الاحتباس الحراري وأهمية خطط التبريد
هناك حاجة لبذل المزيد من الجهد. فقد أظهر إطلاق التحالف العالمي للطاقة من أجل الناس والكوكب، الذي بلغت قيمته 10 مليارات دولار، أن المجتمع الدولي لا يزال قادراً على حشد جهود كبرى للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. ويظل نشر مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين الوصول إلى الطاقة النظيفة، هدفين حيويين. ولكن بناء القدرة على الصمود في مواجهة الحرارة، وتنفيذ حلول التبريد المستدامة، أصبح أيضاً من الأولويات الملحة. ويجب أن نتخذ خطوات الآن، تساعدنا على تبريد مدننا الأعلى حرارة.
يشتد الحر حين تشتد أشعة الشمس، وينطبق هذا على عناوين الأخبار لهذا العام، ونذكر منها ما يلي: «إسبانيا تتحمل موجة حارة قياسية»، و«موجة حر مدمرة في جنوب آسيا»، و«تكساس تحطم الرقم القياسي في درجات الحرارة»، و«هل يمكنك، بعد الآن، أن تصف الحرارة القاتلة على أنها «شديدة»؟».
لقد لفتت هذه التغطية العالمية الانتباه إلى تحدٍ هائل، سينمو من حيث النطاق والخطورة. إذ ليس هناك مكان تشتد فيه الحاجة إلى اتخاذ إجراءات الحد من الاحترار أكثر من مدننا، حيث يمكن أن تؤدي الشوارع، والمباني، والصناعات، والسيارات، إلى زيادة درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، ما يجعل أفقر الناس في العالم عرضة للمخاطر أكثر من غيرهم.
إن البحث جارٍ عن حلول لهذه المشكلة، لكنه يحتاج إلى اكتساب الزخم. إذ في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 26»، الذي انعقد العام الماضي، أصدر تحالف Cool، وهو شراكة تضم 120 منظمة، بقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بما في ذلك منظمة RMI، دليلاً شاملاً للتبريد الحضري المستدام. وفي «دافوس»، أطلق تحالف Cool ومركز مرونة مؤسسة Adrienne Arsht- Rockefeller، الشهر الماضي، منصة على الإنترنت، للعمل من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة. وتسهل هذه المنصة على صانعي السياسات والمخططين، تحديد الحلول التي تتسم بقدر أكبر من الأهمية.
ومن أجل السيطرة على المشكلة، سيحتاج قادة البلديات إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، بما في ذلك اعتماد تصميم حضري أكثر ذكاء. ويمكن لهذا التصميم أن يساعد في مواجهة انتشار الأمراض والأوبئة مثل "كورونا"، كما يوفر جذب الهواء البارد نحو أرجاء المدينة، ويمكن للمخططين والمطورين توجيه الشوارع، وارتفاعات البنايات، في اتجاه يتناسب مع الرياح السائدة، وتطوير المساحات الخضراء والزرقاء التي توجد في مواقع استراتيجية. ويمكنهم أيضاً توفير المزيد من ممرات الراجلين المظلَلَة، ليستعملها المشاة وراكبو الدراجات، ودراسة مشاريع متطورة ومتنوعة ومتعددة الاستخدامات، تساعد على تبريد المناطق بصورة فعالة.
كما أن غرس المزيد من الأشجار في الأدغال الخرسانية، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً. إذ يمكن أن تكون الغابات والمتنزهات الحضرية أكثر برودة بمقدار 7 درجات مئوية، مقارنة مع الأحياء الخالية من الأشجار، ويمكن أن يكون الشارع الذي تصطف على جانبيه الأشجار، أكثر برودة بمقدار 3 درجات مئوية، مقارنة مع شارع بدون أشجار. وتجني المدن، بما في ذلك «فريتاون» و«أثينا» و«ملبورن» و«ميلانو»، بالفعل، ثمار استخدامها للطبيعة الحضرية في نظام التبريد- وهي آلية تعمل أيضاً على تحسين إدارة مياه العواصف، وعزل الكربون، وزيادة التنوع البيولوجي، وتوفر متنفساً للترويح.
وهناك إجراء منطقي آخر، يتمثل في إعادة تصميم مدننا بطريقة تمكنها من إطلاق الحرارة، بدلاً من امتصاصها. إذ يمتص الطريق الإسفلتي النموذجي، ما يصل إلى %95 من ضوء الشمس الذي ينعكس عليه، وتمتص الطرق والأرصفة الخرسانية، ما يصل إلى %75. وتُضر هذه الأسطح الحارقة بالعاملين الذين يمارسون أنشطتهم في الهواء الطلق، والذين لا يملكون سيارة شخصية، والفقراء الذين يعيشون في الأحياء التي تكثر فيها هذه الطرق. وباستخدام مواد البناء ذات الألوان الفاتحة، التي تزيد من انعكاس هذه الأسطح بنسبة 10 ٪ فقط، يمكننا التقليل من درجات الحرارة بنسبة تصل إلى 5 درجات مئوية- وهو فرق قد يكون منقذاً للحياة.
كما أن التحسين من جودة المباني، يعتبر حلاً أيضاً. إن تبريد مبنى سيئ التصميم بجهاز تكييف الهواء، يشبه وضع دلو يتسرب منه الماء تحت صنبور المياه. وبالمقابل، يمكن أن يقلل تصميم المبنى الجيد من الحاجة إلى جهاز تكييف الهواء تماماً. فعلى سبيل المثال، «الأسطح الباردة» ذات الألوان الفاتحة والعاكسة غير مكلفة، ويمكن أن ترفض %90 من الطاقة الحرارية التي تنعكس عليها، ما يحدث فرقاً كبيراً، حتى عندما لا تكون التدابير الأخرى عملية، كما هو الحال في السكن العشوائي.
إن تدابير كفاءة البناء السلبية، مثل التوجيه، والعزل، والانعكاس.. ليست بالشيء الجديد. ولكن يجب أن نكون أكثر طموحاً، عندما نسُن قوانين البناء، ونضع معايير الأداء، وأن نستثمر في القدرة المؤسسية لفرضها.
وفضلاً عن ذلك، يمكن جعل أجهزة تكييف الهواء، أكثر ملاءمة للمناخ في الأماكن التي تستخدم فيها. وفي ظل الظروف الراهنة، تعتبر هذه الأجهزة عاملاً حيوياً لتمكين الإنتاجية، ومصدراً رئيساً للحرارة والانبعاثات في المناطق الحضرية. وبحلول عام 2050، يمكن أن تستهلك وحدات التكييف نفس القدر من الطاقة التي تستهلكها حالياً الاقتصادات الأمريكية والألمانية واليابانية مجتمعة. إن جهاز التبريد الأكثر شيوعاً، يسبب الاحترار العالمي أكثر من ثاني أكسيد الكربون 2000 مرة تقريباً. وبناء على ذلك، يحتاج المنظمون إلى وضع معايير تستبعد الوحدات رديئة الجودة من السوق، ويجب على القطاعين العام والخاص، العمل معاً في حملات التسويق، وحلول التمويل، والحوافز، لدفع المشترين لاقتناء منتجات صديقة للمناخ.
ويجب أن يفكر المخططون والمطورون الحضريون أيضاً، في نُظم التبريد المركزي التي تُستخدم في العديد من المباني بمحطة تبريد واحدة. ونظراً لأن هذه النُظم يمكن أن توفر كفاءات الحجم دون تسخين هواء المدينة، كما تفعل وحدات التكييف الفردية، فيجب أن تكون الخيار التكنولوجي الافتراضي في التطورات التجارية الجديدة والمتعددة الاستخدامات، والوحدات البلدية والحرم الجامعي.
وأخيراً، يجب أن ينظر صانعو السياسات في بعض المدن، في خيارات الملاذ الأخير لحماية الفئات الأضعف. وفي الهند، يمزح الناس قائلين، إن سبب طول أفلام «بوليوود»، هو أن صانعي الأفلام يريدون منح الناس فرصة لقضاء أربع ساعات في مسرح مكيف. ولكن موجة الحر المدمرة التي شهدتها البلاد ربيع هذا العام، أظهرت أن قيمة المساحات الباردة لم تعد مزحة.
وستحتاج المدن في المناطق المعرضة للحرارة الشديدة، إلى الاستثمار في مجموعة من المساحات العامة، التي يمكن أن تصل إليها الفئات الأضعف، عندما تتجاوز الحرارة والرطوبة عتبة البقاء على قيد الحياة، وقد تكون هذه المساحات دور السينما، أو مراكز التسوق، أو المدارس، أو أماكن العبادة، أو حمامات السباحة، أو الحدائق، أو مراكز العبور، أو مراكز مخصصة للتبريد. إن توليد الطاقة الاحتياطية، ومياه الشرب، والإمدادات الطبية، ومواد التثقيف بشأن العلاقة بين الصحة والحرارة، والموظفين المدربين، كلها عوامل من شأنها أن تزيد من فوائد هذه المساحات في حالات الطوارئ.
ويمكن القول إن الحرارة الشديدة، هي أكبر قضية نواجهها في ما يتعلق بالعدالة المناخية. إذ يعيش معظم سكان الحضر، والذين يتعرضون الآن للحرارة الشديدة، في مدن سريعة النمو في البلدان الفقيرة، ويفتقر معظمهم إلى المباني والسيارات المكيفة، التي يعتبرها الناس في الاقتصادات المتقدمة من المسلمات. ويجب أن يكون حل هذه التفاوتات، أولوية عالمية قصوى. وقد بدأ تحالف Cool في دراسة الحلول في الهند، حيث طورت الحكومة بالفعل أول خطة عمل وطنية للتبريد في العالم، يلتزم بموجبها قادة الولايات والمدن، التزاماً قوياً بمواجهة خطر الحرارة الشديدة.