناخ، الذي يهدد بإحداث أضرار أكبر كثيراً. نحن نعلم بالفعل ماذا يستلزم هذا المسعى: التحول إلى اقتصاد صافي الانبعاثات الكربونية صِـفر أو اقتصاد منخفِض الانبعاثات الكربونية ومدعوم بالطاقة المتجددة. إن بناء أسواق كربون فعّالة تشارك فيها البلدان الأفريقية بنشاط من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو تحقيق هذه الغاية.
برغم أن أفريقيا تمثل أقل نسبة من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مستوى العالم، فإن اقتصاداتها السريعة النمو، وطموحاتها التنموية الجريئة، وتزايد عدد سكانها بسرعة يعني أن استخدامها للطاقة سيزداد بشكل كبير في العقود المقبلة. وعلى هذا فإن ضمان توافق مسار التنمية في القارة مع انتقال الطاقة العادل يُـعَــد ضرورة أساسية لتحقيق أهداف المناخ العالمية.
سوف تكون هذه المهمة باهظة التكلفة. في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في أفريقيا وحدها، سيكلف الانتقال إلى الصفر الصافي ما يقدر بنحو 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. ومن غير الممكن أن نتوقع من مساعدات التنمية الرسمية ــ التي كانت في انحدار حتى قبل أن تفرض جائحة كورونا ضغوطاً إضافية على ميزانيات البلدان المانحة ــ أن تغطي ببساطة هذه التكاليف. بل نحن في احتياج إلى تمويل جديد مبتكر للعمل المناخي.
هنا يأتي دور أسواق الكربون الجديرة بالثقة والـفَـعّـالة. تفتح أسواق الكربون التمويل للانتقال إلى الصفر الصافي من خلال تحديد سقف للانبعاثات التي يمكن أن تصدرها الدول أو الشركات. إذا كانت جهة مصدرة للانبعاثات راغبة في تجاوز الحد المقرر لها، فيجب أن تشتري تصاريح أو أرصدة متولدة عن مشاريع خفض الانبعاثات.
في السنوات الأخيرة، اكتسبت أسواق الكربون ثِـقَـلاً كبيراً، حيث يغطي شكل ما من أشكال تسعير الكربون ما يقرب من 23% من الانبعاثات العالمية. كما أن قيمة تراخيص ثاني أكسيد الكربون المتداولة سجلت ارتفاعاً شديداً بنحو 164% في عام 2021، لتصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 851 مليار دولار.
لكن سوق الكربون العالمية لا تزال فوضوية ومتقلبة. فقد يتراوح السعر من أقل من 10 دولارات للطن من مكافئ ثاني أكسد الكربون إلى أكثر من 100 دولار لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. تتغذى هذه التقلبات على أهداف وسياسات المناخ المتغيرة، والمصاعب الاقتصادية، وحالة عدم اليقين الناجمة عن أزمات مثل جائحة «كوفيد 19»، والحرب الدائرة في أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط والغاز، والمضاربة المتنامية في سوق الكربون.
يتسبب العجز عن توقع اتجاهات الأسعار في جعل مشاركة البلدان الأفريقية الأدنى دخلاً، حيث الأموال والقدرات الفنية محدودة، في حكم المستحيل. ونتيجة لهذا، تُـرِكَـت أفريقيا بالكامل على هامش أسواق الكربون العالمية إلى حد كبير.
الواقع أن هذه الحال من غير الممكن الدفاع عنها ــ وليس فقط بسبب استهلاك الطاقة المتوقع في أفريقيا في المستقبل. إن الأنظمة البيئية في أفريقيا تخزن كميات هائلة من الكربون. إذ تـمـتـص الأشجار في حوض نهر الكونغو نحو 1.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام. وتخزن أعلى الغابات الجبلية في أفريقيا كمية أكبر من الكربون لكل هكتار مقارنة بمنطقة الأمازون.
هذا أكثر بأشواط من كل الافتراضات سابقاً، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى آليات أفضل لحساب كميات الكربون المختزنة في الغابات والتربة. (يعادل الكربون العضوي المختزن في التربة ما يقرب من ثلاثة أمثال الكمية الموجودة منه في النباتات الحية).
لكن أفريقيا تفتقر بدرجة كبيرة إلى المهارات والتكنولوجيات اللازمة لإجراء مثل هذه الحسابات، والتي من شأنها أن تمكن أفريقيا من الاستفادة مالياً من مشاريع الغابات واستعادة الأراضي، وغير ذلك من مبادرات التخفيف من آثار تغير المناخ. علاوة على ذلك، من غير الممكن أن تنتج أسعار الكربون المنخفضة والتي لا يمكن التنبؤ بها القدر الكافي من التمويل لتغطية تكلفة اكتساب القدرة اللازمة. إن أفريقيا في احتياج إلى مرافق تمويل أكثر قوة للعمل المناخي، مدعومة بالتعاون بين الحكومات، وعبر الأقاليم، في أسواق الكربون.
أثبت مثل هذا التعاون فاعليته في أماكن أخرى. منذ إطلاقه في عام 2005، تنامى نظام مقايضة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي ليغطي ما يقرب من نصف الانبعاثات الأوروبية. كما ساعد الاتحاد الأوروبي الصين على تطوير نظام خاص بها لمقايضة الانبعاثات، والذي بدأ التداول العام الماضي. كما يعمل كل من الاتحاد الأوروبي والصين على ربط أسواق الكربون لديهما بأسواق الجيران الإقليميين ــ الاتحاد الأوروبي مع سويسرا، والصين مع بلدان جنوب شرق آسيا ــ وبالتالي الحد من تشدد الجهود وتعزيز الفعالية.
يتعين على الدول الأوروبية أن تعكف على إطلاق تعاون مماثل في أسواق الكربون مع نظيراتها في أفريقيا. وهذا يحدث الآن بالفعل بدرجة ما: تدير رواندا والسويد المراحل الأولى من التفاوض بشأن تسهيلات تمويل العمل المناخي بين الحكومات. لكن الأمر يتطلب بذل المزيد من الجهد، حيث تعمل الكيانات الأوروبية الأكبر حجماً على توجيه الاستثمار، استناداً إلى سعر الكربون المتميز، إلى صندوق مناخي لأفريقيا.
هذا النهج من شأنه أن يخلق حالة من اليقين ويحمي جميع الأطراف من تقلبات الأسعار، مما يؤدي بالتالي إلى تمكين البلدان الأفريقية المشاركة من تمويل الانتقال إلى الطاقة النظيفة في حين تعمل على توليد تعويضات كربونية ضخمة لصالح الشركات الأوروبية. على سبيل المثال، من الممكن أن يساعد مثل هذا المرفق في تمويل الجهود الطموحة التي تبذلها رواندا لتقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 38% بحلول 2030 (مقارنة بالعمل كالمعتاد) ــ وهو الهدف الذي سيتكلف تحقيقه نحو 11 مليار دولار.
أثبتت رواندا بالفعل قدرتها على ترجمة مثل هذا التمويل إلى تقدم ملموس. فقد استخدمت الاستثمارات في الصندوق الأخضر الوطني لديها FONERWA، لاستعادة أكثر من 100 ألف هكتار من الأنظمة البيئية المتدهورة، وإنشاء أكثر من 176 ألف وظيفة لائقة، وتزويد أكثر من 88 ألف أسرة بالقدرة على الوصول إلى الطاقة المتجددة خارج الشبكة، بين مشاريع أخرى.
الواقع أن مرافق تمويل العمل المناخي بين الحكومات من الممكن أن تعمل على تعزيز نمو شركات الطاقة النظيفة المبدعة، وخلق المزيد من الوظائف المجزية في القطاعات المستدامة، والإبقاء على الكربون مختزناً داخل الأرض، وتمكين أفريقيا من تطوير قدراتها الفنية. وتقدم أسواق الكربون بين الحكومات للبلدان ذات الانبعاثات العالية الوسيلة للوفاء بتعهدات المناخ التي بذلتها بموجب اتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015 دون الاعتماد على نهج يركز على المساعدات. وهذا من شأنه أن يجعلها ضرورة أساسية لتجنب الكارثة المناخية.
* الأمين العام المساعد ومدير المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفريقيا
**كبير زملاء أصوات أسبن الجديدة، وهو ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في رواندا