Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

هل كان مؤتمر المناخ (COP26) مجرد ثرثرة؟

خافيير فيفيز

برشلونة ــ "ثرثرة، ثرثرة، ثرثرة". هكذا وصفت الناشطة المناخية الشابة جريتا ثونبرج قمة المناخ التي استضافتها مدينة جلاسجو هذا العام (COP26) ــ حتى قبل أن تبدأ. كانت محقَّة نوعًا ما. إذ أنَّ الكلام يصبح مجرد ثرثرة رخيصة عندما تفتقر الاتفاقيات الدولية إلى آليات فَـعَّــالة للتحقق من الالتزامات وإنفاذها. تميل التجمعات مثل COP26 إلى الافتقار إلى المصداقية، حتى عندما تُـقَـدَّم على أنها "فرصة أخيرة" لمنع نهاية العالم كما نعرفه. مع ذلك، تساعد مثل هذه الاجتماعات على رفع مستوى الوعي حول المشكلة والحلول المحتملة، وهذا أفضل من النزوع إلى إنكار المشكلة كما كانت الحال في السنوات الماضية.

صحيح أنَّ الاتفاق النهائي الذي انتهت إليه قمة COP26 يبدو ضعيفًا، خاصة أنَّ هدف الإبقاء على ارتفاع حرارة كوكب الأرض نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز الدرجة ونصف الدرجة المئوية أصبح الآن بين الحياة والموت. بدلًا من الحرص على التخلص التدريجي من "طاقة الفحم التي تعمل بكامل قوتها حاليًّا"، نتحدث الآن عن "خفضها تدريجيًّا"، وهو تغيير حاسم أُدخِـل بإصرار من الهند (وقبول من جانب الصين). ورغم أنَّ "الإلغاء التدريجي" يظل ساريًا فيما يتصل "بإعانات دعم الوقود الأحفوري غير الفَـعّـالة"، فإنَّ هذا يعني ضمنا أنَّ إعانات دعم الوقود الأحفوري "الـفَـعّـالة" تظل تشكل خيارًا واردًا.

لكن يجب أن نتذكَّر دوما أنَّ الكلام لا يكلف شيئًا. نظرًا لاعتماد الهند بكثافة على الفحم، فربما يكون من الأفضل لو تحدد هدف الوصول بصافي الانبعاثات إلى الـصِّـفر بحلول عام 2070 بدلًا من إعلان التزام "منتصف القرن" الذي لا تعتزم التمسك به.

في عموم الأمر، هناك عائقان رئيسان يحولان دون تحقيق الأهداف المناخية المعلنة على مستوى العالم. الأول جيوسياسي، ويتمثَّل في استخدام روسيا للغاز الطبيعي كأداة استراتيجية لتقسيم أوروبا بين أولئك الذين يستخدمون الطاقة النووية كتكنولوجيا انتقالية (فرنسا) وأولئك الذين يستخدمون الغاز (ألمانيا). الأمر الأكثر أهمية هو المنافسات الكبرى كتلك بين الولايات المتحدة والصين. وهنا نصادف خبرا سارا: إذ يبدو أنَّ مؤتمر المناخ COP26 استحث الجهتين الملوثتين الأكبر على مستوى العالم على إعلان اعتزامهما العمل معا لمكافحة تغير المناخ. (سنعرف ما إذا كان هذا مجرد "ثرثرة" لا أكثر، إذا ــ ومتى ــ تزايدت التوترات العسكرية الثنائية بين الجانبين).

تمثل العقبة الكبرى الثانية في الخلاف حول كيفية تعويض البلدان الأقل نموًّا عن الانصراف عن أو نبذ التكنولوجيات الكثيفة الكربون. السؤال ليس فقط من يتحمَّل الفاتورة بل وأيضًا على أي نحو يجب أن يكون تسليم التمويل اللازم. الواقع أنَّ تاريخ مساعدات التنمية ليس مشجعًا بشكل خاص. ورغم أنه من الثابت أنَّ تحديد سعر عالمي للكربون أمر ضروري للتعامل مع العوامل الخارجية السلبية المتمثلة في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فإنَّ أسواق الكربون تظلُّ ناقصة النمو في الأغلب الأعم.

إنَّ الاتفاق الذي تبنته 200 دولة تقريبًا في مؤتمر المناخ الأخير من شأنه أن يسمح للبلدان بتحقيق أهدافها المناخية من خلال شراء عمليات المقاصة التي تمثّل تخفيضات الانبعاثات التي تنفذها جهات أخرى. سوف يجلب هذا النظام مزيدًا من الوضوح، لكنه عُـرضة للتلاعب. الأسوأ من هذا هو أنه يسمح للبلدان بترحيل أرصدة الكربون المسجلة منذ عام 2013 والتي أنشأها بروتوكول كيوتو، وهو ما قد يمهد الساحة لإغراق سوق الانبعاثات وخفض سعر الكربون بشكل مصطنع.

كما يشجع الاتفاق الذي توصلت إليه قمة المناخ الأخيرة القطاعين العام والخاص على حشد المزيد من التمويل المناخي، وتعزيز الإبداع في التكنولوجيات الخضراء. لتحقيق هذه الغاية، يتمثل أحد النماذج الواعدة في عملية Warp Speed، الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة التي جعلت من الممكن تطوير لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) بسرعة بالغة.

سوف يكون الدور الذي سيضطلع به القطاع المالي في تحويل الموارد من التكنولوجيات البنية إلى الخضراء بالغ الأهمية. قد يتصرف مديرو الأصول والوسطاء بدافع من المصلحة الذاتية المحضة في سحب الاستثمارات من الأصول القذرة التي أدركوا أنها محفوفة بالمخاطر (إمّا بسبب التأثيرات المترتبة على تغير المناخ أو التحول الذي من شأنه أن يجعلها عتيقة عفا عليها الزمن). بدلًا من ذلك، ربما يمكنهم التخارج بناءً على طلب من آخرين يفضلون الاستثمارات الخضراء أو يريدون أفقًا أطول لاستيعاب المشكلات المرتبطة بتغير المناخ. يدرك المالكون العالميون، مثل صناديق التقاعد الضخمة، على نحو متزايد، المخاطر الجهازية التي يفرضها تغير المناخ.

في كل الأحوال، يعكف القطاع المالي الآن على التنسيق بهدف المواءمة بشكل أوثق مع أجندة المناخ العالمية، كما يتضح من مبادرات جديدة مثل "تحالف جلاسجو المالي للـصِّـفر الصافي"، الذي يترأسه محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني. وقد بات من الواضح على نحو متزايد أن تفويضات التمويل المستدام الطوعي المدعومة من قِـبَـل وسطاء ماليين يجب أن تكون أشد صرامة مما هي عليه اليوم.

قد يُـفضي نشاط حاملي الأسهم الخضراء إلى فرض المزيد من الإفصاح بشأن التعرض لمخاطر المناخ أو حتى سحب الاستثمارات بشكل صريح؛ لكن الإفصاح الإلزامي ضمن إطار واضح ربما يكون مطلوبًا لرصد وضبط التمويه الأخضر. ويُـعَـدُّ المجلس الدولي لمعايير الاستدامة الجديد تطورًا محمودًا في هذا الاتجاه.

أخيرًا، يجب أن يضطلع التنظيم المالي وسياسات البنوك المركزية أيضًا بأدوار أساسية في الترويج للاقتصاد الأخضر. الواقع أنَّ البنوك المركزية، وخاصة بعد الأزمة المالية خلال الفترة من 2007 إلى 2009، تتمتَّع بتفويض واضح لضمان الاستقرار المالي، والآن بعد أن تبيَّن أن تغير المناخ يفرض مخاطر جهازية، فسوف يكون لزامًا عليها أن تعمل على دمج هذا التفويض في أطرها الاحترازية. من الأهمية بمكان أيضًا أن تعمل على تعزيز بيئة إفصاح أكثر شفافية، حتى يتسنى تسعير خطر المناخ على النحو اللائق (وإن كان الحديث عن هذا أسهل كثيرًا من تنفيذه على الأرض). تشارك بنوك مركزية عديدة بالفعل في اختبارات الإجهاد المناخي وتعمل على تصميم سيناريوهات انتقالية تتطلع إلى المستقبل.

الأمر الأكثر إثارة للجدال يتمثل في التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي للبنوك المركزية أن تفضل الأصول الخضراء (أو تعاقب الأصول البنية)، وبأي درجة، في برامج شراء الأصول، وإلى أي مدى يجب أن تتوافق متطلبات رأس المال مع معايير الاستدامة. هل يكون من الواجب فرض رسوم إضافية على رأس المال زيادة على اعتبارات المخاطر (أو هل يجب أن تحمل القروض الخضراء خصما)؟ ما كان لأي من هذه التدابير أنَّ يعني أي شيء في عالم حيث يجري تسعير الكربون على النحو اللائق، لكننا بعيدين بأشواط عن هذا السيناريو.

لا تزال أهداف المناخ التي حددها المجتمع الدولي طموحة للغاية، وخاصة في عالم مبتلى بتنافس القوى العظمى. من النادر أن تعمل الأطراف ذات الاهتمامات المتباينة معا كفريق واحد. والتسوية ضرورية، ومن الواضح أنَّ "الكلام غير المكلف" يُـعَـدُّ خطوة أولى نحو الاتفاق على مسار عمل مشترك.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

خافيير فيفيز أستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية IESE لإدارة الأعمال، وهو المؤلف المشارك (مع باتريك بولتون، وهاريسون هونج، ومارسين كاسبرشك) لتقرير "قدرة النظام المالي على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org