التخطيط للطريق نحو صافي صفر انبعاثات
ريتشارد ماتيسون
لندن- إنَّ تفاصيل السفر لعدد ضخم من قادة العالم والرؤساء التنفيذيين للشركات والمستثمرين والذين شقوا طريقهم نحو غلاسكو لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ الأخير (مؤتمر الأطراف 26) قد تبدو تافهة فالأثر الكربوني لوسيلة النقل التي اختاروها- طائرة أو سيارة أو قطار- أو حجم الحاشية المرافقة لهم يتضاءل من حيث الأهمية مقارنة بالاتفاقيات التي يأملون بتحقيقها، ولكن الواقع هو أنه بدون التخطيط الدقيق للرحلة كان من المستحيل أن نجمع هولاء الناس معًا لحضور هذا الحدث المهم.
الكلام نفسه ينطبق على الزيادة الكبيرة في الاهتمام من قِبَل المستثمرين والشركات في الالتزام بتحقيق صافي صفر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول سنة 2050. إنَّ مبادرة تحالف غلاسكو المالي لصافي الصفر التي تمَّ اطلاقها في إبريل تمثِّل الآن أكثر من 450 شركة مالية مسؤولة عن أصول تصل قيمتها لنحو 130 تريليون دولار أمريكي، والملتزمة بتحقيق صافي صفر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول سنة 2050 أو في وقت أقرب.
إنَّ هذه الوعود جوهرية، ولكنها تترك الأسواق المالية في وضع مثير للاهتمام؛ فهناك معلومات كثيرة عن الأهداف طويلة المدى للشركات، ولكن القليل جدًّا عن الخطوات على المدى القريب التي سوف يأخذونها لتحقيق تلك الأهداف وحتى نتصور ذلك، تخيل أن تنشر شركة توقعات الإيرادات لسنة 2050 لكنها تقدم تفاصيل محدودة عن توقعات الإيرادات لسنة 2025 وكيف سيتم توسيع نطاق العمل بمرور الوقت أو إستراتيجيته قصيرة المدى. يحتاج المستثمرون من أجل تقييم مصداقية تعهدات الشركات إلى المزيد من التفاصيل التي تتعلَّق بالتخطيط قصير المدى حتى سنة 2025، وكيف أنَّ تلك الأفعال سوف تؤدي إلى إحراز تقدُّم في تحقيق هدف صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050
إنَّ هذا التركيز على عام 2025 يعكس إمكانية أن يصبح ذلك العام بمنزلة نقطة تحول بالنسبة للتحول إلى صافي صفر انبعاثات. تشير توقعات بلاتس للطاقة المستقبلية الصادرة عن ستاندرد آند بورز جلوبال إلى أنَّ العالم يجب أن يتحرك بشكل أسرع للحد من الانبعاثات وإظهار تقدم ملموس بحلول ذلك العام أو المخاطرة بتخطي 2 درجة مئوية في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، ولتجنُّب هذه النتيجة يجب على جميع القطاعات الاقتصادية تقريبًا - من الصناعات الثقيلة إلى النقل - خفض إجمالي الانبعاثات السنوية إلى ما دون مستويات 2019 بحلول عام 2025، وستحتاج الإمدادات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى أن تزيد بمقدار 133٪ و98٪ على التوالي مقارنة بمستويات 2019.
كما هي الحال في أي تحوُّل مهم فإنَّ توازن المخاطر والفرص ينطبق كذلك على التحول الاقتصادي الأخضر، وهناك زيادة في الطلب على التحليل المقارن والمتسق بينما تسعى الشركات إلى استخدام رؤوس الأموال ويسعى المستثمرون إلى أن تتوافق استراتيجياتهم المتعلقة بالمحافظ المالية مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015. ومع تزايد التزام الأصول العالمية الخاضعة للإدارة بهدف صافي صفر انبعاثات والمشاركة النشطة من قبل المستثمرين والتي حلت مكان الإشراف السلبي، ستكون الشركات الناجحة هي تلك التي تعرض الخطط التفصيلية لهذا التحوُّل. يمثل هذا فرصة حقيقية للشركات التقدمية للوصول إلى رأس المال مباشرة من المستثمرين المؤسسيين وذلك من خلال المؤشرات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) والتي تزداد شعبيتها أو المؤشرات التي تركّز على الاستدامة (إنَّ الأصول في الصناديق الأوروبية غير النشطة التي تركز على الاستدامة تضاعفت ثلاث مرات في سنة 2020).
إنَّ الفرص بالنسبة للمستثمرين في الشركات التي تعمل في التحول الأخضر واضحة فماذا بالنسبة للمخاطر؟
عوامل المؤشرات البيئية والاجتماعية والحوكمة تؤثر في نوعية الائتمان، وخاصة قدرة ورغبة المقترضين على الوفاء بالالتزامات المالية. إنَّ تلك المعايير لعبت دورا رئيسًا في الجدارة الائتمانية- والتي انعكست على التصنيفات الائتمانية لستاندرد آند بورز غلوبال -قبل وقت طويل من تجمعيها معًا لتصبح مؤشرًا مركبًا قبل أكثر من عقد من الزمان. وفي بعض الأحيان فإنَّ اعتبارات المؤشرات البيئة والاجتماعية والحوكمة سوف تؤثر في آفاق الصناعة برمتها. لقد قامت ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات هذا العام بتحديث تقييم المخاطرة لصناعة النفط والغاز من أجل تضمين عدة مخاطر مادية متزايدة بما في ذلك تحوُّل الطاقة.
إنَّ مثل هذه المخاطر سوف تصبح بارزة بشكل متزايد ففي أغسطس وصف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقرير الهيئة الحكومية العالمية للتغيُّر المناخي الأخير بأنه "إشارة الخطر للبشرية" فماذا يعني ذلك بالنسبة للشركات والمستثمرين؟
وفقًا لبيانات من S&P Global Trucost، ستواجه الأصول المادية المملوكة للمرافق إضافة إلى المواد والطاقة والمواد الاستهلاكية الأساسية وقطاعات الرعاية الصحية أكبر المخاطر المتعلقة بالمناخ في عام 2050 علمًا أنَّ نسبة 66٪ من القيمة السوقية لمؤشر
S&P 1200 هي لأصول معرضة لمخاطر عالية. سيكون نقص المياه أكبر خطر مرتبط بالمناخ على الأصول بحلول عام 2050، خاصة لقطاعي المرافق والمواد ،كما أنَّ البنية التحتية للشركات في آسيا وشرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية هي الأكثر عرضة للأنواء المناخية القاسية وغيرها من الآثار السلبية لتغير المناخ.
إنَّ الطبيعة الملحة للوضع هي أمر واضح وسوف تحتاج الشركات والمستثمرون بشكل متزايد إلى القدرة على الوصول لبيانات عالية الجودة وتحليلات متطورة من أجل فهم المخاطر المرتبطة بالمناخ والتعامل معها، إضافة إلى تطوير خطط ذات مصداقية من أجل التأقلم.
لقد تمَّ تحقيق تقدم مهم خلال الأشهر 12 الماضية، ولكن من أجل تحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050، يجب أن يكون هناك تركيز أوضح على التخطيط على المدى القريب والمزيد من الشفافية المتعلقة بالاستراتيجية. وحاليًّا تمَّ تحديد المقصد ولكن المسار الذي سوف نستخدمه لنصل إلى هناك لا يزال قيد التحديد. يجب علينا الإشادة بالشركات لتحديدها أهدافًا مناخية طموحة، ولكن مثل القادة الذين يخططون لرحلاتهم إلى غلاسكو، يجب عليها الآن إظهار كيف سوف تصل إلى هناك.
ريتشارد ماتيسون وهو رئيس S&P Global Sustainable1.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org