كيف يمكن للدول النامية أن تصل لصافي صفر انبعاثات؟
المصدر: إيريك بيرغلوف
إن اقتصادات العالم النامية تستعد لمعركة قبيل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «مؤتمر الأطراف 27» في مصر. إن هذا الحدث سوف يمنح الدول محدودة ومتوسطة الدخل الفرصة للتعبير عن مظالمها المبررة من تكاليف المناخ، التي تتحملها بشكل غير متناسب، كما سيمنح الدول الغنية الفرصة للبدء في دفع حصتها العادلة.
بينما جنت الاقتصادات المتقدمة اليوم فوائد انبعاث كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري لمدة 200 عام، يُطلب من البلدان النامية التضحية بمستقبلها لإنقاذ كوكب الأرض، ولكن إذا أردنا أن نصل إلى صافي صفر انبعاثات، يجب على المجتمع الدولي أن يضمن أن انتقال الطاقة يخلق فرصاً للبلدان ذات الدخل المنخفض، لا سيما تلك التي تقع على الخطوط الأمامية لتغير المناخ.
ليس هناك مكان أكثر وضوحاً للتوتر بين تعزيز النمو ومكافحة تغير المناخ من قارة آسيا، وعلى الرغم من المشهد الجيوسياسي المليء بالتحديات، فقد تعافت اقتصادات آسيا من جائحة (كوفيد 19) مع نمو قوي وتجارة مزدهرة، وذلك بفضل الاتفاقيات الإقليمية الجديدة وتوسع سلاسل القيمة، وفي الوقت نفسه تكافح العديد من الحكومات الآسيوية للتعامل مع تلوث الهواء الحاد في المناطق الحضرية وزيادة وتيرة العواصف والفيضانات القوية، وفي حين أن آسيا مسؤولة عن أكبر انبعاثات في العالم من غازات الاحتباس الحراري مع أعلى كثافة كربونية، فهي أيضاً موطن لـ99 من 100 مدينة في العالم الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ.
إن التحول إلى صافي صفر انبعاثات هو مهمة ضخمة تتطلب تعزيز قدرات الدولة، وكما يشير تقرير جديد صادر عن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية فإن هذا يمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه الاقتصادات الناشئة والنامية على الإطلاق. تحتاج الشركات المتقاعسة مثل الشركات المملوكة للدولة ذات البصمات الكربونية الضخمة والبنوك التي تسيطر عليها الدولة، التي تستثمر بشكل مفرط في الوقود الأحفوري، إلى أن تصبح رائدة في تطوير الطاقة المتجددة. وبالمثل، يجب على الحكومات تطوير وتنفيذ سياسات لتحقيق مهام محددة من أجل تسعير استخدام الكربون بدقة وتشجيع الابتكار الأخضر والتخلص التدريجي من الاعتماد على النفط والفحم بطريقة مستدامة اجتماعياً وسياسياً.
إن بعض الشركات المملوكة للدولة قد بدأت بالفعل في التصدي لتلك التحديات، فمنذ أن تعهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2070، قامت شركة التعدين المملوكة للحكومة «كول إنديا» بالتركيز بشكل متزايد على الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، وبالمثل وجّهت الحكومة الصينية شركات الكهرباء «الخمس الكبار» المملوكة للدولة لأخذ زمام المبادرة في إضفاء الطابع الأخضر على النظام، كما يوجد تغيير كذلك ضمن المؤسسات المالية المملوكة للدولة، فقد تبنى بنك أيكسم الصيني، على سبيل المثال، إطاراً أخضر لعملياته المحلية.
لكن لا نستطيع أن نحقق حيادية الكربون على المستوى العالمي بدون مساهمات كبيرة من القطاع الخاص، وبينما تركّز المناقشات عادة على القدرات التمويلية للشركات الخاصة، فإن المهارات والتقنيات التي يمكن أن تقدمها تلك الشركات لعملية الانتقال هي أكثر أهمية، لكن من أجل ازدهار القطاع الخاص نحتاج إلى دولة قادرة على محاربة الفساد وتطبيق المنافسة وحماية حقوق الملكية، ولهذا السبب فإن القطاع الخاص هو الأضعف في البلدان التي تفتقر إلى قدرات كافية للدولة.
إن من اللافت للنظر أنه في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند وإندونيسيا، تم تطوير مصادر الطاقة المتجددة بشكل حصري تقريباً بواسطة شركات خاصة، وقد أدى ذلك إلى تعزيز طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل سريع، لكنه خلق أيضاً انقساماً بين صناعات الوقود الأحفوري التي ترعاها الدولة، وقطاع الطاقة المتجددة المملوك إلى حد كبير للقطاع الخاص. تعتبر مبادرات التنويع ضرورية لتسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ولكن يجب أن يحدث ذلك دون تقويض حوافز القطاع الخاص.
يتمثل الجانب الأكثر صعوبة في الاقتصادات الناشئة والنامية والمتقدمة على حد سواء في أن التحول يتطلب مواءمة وتنسيقاً غير مسبوقين بين صانعي القرار في ما يتعلق بكافة جوانب الاقتصاد، ومن أجل تحقيق ذلك فإن سعر الكربون الذي يعكس التأثير المناخي الحقيقي للعديد من الأنشطة هو أمر بالغ الأهمية لأي إطار تنسيقي، لكن العديد من البلدان، بما في ذلك الصين والهند، واجهت صعوبات في ما يتعلق بفرض سعر معقول على الكربون، وفي معظم الحالات تمكنت من تغطية عدد قليل فقط من القطاعات.
لكن تسعير الكربون وحده لا يكفي لتحقيق صافي صفر انبعاثات بالسرعة الكافية. تحدثت ماريانا مازوكاتو وآخرون عن الحاجة إلى «طلقات القمر»، وهي عبارة عن مشروعات حكومية تحدث لمرة واحدة، وتكون بمثابة إلهام للسياسات الصناعية الموجهة نحو تحقيق المهام، وفي هذا السياق تعمل سنغافورة حالياً على إنشاء إطار عمل تعمل بموجبه الكيانات الحكومية عن كثب مع المؤسسات المالية المملوكة للدولة والشركات الخاصة لتحقيق هدف صافي صفر انبعاثات. سيكون الشعور بالهدف المشترك الذي يجمع تلك المؤسسات ضرورياً للوصول إلى هذا الهدف.
تلقي الجهود التي يتم تنسيقها على نطاق واسع أعباء ثقيلة على قدرة الدولة، حيث يعتبر إعطاء الأولوية لبعض القطاعات والتقنيات على حساب أخرى مهمة صعبة بطبيعتها، وغالباً ما تكون عرضة للتأثيرات الخارجية وخدمة مصالح مكتسبة، ولهذا السبب اقترح المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارك كارني وآخرون أن يساعد شركاء التنمية البلدان على بناء قدرات الدولة التي تعتبر حيوية من أجل الانتقال إلى صافي صفر انبعاثات. لقد أطلقت العديد من البلدان، بما في ذلك باكستان والفلبين، نسخاً تجريبية من تلك المنصات على المستوى الوطني.
لسوء الحظ فإن البلدان التي تعاني من أسوأ تأثيرات التغير المناخي هي الأضعف من حيث قدرات الدولة، حيث يجب على المجتمع الدولي دعم البلدان المعرضة للمخاطر، مثل أفغانستان وميانمار وبنغلاديش وجزر المالديف، على بناء القدرات اللازمة لاستدامة التحول إلى اقتصاد صافي صفر انبعاثات.
يجب أن يُنظر إلى التحول على أنه عادل، وذلك من أجل أن ينجح، فالتحول لا يمكنه أن يعمل على إدامة الفروقات بين الدول الغنية والفقيرة، كما يجب أن يتجاوز الفروقات الاجتماعية والاقتصادية داخل البلدان أيضاً. تعد البرامج التي تعيد تأهيل العمال وتنقل مهارات قيمة من صناعات الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة من الأمور الأساسية، لكن تلك البرامج تتطلب الاستثمار والتنفيذ الدقيق.
من المهم جداً أن تقوم الاقتصادات الناشئة والنامية في آسيا وخارجها بتطوير مشروعات حكومية خاصة بها تحدث لمرة واحدة، وتكون بمثابة إلهام للسياسات الصناعية الموجهة نحو تحقيق المهام الخاصة بها. يجب أن تؤدي الرؤية الإيجابية للازدهار المشترك إلى استبدال التقنيات الملوثة ببدائل أكثر توافقاً مع البيئة. يعد تحقيق اقتصاد صافي صفر انبعاثات أمراً بالغ الأهمية للتخفيف من أسوأ تأثيرات تغير المناخ، ولكن إذا كانت الدول النامية تتوقع أن تتخلف عن الركب، فإنها لن تلحق أبداً.