الطاقة النووية الخضراء
هانز فيرنر سين
ميونيخ - من خلال "تصنيف الأنشطة المستدامة" في عام 2020، وجد الاتحاد الأوروبي وسيلة لاستخدام البنك المركزي الأوروبي لتوجيه أسواق رأس المال من خلال تقديم الدعم المباشر لنفقات الفائدة في المشاريع الاستثمارية "الخضراء". وقد أشاد العديد من السياسيين الأوروبيين بهذا النهج، خاصة أعضاء أحزاب الخضر في البلدان الناطقة بالألمانية. لكنهم الآن يشعرون بالاستياء من اكتشاف أنَّ المفوضية الأوروبية، تحت ضغط من فرنسا، ستعمل على تصنيف الطاقة النووية باعتبارها مصدرًا من مصادر الطاقة الخضراء.
بعد ظهورها مع الحركة المناهضة للأسلحة النووية، لم تكن الأحزاب الخضراء الأوروبية لتعتقد أبدًا بأنَّ الطاقة النووية المحظورة ستُصبح مقبولة مرة أخرى، بل وستكون مرتبطًة بعلامتها التجارية الخاصة. لقد شَعُرت بإهانة كبيرة.
لكن مسألة ما إذا كانت الطاقة النووية تُمثِّل شكلاً من أشكال الطاقة الخضراء ليست مجرد مسألة أيديولوجية. هناك مبالغ ضخمة من المال على المحك، لأنَّ البنك المركزي الأوروبي سيقدِّم للبنوك شروطًا جذّابة بشكل خاص لإعادة التمويل إذا ما استخدمت السندات الخضراء المُصنفة من قبل الاتحاد الأوروبي كضمان. كما أوضح البنك المركزي الأوروبي أنه أكثر استعدادًا لشراء حصة غير متناسبة من السندات الخضراء، وبالتالي خلق هيكل جديد لأسعار الفائدة داخل أسواق رأس المال. والآن بعد أن أصبحت أهداف الاستثمار الصديقة للبيئة تستفيد على نحو متزايد من أسعار الفائدة المنخفضة، فإنَّ قسمًا كبيرًا من مدخرات الأوروبيين - المتراكمة على مدى أجيال- يجري تحويله من أجزاء أخرى من الاقتصاد إلى مشاريع مُصنّفة باعتبارها تحمي البيئة.
ومن وجهة نظر اقتصادية، يُعدُّ هذا النهج بالغ الأهمية. نحن نشهد الآن عملية إعادة توجيه شاملة لرأس المال - أهم عامل إنتاج غير بشري في اقتصاد السوق - ويجري ذلك على نحو ينتهك بشكل صارخ مبدأ الحياد في التخصيص، وهو مبدأ أساسي من مبادئ النظرية الاقتصادية.
تُعدُّ اقتصاديات العوامل الخارجية البيئية واضحة تمامًا: إذا أردنا استيعاب العوامل الخارجية السلبية في السوق - وهو هدف جدير بالمحاولة - فيجب أن يتمَّ ذلك من خلال آليات التسعير المباشرة، مثل ضريبة الكربون أو أنظمة تداول الانبعاثات. في المقابل، فإنَّ تغيير سعر الفائدة - أي سعر رأس المال - سوف يؤدي إلى عدد كبير من تشوهات التخصيص المكلفة، لأنَّ العلاقة التكميلية لرأس المال - باعتباره عاملاً إنتاجيًّا في المؤسَّسات الخضراء - ضعيفة للغاية لتجنُّب الأضرار البيئية. ونتيجة لذلك، يمكن اعتبار السياسة الحالية في أوروبا بلا هدف.
لا تسمح معاهدة ماستريخت التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي للبنك المركزي الأوروبي بالمشاركة في السياسات الاقتصادية والبيئية؛ بل يتعيَّن على صُنّاع السياسة النقدية بدلاً من ذلك تأمين ترخيص فردي لتمديد صلاحياتهم. ويتطلَّب هذا التمديد موافقة بالإجماع من جانب جميع دول الاتحاد الأوروبي عن طريق تعديل المعاهدة. كان ينبغي لهذا الحاجز أن يكفل التمسُّك بمبدأ الحياد في التخصيص. ومع ذلك، كما يحدث غالبًا، اخترع صُنّاع السياسة في الاتحاد الأوروبي حيلة قانونية لتجنُّب أيِّ تغيير رسمي في المعاهدة.
وبغض النظر عن المخاوف القانونية والاقتصادية الأساسية بشأن تلاعب البنك المركزي الأوروبي بأسعار الفائدة، فإنَّ احتمال حصول الطاقة النووية على تصنيف أخضر يُعدُّ تطورًا إيجابيًّا وجديرًا بالترحيب. كما أنه منطقي تمامًا، نظرًا إلى أنَّ محطات الطاقة النووية لا تتسبَّب في إصدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفيما يتعلَّق بالأجندة المناخية الأوسع نطاقًا، ارتكب السياسيون المنتمون لحزب الخضر خطأً فادحًا عندما قاموا بتشويه صورة الطاقة النووية، وقد أدركت بقية دول العالم هذا الأمر.
بعد كل شيء، حدث التحوُّل الكبير بعيدًا عن الطاقة النووية واعتماد طاقة الرياح والطاقة الشمسية فقط في ألمانيا وعدد قليل من البلدان الأخرى، في أعقاب حوادث مختلفة حظيت بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي. ويجري مرة أخرى تصميم وبناء محطات طاقة نووية جديدة في جميع أنحاء العالم. توجد حاليًّا 57 محطة قيد الإنشاء، ومن المقرر إنشاء 97 محطة مع مقترحات لبناء 325 محطة إضافية.
كانت السويد أول دولة تُفكر جديًّا في التخلي عن الطاقة النووية بالكامل، وذلك في أعقاب حادث جزيرة الثلاث أميال الذي وقع في هاريسبرج بولاية بنسلفانيا في عام 1979. ومع ذلك، فقد احتفظت بمعظم محطاتها للطاقة النووية، وتخلَّت منذ فترة طويلة عن الانسحاب. وعلى نحو مماثل، على الرغم من حادثة فوكوشيما في عام 2011، فقد تبنَّت اليابان مرة أخرى الطاقة النووية في مجملها، بعد مراجعة شروط السلامة وتحديث محطات الطاقة لديها.
والأهم من ذلك، هناك بحوث جارية بشأن أنواع جديدة من محطات الطاقة النووية، بما في ذلك تصميمات تعتمد على الثوريوم والنماذج التي تتجنَّب مشكلة تخزين النفايات النووية القديمة باستخدام قضبان الوقود المعاد معالجتها. تُعدُّ هذه النماذج بطبيعتها أكثر أمانًا من محطات الطاقة القديمة.
ومن منظور السياق العالمي للقرن الحادي والعشرين، تسير ألمانيا في الاتجاه الخاطئ على الطريق السريع. لا عجب أن يُعاني أتباع حزب الخضر من انقسامات داخلية. لا يزال معظمهم غاضبين، لكن بعض أعضاء الحزب الأكثر ذكاءً سعداء سرًّا بأنَّ الطاقة النووية مُتوافرة كبديل رخيص وخالٍ من ثاني أكسيد الكربون للوقود الأحفوري. ومن خلال إمدادات الطاقة القابلة للتعديل، ستُشكِّل الطاقة النووية أهمية حاسمة في الفترات التي لا تتوافر فيها طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية لفترة طويلة، مما يُهدِّد بتعطيل إمدادات الكهرباء. والأهم من ذلك أنَّ حزب الخضر الألماني يمكنه حفظ ماء وجهه بمجرد إلقاء اللوم على الفرنسيين.
هانز فيرنر سين هو أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة ميونيخ، والرئيس السابق لمعهد "Ifo" للبحوث الاقتصادية ويعمل في المجلس الاستشاري بوزارة الاقتصاد الألمانية. وهو مؤلف كتاب "فخ الیورو: عن انفجار الفقاعات والمیزانیات والمعتقدات" (مطبعة جامعة أكسفورد، 2014).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org