فرصة ذهبية لإقرار برامج دولية جديدة تحمي البيئة
جان بادرشنايدر
يقف العالم اليوم عند مفترق طرق، حيث يمكننا أن نبقى متجهين نحو مستقبل مكلف وملوث وغير فعال بشكل بشع مما يسهم فقط في تمكين عدد قليل من البلدان الغنية. بدلاً من ذلك، يمكننا اختيار ثورة خضراء لطاقة منخفضة التكلفة للجميع ومما يحافظ على مستقبلنا آمناً من التلوث والاحتباس الحراري والقادة السلطويين، خاصة وأن الطاقة الخضراء لديها القدرة على إضفاء الطابع الديمقراطي على الإمدادات العالمية .
يتسبب التغير المناخي نتيجة للنشاط البشري، في مشكلات بيئية خطيرة وواسعة النطاق ويؤثر على حياة مليارات الأشخاص حول العالم، وطبقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن العالم يواجه مخاطر مناخية لا يمكن تجنبها خلال العقدين القادمين ولكن مع بلوغ المتوسط السنوي لانبعاثات غازات الدفيئة العالمية أعلى مستوياتها في تاريخ البشرية بين عامي 2010 و 2019، فإننا ببساطة لا نفعل ما يكفي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بحيث لا يزيد على 1.5 درجة مئوية.
إن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والذي تم إصداره في أبريل أوصى بأن يخفض العالم بشكل سريع العرض والطلب المتعلق بالوقود الأحفوري من الآن وحتى سنة 2050 على النحو التالي: بنسبة %95 للفحم و%60 للنفط و%45 للغاز الطبيعي ولكن كيف يمكن تحقيق مثل تلك الأهداف الطموحة؟
الجواب هو بالتحول إلى الهيدروجين الأخضر والذي يمكن إنتاجه من جميع أشكال الطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والحرارة الجوفية. إن الهيدروجين الأخضر هو عبارة عن وقود عديم الانبعاثات علماً أنه عندما يتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي فإن «الانبعاث» الوحيد هو الماء، وهو حل عملي وقابل للتنفيذ فمن خلال إضفاء الطابع الديمقراطي على الطاقة وإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة وخلق فرص عمل على مستوى العالم، فإن من شأن ذلك أن يساعد في إحداث قفزة في الطريقة التي من خلالها نعمل على إمداد كوكبنا بالطاقة.
يمكن أن يؤدي تسريع التحول للطاقة الخضراء إلى تغيير جذري في المشهد الجيوسياسي لأن البلدان لن تكون قوية بعد الآن فقط بسبب الوقود الأحفوري الذي تنتجه. ويمكن أن تتخذ خطط واستراتيجيات كثيرة في هذا الصدد، في بقاع عالمنا، بحيث يفضي ذلك إلى تعزيز صون الطبيعة ومقدراتها ومنع تلويث البيئة والاعتماد على مصادر طاقة طبيعية. إن الأمر بحاجة إلى تفاهم دولي ومناهج عمل مشتركة يركز فيها الجميع على هذا الهدف مدركاً أنه يعنيه ويمسه أولاً وأخيراً.
إن ارتفاع أسعار الوقود إثر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد سلط الضوء على فرصة خفض تكاليف الطاقة وذلك من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر. إن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الهيدروجين الأخضر سيكون منافساً للوقود الأحفوري خلال العقد القادم. إن من المتوقع أن تنخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر بشكل كبير بحلول سنة 2025 بحيث تصل إلى دولار واحد للكيلو غرام بحلول سنة 2030 في أماكن مواتية مثل أستراليا، وللمقارنة فإن الهيدروجين الرمادي، المصنوع باستخدام الغاز الطبيعي المسال الملوث، يكلف حالياً حوالي دولارين للكيلوغرام.
يدعو البعض لاستخدام الغاز الطبيعي المسال من أجل حل أزمة أمن الطاقة الحالية ولكن «الغاز الطبيعي» يحتوي على الميثان، حيث تشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنه يجب علينا تقليل استخدام الغاز الطبيعي بنسبة %45 تقريباً بحلول عام 2050 وهذا يعني أن إضافة المزيد إلى مزيج الطاقة الآن سيكون خطأً كارثياً.
وعليه، يوجد الآن سباق عالمي من أجل الطاقة الخضراء وخاصة الهيدروجين الأخضر. إن عشرات البلدان والتي لديها موارد طاقة متجددة وفيرة يمكنها تطوير استقلاليتها فيما يتعلق بالطاقة من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع كما أن مستوردي الطاقة لن يضطروا للاعتماد فقط على عدد قليل من البلدان (مثل روسيا) والتي لديها ثروة طبيعية من الوقود الأحفوري.
لقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقرير حديث أن الهيدروجين (الأخضر) يمكنه أن يعزز أمن الطاقة من خلال ثلاث طرق رئيسية: تقليل الاعتماد على الواردات وتخفيف تقلب الأسعار وتعزيز مرونة وصلابة أنظمة الطاقة من خلال التنويع، ومع تحسن التقنيات ستنخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر مما يعني أنه يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتسريع هذه العملية.
تستثمر شركات مثل فورتسكيو حيث أعمل كعضو في مجلس الإدارة بشكل كبير في الهيدروجين الأخضر وسوف تساعد في استبدال الوقود الأحفوري الروسي بالطاقة الخضراء. لقد أعلنت فورتسكيو مؤخراً اتفاقية مع أكبر موزع للطاقة في ألمانيا (ي. اون) لإمداد أوروبا بخمسة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول سنة 2030 وهو ما يعادل ثلث القيمة الحرارية للطاقة التي تستوردها ألمانيا حالياً من روسيا.