التوجيه الأخضر لأوروبا
هانز فيرنر سين
ميونيخ- أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في أول خطاب سنوي لها ألقته هذا الشهر بشأن "حالة الاتحاد"، أنَّ الاتحاد الأوروبي، من خلال صفقته الخضراء، قد التزم بشكل جديد وواسع النطاق من التدخل الحكومي في الاقتصاد. وعلى ما يبدو، يعتقد البيروقراطيون في بروكسل أنهم- هم وحدهم- يعرفون المسارات التكنولوجية الأفضل لبناء مستقبل مستدام.
وهكذا، فقد وضعوا خططاً واسعة النطاق لتوجيه الاقتصاد. وستشمل آليات الإنفاذ قوانين أكثر صرامة بشأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات (ومن ثمَّ توجيه ضربة قاضية لصناعة السيارات التقليدية)، والمنح المستهدفة، وتصنيف "خضرة" مشاريع الاستثمار الخاص الذي، إلى جانب الإجراءات التكميلية للبنك المركزي الأوروبي، سيفرق بصورة فعّالة بين أسعار الفائدة التي يمكن للشركات الأوروبية الاقتراض بها في سوق رأس المال.
ومن خلال اعتماد هذا النهج، يزعم السياسيون في الاتحاد الأوروبي أنهم يعرفون أشياء حول تكاليف تجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي لا يعرفون شيئاً عنها في الواقع. ولكن نظراً لأنهم سينفقون أموال الآخرين بدلاً من أموالهم، فليس لديهم حافز للبحث عن طرق تقضي على الانبعاثات أو تقلص من مستوياتها، بتكلفة يُحتمل أن تكون منخفضة. إنَّ الإيمان الساذج بحكمة المخططين المركزيين وأمانتهم- عامل جذب قاتل اعتقدنا أننا تغلبنا عليه في عام 1989- يطل برأسه القبيح على أوروبا مرة أخرى.
وفي مقابل ذلك، يعتقد جميع علماء الاقتصاد تقريباً أنه من الأفضل بكثير إنشاء نظام شامل للاتجار بتراخيص الانبعاثات بالنسبة لجميع القطاعات، من أجل تحقيق سعر موحد لثاني أكسيد الكربون. ويشرف الاتحاد الأوروبي بالفعل على منصة اتجار رسمية في شهادات الانبعاثات في قطاع الطاقة، وسيكون توسيع هذا النظام ليشمل جميع القطاعات الأخرى عملية مباشرة. وفي الواقع، إذا استُكمل بنظام تعديل الحدود، فإنه يحتاج فقط إلى فرض ضرائب على الوقود الأحفوري (بناءً على محتواه الكربوني) الذي يستورد إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، أو الذي ينتج فيها.
إنَّ سعر ثاني أكسيد الكربون الناتج عن نظام اتجار شامل في تراخيص الانبعاثات من شأنه أن يدفع جميع الشركات للبحث عن الخيارات الأكثر مراعاة للبيئة من أجل خفض الانبعاثات. وستَظهر الابتكارات الخضراء في كل مكان، وسوف يتعجب بيروقراطيو بروكسل من الفوائد البيئية التي تمنحها التقنيات الجديدة، والتي لم يعتبروها يوماً ممكنة.
فعلى سبيل المثال، قد تكون للمركبات الكهربائية المشغلة بخلايا وقود الهيدروجين الغلبة على المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات. وقد تتفوق الكهرباء الخضراء المستوردة من إكستريمادورا على نظيرتها الآتية من بحر الشمال. وستظل إمكانية الاندماج النووي مطروحة على الطاولة. وربما قد تظهر أنواع جديدة تماماً من المساكن، وأماكن العمل، ووسائل النقل.
وسيحقَّق أي هدف محدد مسبقاً لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع الحد الأدنى من القيود المفروضة على مستويات معيشة الأوروبيين. ونظراً إلى التضحيات في مستويات المعيشة المادية التي يرغب الأوروبيون في تحملها من أجل البيئة، فإنَّ تقليص الانبعاثات الناتج سيكون في أقصى درجاته.
إنَّ نظام الاتجار بتراخيص الانبعاثات الشامل هو ببساطة الخيار الوحيد الذي سيتوافق مع المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق. ونظراً لأن السوق غير متحيز ومفتوح لجميع الداخلين، فإنَّ الشركات الأوروبية الناشئة والمهندسين الشباب سيجدون بمفردهم طرقاً جديدة ومحسَّنة للحد من الانبعاثات؛ ولن تكون هناك حاجة لتدخل المخططين المركزيين.
وبالطبع، لأنَّ هذا الحل سيلغي الحاجة إلى جميع التدخلات التوجيهية، فمن المحتمل أن يؤدي إلى فقدان العديد من بيروقراطي الصفقة الخضراء لوظائفهم- أو على الأقل لسلطتهم الإدارية الجديدة. ولن يكون لدى لوبيات أنواع معينة من الصناعات الخضراء، وكذلك قطاعي الطاقة النووية والكهرباء، أي شخص يمكنهم الضغط عليه بصورة مباشرة حتى يصوغ القوانين التي تخدم مصالحهم.
وفضلاً عن ذلك، يمكن تجنُّب الهدم الوشيك لصناعة السيارات، مما يوفر ملايين الوظائف في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لأحدث المقترحات التنظيمية للمفوضية الأوروبية، بحلول عام 2030، يجب ألا تستخدم سيارات الركاب أكثر من 1.8 لتر من معادل الديزل لكل 100 كيلومتر (62.1 ميل). ويمثل هذا زيادة كبيرة في هدف خفض الانبعاثات لعام 2030 من 37.5٪ إلى 50٪ (مقارنة مع الهدف الطموح لعام 2021).
ولكن حتى أكثر المهندسين موهبة لن يتمكّنوا من تحقيق مثل هذا الهدف إن لم يتلاعبوا بتقارير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتبدو أنها تراجعت، وذلك بمباركة السلطات. إنَّ الفكرة القائلة بأنه يمكن تحقيق الأهداف من خلال تحويل حصص كبيرة من السيارات التقليدية إلى سيارات كهربائية، لأنَّ الأخيرة تحتوي على انبعاثات صفرية، تتعارض مع حقيقة أنَّ الفحم يسهم في إنتاج الطاقة في جميع البلدان الأوروبية. وفضلاً عن ذلك، فإنَّ إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية له بصمة كربونية خاصة به.
ولم تُظهر مفوضية الاتحاد الأوروبي حتى الآن أي مؤشر على استعدادها للتخلي عن التخطيط المركزي واستبداله بنظام شامل للاتجار في تراخيص الانبعاثات. ومن خلال إدارة ظهرها للسوق، فإنها تثير شكوكاً في أنَّ اهتمامها الرئيس ليس مكافحة حماية المناخ، بل صياغة سياسة صناعية لا يمكن أن تكون دوافعها وأهدافها الحقيقية سوى مسألة تخمين.
ترجمة: نعيمة أبروش: Translated by Naaima Abarouch
شغل هانز فيرنر سين سابقاً منصب أستاذ الاقتصاد بجامعة ميونيخ، ومنصب رئيس لمعهد Ifo (أيفو) للأبحاث الاقتصادية، ويعمل حالياً في المجلس الاستشاري بوزارة الاقتصاد الألمانية.
Copyright : Project Syndicate, 2020.
www.project-syndicate.org