الحسابات المناخية ونتائج التعاون الدولي في إزالة الكربون
بريت فليشمان
التطورات الأخيرة ولّدت زخماً لإحراز تقدم مهم على صعيد حماية المناخ وجعل الأمر قضية ومسؤولية مجتمعية ودولية شاملة. وقد أصدر علماء المناخ تحذيرات تزداد شدة بشأن ما ينتظرنا إذا أخفقنا في إزالة الكربون بوتيرة سريعة. وبالنظر إلى التحذيرات والتأثيرات المتسارعة لتغير المناخ، فمن المنطقي أن يتوقع المستثمرون تشريعات أكثر صرامة بشأن الكربون، ودعماً عاماً لمصادر الطاقة المتجددة في المستقبل القريب. وستكون لهذه السياسات تداعيات اقتصادية كبيرة في العديد من مناطق العالم. وستكون جزءاً من تحول عالمي أكبر يعمل بالفعل على تحويل اقتصاداتنا في الاتجاه الوحيد المستدام الذي يؤدي إلى الحياد الكربوني.
وإذا أرادت البنوك أن تظهر جدارتها بالثقة، وجديتها بشأن المخاطر التي تواجهها، هي وحَمَلة أسهمها، فسوف تستخدم موسم الاجتماعات السنوية العامة لتعزيز قرارات المناخ، وإزالة التوسع في الاستثمار في الوقود الأحفوري من جداول أعمالها.
قدمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في أحدث تقييم لها، مخططاً شاملاً لما سيتطلبه الإبقاء على الاحترار العالمي في مستوى أقل من 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، اتساقاً مع اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. وخلاصة القول بسيطة: يجب أن تبلغ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذروتها بحلول عام 2025.
ولتحقيق هذا الهدف، يجب الإسراع في إعادة توجيه التدفقات المالية من الوقود الأحفوري نحو الطاقة المتجددة. فقد أوضح تقرير«صفر صاف بحلول عام 2050»، الذي أعدته وكالة الطاقة الدولية العام الماضي، أنه «لا حاجة للاستثمار في الإمدادات الجديدة للوقود الأحفوري في مسارنا نحو الصافي صفر».
على الرغم من النمو السريع للاستثمارات في مجال البيئة، والمشاريع الاجتماعية، والحوكمة، فمن المعروف أن المؤسسات المالية الرائدة لا تزال الممول الرئيس لأزمة المناخ؛ إذ تموّل محطات الفحم، وخطوط أنابيب النفط، والبنية التحتية للغاز، وغيرها من المشاريع المولدة للانبعاثات عبر العالم. ولكن، الآن، بعد أن انطلق موسم الاجتماع العام السنوي للقطاع المالي، أصبح لدى المساهمين فرصة لمطالبة المؤسسات المالية والمستثمرين المؤسسيين.باعتماد سياسات واستراتيجيات مناخية أقوى لإزالة الكربون.
ونظراً لأن هياكل ملكية البنوك التجارية توضع عن طريق الأسهم المتداولة علناً، فإن الاجتماعات العامة السنوية تسمح للمساهمين بالاستفادة من تأثيرهم النسبي على استثمارات المؤسسة وقراراتها السياسية؛ وهي أيضاً فرصة أمام مجموعات المجتمع المدني حتى تُلفت الانتباه إلى ممارسات مؤسسة معينة والمطالبة بالتغيير.
ويتعين على الناشطين في مجال تغير المناخ تقديم حجج قوية في السياق التجاري والمالي للدفاع عن قضيتهم. إذ هناك العديد من العوامل التي تحفز على تسريع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك وارتفاع أسعار الطاقة، والأمل في الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء. ومن شأن هذه الاستثمارات أن تدفع قدماً بعملية الانتعاش بعد الوباء، وتخلق فرص عمل واسعة النطاق، وتزيد من عوائد المستثمرين.
ونظراً للتقدم الحاصل في عملية التحول الطاقي، ستفقد أصول الوقود الأحفوري قيمتها وتصبح عالقة. إذ منذ بداية الوباء، بدأت العديد من البنوك، وصناديق التقاعد، وبيوت الاستثمار العالمية، في الانسحاب من استثمارات الوقود الأحفوري لهذا السبب على وجه التحديد.
وبدأ الأمر برسالة سنوية مفاجئة من الرئيس التنفيذي لشركة BlackRock «بلاك روك»، لاري فينك، إلى الرؤساء التنفيذيين، أشار فيها إلى أن تغير المناخ مسألة رئيسة في إدارة المخاطر. وبعد بضعة أيام، أعلنت شركة «بلاك روك» أن أحد صناديق الاستدامة الأسرع نمواً سيتوقف عن الاستثمار في الرمال المشبعة بالقار، وهي واحدة من أقذر مصادر الوقود على هذا الكوكب.
إننا نعلم أن نشاط المساهمين يؤثر على مجريات الأمور. ففي العام الماضي، اقترح المساهمون بما فيهم 350.org Japan، و Kiko Network «كيكو نيتورك»، وRainforest Action Network، «شبكة العمل بشأن الغابات المطيرة» وMarket Forces «قوى السوق»، قراراً بشأن حل للمناخ في الاجتماع العام السنوي لأكبر بنك في اليابان، Mitsubishi UFJ Financial Group، «مجموعة ميتسوبيشي يو إف جي»، الذي يمتلك أصولاً تبلغ حوالي 3.1 تريليونات دولار، وهو ثالث أكبر مقرض لصناعة الفحم في العامل.
وسعى القرار إلى إبلاغ المستثمرين بالمخاطر المرتبطة باستمرار تمويل البنك للوقود الأحفوري، ودعا البنك إلى اعتماد استراتيجية تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ. وعلى مدى الأشهر التالية، أصدر البنك إعلان الحياد الكربوني، وخطة عمل محدثة، وإطار عمل منقح للسياسة البيئية والاجتماعية.
كذلك، بعد المشاركة بين المساهمين والمستثمرين في الاجتماع السنوي العام لبنك HSBC «إيتش إيس بي سي» عام 2021، أعلن البنك في مارس / آذار، أنه سيخفض تدريجياً تمويل الوقود الأحفوري وفقاً لجدول زمني يتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية، بالإضافة إلى تحديث سياساته الخاصة بالنفط والغاز والفحم بحلول نهاية عام 2022.
ولسبب وجيه، ترى حركة المناخ بصورة متزايدة أن الاجتماعات السنوية العامة للبنوك فرصة فعالة لاتخاذ القرارات. فهي لا توفر فقط منصة لصياغة قرارات المساهمين، بل تمكن النشطاء أيضاً من إرسال رسالة واضحة إلى أوساط الأعمال الأوسع نطاقاً- كما حدث في الاجتماع السنوي العام الأخير للبنك الفرنسي BNP Paribas «بي إن بي باريباس» في باريس.