اتخاذ خطوات بسيطة لمحاربة تغير المناخ
كريستينا سكيركا، وريتشندا فان ليوين
سان فرانسيسكو / واشنطن – أضحى مصطلح "غير مسبوق" لوصف موجات الجفاف أو حرائق الغابات أو الأعاصير أو الفيضانات أو غيرها من الأحداث الجوية المتطرفة قديمًا إلى حد ما. وفي شهر أغسطس / آب الماضي، عندما أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرها الأخير حول الحقائق المؤلمة التي نواجهها، كانت موجات الجفاف التي تفاقمت بفعل الاحترار العالمي مُحتدمة منذ سنوات في معظم بلدان جنوب إفريقيا.
يبدو أنَّ قادة العالم مُستعدون أخيرًا لاتخاذ إجراءات فعلية، ولكن هناك مجموعة رئيسة لا تحضر غالبًا الاجتماعات المناخية الرئيسة مثل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 26) الذي انعقد أخيرًا في غلاسكو: الشركات الصغيرة المحلية المهتمة بقضايا المناخ والتي تُحدث بالفعل أثرًا وفرقًا في مجتمعاتها. تُعدُّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعمل على التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من حدتها شريكًا بالغ الأهمية ولا يُستهان به في الكفاح من أجل الحد من الانبعاثات.
على الرغم من وجود المزيد من الخيارات لتمويل مبادرات المناخ، فإنَّ دور الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في التنمية المستدامة لا يزال مُهملاً. تُواجه أكثر من 200 مليون شركة صغيرة ومتوسطة الحجم من جميع الأنواع في البلدان النامية نفس التحدي، إذ لا يمكنها الحصول على التمويل الذي تحتاج إليه لتحقيق النمو، والتي من المتوقع أن تواجه فجوة تمويل سنوية تقدر بنحو 5.2 تريليونات دولار. يُركز المستثمرون الدوليون على استثمار الأموال من خلال عقد صفقات أكبر، بينما يتم الاحتفاظ برأس المال المحلي على الهامش بسبب متطلبات الضمانات المرتفعة وصعوبة إدارة أسعار الفائدة بالنسبة للشركات في المراحل المُبكرة.
ووفقًا للبنك الدولي، تُمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم 90٪ من مجموع الشركات وتوفِّر أكثر من 50٪ من الوظائف في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإنها تلعب دورًا رئيسًا في خلق الفرص في الاقتصادات التي تكافح من أجل الانتعاش من جائحة فيروس كوفيد 19. تُظهر أمثلة مثل "سيلكو إينديا"، وهي شركة رائدة في مجال الطاقة الشمسية خارج الشبكة، و"هاسك باور"، وهي شركة جديدة تعمل على أساس سداد الالتزامات أولاً بأول في مجال توفير الطاقة المتجددة في آسيا وإفريقيا، أنه مع التمويل المناسب والكافي والدعم الفني، يمكن للشركات الصغيرة تحسين حياة الأشخاص من خلال ضمان الوصول إلى الطاقة - وهو هدف دولي رئيس. تساعد مصادر الطاقة المتجددة خارج الشبكة أيضًا على تطوير التنقل المستدام في كل من المناطق الريفية والحضرية.
وعلى نحو مماثل، تلعب الشركات الصغيرة دورًا مهمًّا في التحوُّل الأخضر للزراعة. يمثل استخدام الأراضي لإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية 24٪ من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، مما يجعل المزارع عُرضة لموجات الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة. يُعدُّ تمويل أصحاب المشاريع الزراعية الأكثر مراعاة للمناخ أمرًا ضروريًّا لجعل أنظمتنا الغذائية أكثر مرونة وقدرة على الصمود. وفي هذه المرحلة أيضًا أصبحت الطاقة المتجددة خارج نطاق شبكات الكهرباء أمرًا لا غنى عنه، حيث توفِّر الطاقة اللازمة للري ومعالجة الحبوب وتشغيل الغرف المبردة وأجهزة التبريد اللازمة لتخزين منتجات الألبان والمأكولات البحرية الطازجة والفواكه والخضروات. وفي الهند، تساعد منظمة "تكنو سيرف" المزارعين أصحاب الحيازات الصغرى على الصمود أمام أزمة المناخ من خلال التكيف معها ورفع إنتاجيتهم دون زيادة الانبعاثات.
كما تُظهر هذه الأمثلة، فعندما تحصل الشركات الصغيرة على التمويل والدعم الذين تحتاج إليهما، يمكنها تعزيز النمو الاقتصادي في حين تعمل على خفض الانبعاثات ودعم التكيف مع تغير المناخ، ويرجع ذلك إلى أنَّ الشركات الصغيرة أكثر مرونة وقابلية للتكيف - وتستجيب للاحتياجات المحلية بشكل أسرع وأكثر فاعلية - مقارنة بالمؤسَّسات الكبيرة. كما أنها توفِّر للحكومات وصُنّاع السياسات الفرصة لتجربة أفكار جديدة، والكشف عن كل من التحديات وأفضل الممارسات قبل أن يتم توسيع نطاق المبادرات على المستوى الإقليمي أو الوطني.
يتطلب تحقيق الهدف العالمي المتمثل في تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية حرص صُنّاع السياسات والمستثمرين والبنوك والجهات الفاعلة الأخرى على تلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل أكثر فاعلية مما كانت عليه في الماضي. بداية، يحتاج العالم إلى المزيد من الآليات والأدوات التمويلية التي تلبي احتياجات الشركات الصغيرة العاملة في الاقتصاد الأخضر. يُمكن أن يُترجم ذلك إلى مزيج من رأس المال المنخفض التكلفة وطويل الأجل والتمويل المختلط الذي يسهل الوصول إليه.
يحتاج العالم أيضًا إلى المزيد من حاضنات الأعمال التي تركز على التكيف مع تغير المناخ. لا توجد سوى 25 حاضنة بيئيًة من هذا القبيل في دول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. سيؤدي تمويل الأبحاث وإنشاء شبكات مهنية إلى دعم الشركات التي تتمتَّع بإمكانيات نمو قوية.
ستكون هناك حاجة أيضًا إلى استخدام مقاييس أفضل لتقييم نجاح هذه المبادرات. لكن هذا لا يعني خفض المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة. بدلاً من ذلك، يتعلق الأمر بوضع مؤشرات خاصة بالمؤسسات المراعية للبيئة في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لمساعدتها على إظهار فعاليتها وجذب المزيد من الاستثمار.
وأخيرًا، يتعين أن يولي المستثمرون اهتمامًا أكبر لدَور النساء، اللائي ينتجن ما يصل إلى 80٪ من الغذاء في بلدان الجنوب. والنساء أيضًا هن الأكثر تعرضًا لآثار تغير المناخ. سيساعد الاستثمار في المشاريع الخضراء لرائدات الأعمال على التخفيف من حدة التغيرات المناخية وإنتاج الغذاء وضمان الازدهار العام.
تُشكِّل الشركات الصغيرة جزءًا لا يتجزأ من جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه وبناء القدرة على الصمود. إنَّ تزويدها بالتمويل والدعم اللازمين لمساعدتها على تحقيق أهدافها يصب في مصلحة الجميع.
كريستينا سكيركا هي الرئيسة التنفيذية لشركة "السلطة للجميع". ريتشندا فان ليوين هي المديرة التنفيذية لشبكة آسبن لرواد التنمية.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org