المساءلة عن الكوارث المناخية

فينود توماس

 

سنغافورة- إنَّ بإمكان الأدلة العلمية الآن أن تربط كوراث مناخية معينة بالتغير المناخي الذي يتسبَّب به النشاط البشري. وهذا الرابط يجب أن يزيل أيَّ مفهوم خاطئ بأنَّ غضب الطبيعة فقط هو المسؤول عن تلك الكوارث بحيث يمكن مساءلة الصناعات والحكومات التي أدمنت الوقود الأحفوري عن أفعالها.

 

إنَّ بيانات المناخ تظهر بوضوح أنَّ الطاقة عالية الكربون مسؤولة عن التحوُّلات في الغلاف الجوي التي تتسبَّب في المزيد من الفيضانات الشديدة والجفاف وحرائق الغابات. ولكن معظم الناس على مستوى العالم لا يزالون غير قادرين على ربط تلك الكوارث بالتغيُّر المناخي ناهيك عن الإقرار بدور الجهات الرئيسة المسؤولة عن التلوث في التسبُّب بتلك الكوارث. إنَّ التغطية الإخبارية للكوارث لا تسلّط الضوء كذلك على الرابط القوي بين تلك الأحداث والاحتباس الحراري؛ فعلى سبيل المثال كشف أحد تحليلات منظمة مراقبة الأخبار "ميديا ماترز" أنَّ شبكات الأخبار في الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت إلى حدٍّ كبيرٍ دور التغير المناخي خلال تغطيتها لحرائق الغابات في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي.

 

إنَّ الأبحاث العلمية التي ربطت بشكل مباشر بين التدخين والسرطان لعبت دورًا رئيسًا في تغيير الرأي العام فيما يتعلق باستخدام التبغ، والآن يجب عمل شيء مماثل من أجل تشجيع القيام بعمل هادف من أجل التصدي للتغير المناخي.

 

لقد أصبح من الصعب الآن تجاهل الأدلة المتزايدة على الرابط بين الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية، فطبقًا لمبادرة الطقس العالمية لكشف المتسببين- وهو تعاون عالمي بين علماء المناخ- فإنَّ التغير المناخي قد زاد بشكل كبير من احتمالية وقوع مثل تلك الفيضانات التي حدثت في بلجيكا وألمانيا خلال الصيف الماضي. لقد توصَّلت المبادرة أيضًا الى أنه كان من شبه المستحيل أن تحصل موجات الحر التي ضربت شمال شرق المحيط الهادئ وسيبيريا بدون التغير المناخي الذي تسبَّب به الإنسان.

 

مثل شركات التبغ التي سعت إلى إخفاء البيانات التي تربط استخدام التبغ بالسرطان، فإنَّ الجهات الرئيسة المسؤولة عن التلوث تبذل ما بوسعها للتشكيك بالعلم المتعلق بالتغير المناخي. لقد كانت صناعة النفط تعلُّم عن مساهمتها في انبعاثات غاز الاحتباس الحراري منذ سبعينيات القرن الماضي، ولكنها قلَّلت من شأن التداعيات. لقد أنفقت شركات النفط الكبرى ملايين الدولارات في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تضليل العامة عن تأثير حرق الوقود الأحفوري في المناخ. وفي الوقت نفسه تصاعد بشكل كبير معدل وقوع الكوارث المرتبطة بالمناخ منذ سبعينيات القرن الماضي علمًا أنه لم تحدث زيادة مماثلة في الكوارث الطبيعية التي لم يتسبَّب بها التغير المناخي مثل الزلازل والثورات البركانية.

 

إنَّ العديد من الحكومات تسهم في المشكلة من خلال دعم الوقود الأحفوري الذي يحظى بشعبية سياسية، حيث طبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي تصل قيمة ذلك الدعم إلى 5 تريليونات دولار أمريكي سنويًّا وفي عامي 2019 و2020 كان إنفاق الحكومات أكثر بنسبة تصل إلى 20% على تمويل مشاريع الوقود الأحفوري مقارنة بإنفاقها على تخفيض الانبعاثات. إنَّ الصين هي أكبر ممول عام لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم على مستوى العالم تليها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفي سنة 2020 قدمت تسعة بنوك تنمية متعددة الأطراف رئيسة، بما في ذلك البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين 3 مليار دولار أمريكي لمشاريع الوقود الأحفوري.

 

يستمر التمويل على الرغم من الإقرار منذ عدة عقود بالتهديد الذي يشكّله الاحتباس الحراري على البيئة والاقتصاد ففي سنة 2007 حصلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي ونائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور على جائزة نوبل للسلام على جهودهم في رفع الوعي "بالتغير المناخي الذي يتسبّب به الانسان".  كما حصل الاقتصادي ويليام د. نوردهاوس على جائزة نوبل سنة 2018 على "دمج التغير المناخي ضمن التحليل الاقتصادي الكلي على المدى الطويل" ، لكن هذا العمل قلَّل بشكل خطير من الحاجة إلى العمل المناخي ، لأنه لم يعترف بالأضرار المتزايدة ، ونقاط التحوُّل ، وعدم إمكانية عكس بعض الخسائر.

 

بشكل عام فإنَّ علم الاقتصاد السائد لم يضع بعين الاعتبار التحدي الصعب الذي يشكله التغير المناخي، حيث نادرًا ما تنشر المجلات العلمية الرائدة في هذا التخصُّص أبحاثًا عن القيود البيئية والمناخية على النمو الاقتصادي وعلى الوضع الاقتصادي السليم. لقد وجدت مراجعة لسنة 2019 إنَّ المجلة الفصلية المختصة بالاقتصاد " كوارترلي جورنال اوف ايكونوميكس" لم تنشر أيَّ مقالات عن التغير المناخي بينما نشرت المجلة الكمية إيكونوميتريكا مقالين فقط. إنَّ الاقتصاديين أما كانوا بشكل عام صامتين فيما يتعلق بهذه المسألة أو أشادوا بالنمو حتى لو كان هذا النمو مبني على أساس حرق الوقود الأحفوري.

 

لقد قام علماء المناخ بدورهم فيما يتعلق بدق ناقوس الخطر للتحذير من الاحتباس الحراري، لكننا لم نشهد بعد إجراءات كافية للتصدي لهذه المشكلة. إنَّ الأدلة التي تربط التغير المناخي بالكوارث المناخية تفتح لنا مجالًا للتواصل مع الناس والمطالبة بالمساءلة من الصناعات والحكومات واتخاذ إجراءات حاسمة من أجل التخفيف.

 

فينود توماس هو نائب رئيس تنفيذي سابق في البنك الدولي ومدير عام سابق في بنك التنمية الآسيوي، وهو يعمل حاليا أستاذاً زائراً في كلية لي كوان يو للسياسة العامة التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org