التمويل المستدام والابتكار السريع في تقنيات المناخ صنوان
بن منغ * آن سيمبسون
أكد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 26» الذي انعقد هذا العام في مصر، ضرورة الاستفادة من السياسة العامة والقوانين التنظيمية، والابتكار التكنولوجي لتحقيق مستقبل آمن مناخياً.
ولا شك أنه أصبح من الواضح تماماً أن دعم المشاريع المتعلقة بالمناخ على النطاق اللازم في جميع أنحاء العالم سيتطلب كميات هائلة من رأس المال.
إذ تفيد تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة وحده سيكلف تريليونات الدولارات سنوياً، من دون حتى مراعاة الخسائر والأضرار، ولا سيما في البلدان النامية.
ويشير الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه مؤتمر «كوب 26» لإنشاء صندوق لمساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض على التعامل مع أسوأ آثار تغير المناخ إلا أن قادة العالم يدركون هذه الحقيقة.
ولكن رأس المال المكتسب من التبرعات وبنوك التنمية متعددة الأطراف لن يكون كافياً؛ بل يجب أن يسهم القطاع الخاص أيضاً. وحتى الآن، لم يكن هناك مسار واضح لإطلاق الإمكانات الهائلة لأسواق رأس المال العالمية. ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة تبعث على الأمل.
أولاً، حققت الحكومات تقدماً كبيراً في سعيها نحو ضمان بيانات عالية الجودة.
إذ في مارس، اقترحت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية مطالبة بعض الشركات بالكشف عن المعلومات المتعلقة بالأخطار التي تواجهها جراء تغير المناخ، في أعقاب التوجيهات الشاملة التي وضعها الاتحاد الأوروبي العام الماضي في شأن تحسين إطار العمل الذي تعتمده منذ وقت طويل.
واقترحت لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية إجراءات مماثلة بعد بضعة أشهر. وستمكن البيانات عالية الجودة في شأن أخطار المناخ التي توفرها التكتلات الاقتصادية الثلاثة الكبرى في العالم المستثمرين من تقييم مقايضات الأخطار والعائد على التقنيات المستدامة.
وبغض النظر عن الدور الحاسم الذي تضطلع به هذه الأدوات التحليلية، يحتاج المستثمرون أيضاً إلى الحوافز التي تعد مصدر تسعير الكربون والضرائب.
وعلى الرغم من أن آلية تعديل حدود الكربون التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي أخيراً إجراءٌ أوروبي، إلا أنه من المحتمل أن يكون لها تأثير عالمي، إذ سرعان ما ستدرك الدول المصدرة للسلع والخدمات إلى أوروبا أن الحد من انبعاثات الكربون على أراضيها يصب في مصلحتها التجارية الخاصة.
وعلى الرغم من أن قانون خفض التضخم الأمريكي الجديد لا يفرض ضريبة الكربون في حد ذاته، إلا أنه يجعل أمريكا أقرب إلى تسعير انبعاثات الكربون عبر توفير حوافز للطاقة النظيفة والإنفاق المرتبط بالمناخ، ومن ذلك حجز الكربون واستخدامه وتخزينه.
وستسرع هذه التطورات الإيجابية من وتيرة نمو أسواق الكربون المحلية والعالمية. ورغم أن هذه الأسواق تغطي أقل من 25 في المئة من الانبعاثات العالمية، إلا أن مبادرة أسواق الكربون الأفريقية التي أطلقت في مؤتمر «كوب 27» تعد إنجازاً آخر.
ويُعد تحويل المستثمرين لاهتمامهم إلى قضية المناخ سبباً آخر يبعث على الأمل. إذ تمثل تحالفات مالكي الأصول، مثل Climate Action 100 ، وتحالفات مديري الأصول، مثل مبادرة Net Zero Asset Managers، مبادرة مديري الأصول الصفرية الصافية أصولاً تقارب 70 تريليون دولار.
ووقع أكثر من 600 مستثمر يمثلون أكثر من 40 تريليون دولار من الأصول بيان المستثمر العالمي في «كوب27»، للدعوة إلى سياسات تمكن من الانتقال العادل إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وتعكس هذه الزيادة في نشاط المستثمرين هدفاً نتشاركه جميعاً، بغض النظر عن الجنسية أو الانتماء السياسي لكل واحد منا:
العائد المالي. إن الاستفادة من إمكانات النمو للحلول المناخية تصب في المصلحة الاقتصادية لجميع أصحاب المصلحة، وهذا هو السبب في أن الجهود الأخيرة لتسييس الأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة جاءت بنتائج عكسية. ولا يتعلق الاستثمار المستدام بالدفاع عن قيم أي شخص؛ بل يتعلق الأمر بخلق القيمة.
وبمجرد حصول المستثمرين على معلومات مفيدة وحوافز كافية، يمكن السماح لأسواق رأس المال بأن تقوم بدورها بصورة أفضل - تخصيص رأس المال على نطاق واسع. ولكن يجب أن يركز صانعو السياسات أولاً على الفرص التجارية الحقيقية للحلول المناخية، بدلاً من التركيز على أجندات محددة تستند إلى مصطلحات عفا عليها الزمن.
ويمكن للمزيج القوي من التمويل المستدام والابتكار السريع في تقنيات المناخ تسريع التحول إلى صافي الصفر.
قد تبدو التحديات المقبلة مُضنية، ولكن الأسباب التي تبعث على الأمل آخذة في الظهور. إذ من المقرر أن يتجاوز الاستثمار في المناخ العالمي 915 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 13 في المئة على عام 2021. وعبر الاستمرار في تنشيط أسواق رأس المال، يمكننا تخصيص الموارد للمناطق التي تحتاج إليها بشدة، وتحقيق اقتصاد خالٍ من الصفر، والتخفيف من حدة أسوأ آثار تغير المناخ.
* نائب الرئيس التنفيذي لشركة فرانكلين تمبلتون.
** الرئيسة العالمية للاستدامة في الشركة نفسها