التحديات المُلحة في أمريكا اللاتينية
خورخي جاستيلوميندي
واشنطن - "نحن مُقبلون على مرحلة التمرد والتغيير. هناك من يعتقد أنَّ القَدَر في الميزان الإلهي؛ لكن الحقيقة هي أنه يواجه ضمير الرجال بتحدٍّ حاسم". تُعدُّ كلمات الروائي من الأوروغاوي إدواردو غاليانو هذه وثيقة الصلة بوضع أمريكا اللاتينية اليوم كما كانت عندما كتبها قبل 50 عامًا.
واليوم، يجب النظر في احتمالات إدارة تحدي تغير المناخ في المنطقة في سياق أزمة فيروس كوفيد 19. لقد ألحقت الجائحة أضرارًا بالغة ببلدان أمريكا اللاتينية المستضعفة بالفعل، مما يؤكد نقص استثماراتها التاريخية في البرامج الاجتماعية اللازمة لرفع مستوى الفقراء وحماية الطبقات المُتوسطة.
حتى قبل التكاليف الهائلة الناجمة عن اندلاع الجائحة، سجّلت المنطقة أعلى معدلات البطالة غير الرسمية في العالم. كانت معظم أنظمة الرعاية الصحية لديها تعاني من نقص التمويل - كما حدث في بيرو، التي لم يكن لديها سوى نحو 100 سرير للعناية المركزة في بداية الجائحة (سرير واحد لكل 30.000 شخص). وكان نحو 21٪ من سكان أمريكا اللاتينية يعيشون في أحياء فقيرة مع إمكانات محدودة أو مُنعدمة في الحصول على مياه صالحة للشرب ومياه الصرف الصحي، والمناطق الخضراء، والكهرباء التي يمكن الاعتماد عليها.
في خضم هذه الجائحة، ظلَّت الأزمة التي تفرضها التغيرات المناخية مُتصاعدة وخطيرة كما كانت دائمًا. ووفقًا للبنك الدولي، "يُعاني ما بين 150.000 و 2.1 مليون شخص سنويًّا في المتوسط من الفقر المدقع في المنطقة بسبب الكوارث الطبيعية".
بعد كل شيء، تعتمد قدرة بلدان أمريكا اللاتينية على إزالة الكربون وبناء القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية على إمكانيتها في تحقيق أهدافها الاجتماعية. لطالما كان هناك، ولا يزال، ارتباط وثيق بين هاتين المسألتين. ليس من قبيل المصادفة أنَّ سجل المنطقة في تحقيق الأهداف المناخية لا يقل سوءًا عن سجلها في تأمين العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
إنَّ السعي إلى تحقيق تنمية أكثر استدامة والتصدي للأضرار الناجمة عن الجائحة لن يتطلب الوقت والموارد فحسب، بل أيضًا ترتيبات اجتماعية وسياسية جديدة. هناك دلائل تُشير إلى أنَّ مثل هذه التغييرات جارية بالفعل (أو ستحدث قريبًا) في كوبا وتشيلي وبيرو وكولومبيا.
ومع ذلك، يكمن الخطر الآن في أنَّ العديد من التدابير المالية التي تمَّ تنفيذها استجابة للجائحة من شأنها أن تُديم الممارسات الكثيفة الكربون. تتجنَّب العديد من الحكومات، التي لا تزال عاجزة عن الخروج من الأزمة الحالية، الاستعداد للتعامل مع التأثيرات المتوسطة والطويلة المدى التي قد يُحدثها تغير المناخ على حياة مواطنيها وسبل عيشهم.
ووفقًا لمؤشر "التحفيز الأخضر" الصادر في فبراير/ شباط 2021، والذي يُقيم التأثيرات البيئية المترتبة على سياسات الاستجابة للجائحة في مختلف دول مجموعة العشرين، سجَّلت جميع دول أمريكا اللاتينية التي شملتها الدراسة - الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك - مستويات سلبية. تنتمي هذه البلدان إلى غالبية الدول التي تفتقر إلى حزمة الانتعاش وإلى "تركيز واضح على تغير المناخ والأهداف البيئية"، الأمر الذي سيضرُّ أكثر مما سينفع.
على سبيل المثال، اتخذت البرازيل بعض التدابير لإزالة القيود التنظيمية المفروضة على استخدام الأراضي في منطقة الأمازون، بدعوى تحقيق النمو الاقتصادي. فقد عملت السلطات البرازيلية على تخفيف القيود المفروضة على قَطع الأشجار والتعدين المدمرين بيئيًّا، كما خفَّفت من شروط الحصول على تصاريح الاستثمار. تُحاول الحكومة أيضًا تطبيق تشريع من شأنه أن يسمح للمزارعين الذين احتلوا أراضي بشكل غير قانوني بالمطالبة بحق الملكية القانونية إذا تمكّنوا من إثبات أنهم جعلوها "مُنتجة". وتأتي هذه التدابير إضافة إلى الإجراءات الأخرى التي قلَّلت من الرقابة في منطقة الأمازون أثناء الجائحة، عندما طُلِب من ثلث موظفي إنفاذ القوانين البقاء في منازلهم.
وفي وقت سابق من هذا العام، في قمة "القادة حول المناخ" التي استضافها الرئيس الأمريكي جو بايدن، التزم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بالحد من عمليات إزالة الغابات غير القانونية بحلول عام 2030. ومع ذلك، تعمل سياسات حكومته على توجيه البرازيل في الاتجاه المعاكس. ووفقًا لما جاء في تقرير معهد الموارد العالمية، فقد "زادت إزالة الغابات الأولية في البرازيل بنسبة 25٪ في عام 2020 مقارنة بالعام السابق".
إنَّ السياسات الحالية للبرازيل كارثية ليس فقط فيما يتعلَّق بالمناخ، ولكن أيضًا بالنسبة لاقتصادها. على الرغم من أنها تدعي دعم النمو والدخل، إلا أنها ستفرض تكاليف أكبر على المدى الطويل على البرازيليين. وعلى النقيض من ذلك، يُقدر تقرير صادر عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ بعنوان "اقتصاد المناخ الجديد" ومعهد الموارد العالمية بالبرازيل أنَّ من شأن المحافظة على البيئة والاستجابة أكثر لفيروس كوفيد 19 - بما في ذلك الاستثمارات في نموذج زراعي أكثر استدامة - أن تخلق مليوني فرصة عمل إضافية وتُعزز الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل بما قد يصل إلى 535 مليار دولار على مدى العقد المقبل. ومن شأن نفس السياسات أن تُعزز المرونة وتحمي الموارد الطبيعية للبرازيل من المزيد من التدهور، مما سوف يساعد على منع ظاهرة "التملح" المستمرة لغاباتها المطيرة.
في حين تُبرز البرازيل بوضوح مساهماتها البيئية السلبية، تعمل شيلي كمثال على كيفية استخدام حكومات أمريكا اللاتينية للانتعاش من أجل تعزيز أجندة المناخ. وفي إطار حزمة (تشيلي تنتعش خطوة بخطوة)، خصصت الحكومة 30٪ من أموال الانتعاش للاستثمارات في التنمية المستدامة، الأمر الذي يُعزز كل من أهداف الحد من الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية.
والأهم من ذلك أنَّ الخطة تُركِّز بشكل أساسي على السياسات والاستثمارات لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية. بدءًا من توسيع نطاق إمكانية الوصول إلى المياه والحد من التلوث في المناطق الحضرية إلى كهربة الحافلات وإعادة تجهيز المباني العامة، ستخلق هذه البرامج فرص عمل جديدة، وهو ما من شأنه أن يمنح الفرصة لتحقيق انتقال ناجح منخفض الكربون.
علاوة على ذلك، تُركز خطة الشيلي على قطاع الطاقة باعتباره مُحرك الانتعاش الاقتصادي. سيتم توجيه الاستثمارات المقدرة بأكثر من 5 مليارات دولار نحو بناء 28 مرفق جديد للطاقة المتجددة، الأمر الذي سيخلق أكثر من 2000 فرصة عمل إضافية.
وقد برزت الشيلي اليوم باعتبارها رائدة مُحتملة في مجال المناخ في المنطقة. ولكن مع المضي قدمًا، يُشير مُحللون تابعون لمجلس الدفاع عن الموارد الوطنية إلى أنه يجب "ضمان تقاسم المنافع بشكل عادل" وأنَّ "البنية الأساسية للطاقة النظيفة لا تؤدي إلى آثار اجتماعية وبيئية سلبية". وقد خلصوا إلى أنه إذا تمكَّنت الشيلي من توفير "انتقال عادل" لجميع المجتمعات المحلية مع "خفض استخدام الفحم تدريجيًّا"، فإنها "ستساعد أيضًا على تلقين دروس مهمة لجيرانها".
خورخي جاستيلوميندي هو مدير السياسات العالمية في مؤسسة مركز أدريان أرشت - روكفلر من أجل المرونة التابع للمجلس الأطلسي ورئيسًا مشاركًا في حملة كوب 26 رفيعة المستوى لأبطال المناخ من أجل السباق نحو المرونة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org